الوضوح الذي تكلم به رئيس الحكومة أمام مجلس النواب الاثنين الماضي حول ملف تشغيل العاطلين من حملة الشهادات، يجب أن يتبناه وينخرط فيه كل الفاعلين السياسيين والنقابيين والاقتصاديين من دون أي جنوح نحو الشعبوية أو المزايدات، لأن ضخامة الملف، تفرض اليوم قول ما يجب أن يقال، والانكباب على بلورة الحلول الحقيقية للمعضلة، ولهذا فشجاعة رئيس الحكومة تمثل فرصة لا يجب تضييعها، وإنما لابد من استثمارها لتفعيل حوار وطني حقيقي حول الموضوع.
في ذات السياق، فإن اللقاء الذي شهد تقديم دراسة وتقارير حول «التحديات الجديدة لقابلية التشغيل بالمغرب»، مكن أيضا من امتلاك وثائق مهمة أشرف على إعدادها المجلس الاقتصادي والاجتماعي، كما أتاح الإنصات لجرأة وزير التشغيل والتكوين المهني الذي ابتعد عن اللغة الخشبية لمثل هذا المقام، وجر الحاضرين لتفحص مختلف البرامج السابقة ذات العلاقة بتوفير الشغل للشباب، ولم يتردد في انتقاد بعضها، وكشف الاختلالات العملية والمجالية التي أفرزتها في الواقع.
إن الواقعتين معا أبرزتا حاجتنا كمجتمع إلى تطليق لغة المزايدة ودغدغة العواطف، وفتح الأعين على تحديات الواقع وإكراهات المحيط، وبالتالي حاجتنا إلى التعامل مع بطالة خريجي الجامعات والمعاهد العليا بكثير من الواقعية والجرأة والصراحة، بما في ذلك من طرف الشباب العاطل نفسه.
إن إيجاد شغل لا يعني اليوم تكديس الراغبين داخل مكاتب الإدارات، فقط لكي يحصلوا في متم كل شهر على راتب، ويضمنوا تقاعدهم وبطاقة الكنوبس، وسواء عملوا أو لم يعملوا فهذا لا يهم.
وإن إيجاد شغل ليس أيضا جائزة تقدم لكل من حضر الوقفات الاحتجاجية أمام البرلمان أو شارك في الاعتصامات أو الإضرابات عن الطعام أو حاول الانتحار أو حرق نفسه.
ثم إن إلزامية خوض مباراة من أجل التوظيف، لا يجب أن يكون مفروضا فقط على من لم يتمكن من الوصول إلى العاصمة للاحتجاج، أو على من لم يستطع تسجيل اسمه في قوائم التنسيقيات والاتحادات، أو على من لم تتوفر له النقط التي يتيحها له الحضور في الوقفات.
إن التصريح بكل هذا ليس معناه عدم التضامن مع العاطلين ومع نضالات جمعياتهم وتنسيقياتهم، لكنه التضامن الذي يقول الحقيقة، ويستحضر واقع البلاد ومستقبلها، ومستقبل الأجيال المقبلة من المغاربة.
اليوم يجب على بلادنا أن تقدم على خطوات شجاعة في مجال إصلاح التربية والتعليم، وأن تعيد للجامعة المغربية ألقها، وتطور دورها لكي تستجيب لسوق الشغل، ولكي تكون البرامج والتكوينات والشهادات ملائمة للاقتصاد الوطني، ونفس الرهان مطروح على مؤسسات التكوين المهني.
اليوم أيضا يجب أن تتم مراجعة مختلف البرامج التي وضعتها الدولة لقطاع التشغيل، كما يجب على القطاع الخاص المغربي أن ينجح في جعل الشباب المغربي يثق أكثر في جدية المقاولات الوطنية.
وتبعا لما سبق، فإن الكل مطالب اليوم بالمساهمة في تغيير الثقافة السائدة وسط شبابنا حول الشغل، وحول دور الدولة، وحول مسؤولية الفرد، وحول أهمية بذل الجهد، وهذه معركة ثقافية وتربوية، يجب أن تنخرط فيها الأسر ووسائل الإعلام والنقابات والجمعيات والأحزاب، وأيضا المدرسة والجامعة.
والبداية تكمن في التحلي بالشجاعة، وبصراحة الخطاب كما فعل رئيس الحكومة من داخل البرلمان، وكما التزم بذلك وزير التشغيل والتكوين المهني.
[email protected]