نظمت جمعية “اتحاد قاضيات المغرب”، يوم الجمعة 26 نونبر الماضي، دورة تكوينية جديدة من الدورات المخصصة لتدارس موضوع النزاهة القضائية ومحاربة الفساد، احتضنتها مدينة طنجة، وهو اللقاء الذي تم تنظيمه بشراكة بين اتحاد قاضيات المغرب ووزارة العدل، بحضور وازن لثلة من قضاة جهة طنجة تطوان، ومدن أخرى.
استهلت أشغال الدورة التكوينية بكلمة لأمينة سكراتي رئيسة اتحاد قاضيات المغرب، أشارت فيها إلى أهمية مناقشة هذا الموضوع تزامنا مع نشر مدونة الأخلاقيات القضائية في الجريدة الرسمية، مؤكدة على المبادئ التي تضمنتها المدونة وعلى رأسها مبدأ “النزاهة” الذي يعني بحسب التعليقات الواردة على وثيقة بنغالور “الاستقامة” و”الصلاح”، إذ يتعين على القضاة التصرف بشرف وأسلوب يناسب المنصب القضائي وأن يكونوا فوق مستوى الشبهات من وجهة نظر المراقب المعقول.
وأضافت رئيسة اتحاد القاضيات، أن معيار النزاهة يسري على الحياة المهنية للقاضي وكذا على حياته الشخصية، والهدف من إعمال هذا المعيار هو تعزيز ثقة العامة في القضاء.
أما في مدونة الأخلاقيات القضائية بالمغرب، فقد أكدت المتدخلة أن المقصود بالنزاهة، “الابتعاد عن أي سلوك مشين، ورفض كل إغراء مادي أو معنوي يؤثر على عمل القاضية أو القاضي، ويسيء الى سمعتهما والى السلطة القضائية ككل”، مشيرة في هذا المجال إلى أن الالتزام بمبدأ النزاهة يهدف إلى تكريس وعي القاضية والقاضي بأن تصرفهما الشخصي ينعكس بكيفية تلقائية على صورة السلطة القضائية وعلى سمعة زملائهما وكذا على ثقة المجتمع فيهما.
من جهته، اعتبر الدكتور أنس سعدون مناقشة مبدأ النزاهة وفق مدونات الأخلاقيات القضائية في العالم يطرح عدة إشكاليات من قبيل المعيار المعتمد عليه في قياس مدى الالتزام بقيمة النزاهة، ومفهوم المراقب المعتدل، وحدود التمييز بين الحياة الخاصة والعامة للقضاة، ووجود معايير غير موحدة بكافة المجتمعات، مستعرضا عددا من السوابق القضائية الوطنية والدولية.
وأضاف المتدخل، “حينما نناقش موضوع الأخلاقيات القضائية عموما وموضوع النزاهة على وجه الخصوص، يستحضرنا سؤال عن أي نموذج للقاضي نتكلم؟ هل نتكلم عن نموذج شخص زاهد في الحياة قديس منقطع عن ملذات الحياة، أم ينبغي أن نتحدث عن نموذج القاضي الإنسان”؟، مشيرا إلى أن نادي القضاة أوصى في مذكرته بضرورة اتخاذ المعايير المعتمدة في رسم صورة القاضي النموذجي وفق معايير واقعية، تراعي واقع الوظيفة القضائية وحجم العوائق والتحديات التي تواجهها، مقترحا تقديم تعريف دقيق لمفهوم المراقب المعتدل أو المعقول والذي يعكس “نظرة المواطن/الإنسان الواعي بالتزامات المنصب القضائي ودوره في المجتمع والمنسلخ عن الأحكام المسبقة، ويعكس وجهة نظر الغير من سلوك القاضي بشكل موضوعي”.
من جهة أخرى، توقف أنس سعدون عند بعض التجارب الدولية في مقاربة موضوع أخلاقيات القضاء، والتي تعتبر أن السؤال الحقيقي الذي ينبغي طرحه لا يكمن فيما إذا كان التصرف مقبولاً أم غير مقبول بالنسبة لمعايير المجتمع، بل يجِب أن يكون عما إذا كان التصرف المذكور ينعكس على المكونات الأساسية لقُدرة القاضي على أداء العمل المنوط به، وهي: العدل، والاستقلالية واحترام عامة الناس؛ بالإضافة إلى انعكاس تصرفه على وجهة نظر الناس في مدى أهليته للقيام بعمله”، مشيرا إلى أن جانبا من الفقه المقارن اقترح بعض المعايير الاسترشادية، والتي تقوم على دراسة جوانب منها:
طبيعة التصرف، سواء إن كان قد تم بشكل علني أو سري، وبالأخص إذا ما كان يتعارض مع قانون معمول به؛
المدى الذي يعد فيه السلوك مكفولاً على اعتباره حق شخصي؛
درجة حرص وحيطة القاضي؛
إذا ما كان السلوك مؤذياً بشكل خاص بالنسبة للأطراف المعنية عن قرب أو أنه يعد مهينا للآخرين من وجهة نظر المراقب المعتدل؛
درجة احترام أو عدم احترام المجتمع أو أفراد بالمجتمع الذي ينم عنه السلوك؛
مدى إشارة السلوك لوجود تحيز، أو تحامل أو تأثير غير لائق.
أطوار الدورة التكوينية عرفت مناقشة عدد من النوازل العملية على ضوء مدونة الأخلاقيات القضائية ووثيقة بنغالور، وقد اختتمت الأشغال بالخروج بعدد من الخلاصات والتوصيات أهمها:
دور المسؤول القضائي في التأطير، دور الجمعيات العامة للقضاة بالمحاكم في التأطير؛إعادة النظر في شروط ولوج المهنة، وفي مناهج تكوين القضاة في اتجاه انفتاح أكبر على التجارب الدولية المقارنة؛ التخفيف من عبء التحرير على القضاة؛
مراعاة الجانب النفسي والاستقرار العائلي للقضاة؛ مراعاة مقاربة النوع الاجتماعي داخل منظومة العدالة؛ الاهتمام بتحسين ظروف عمل القضاة؛
تحسين الوضعية المادية والاجتماعية للقضاة؛ ضرورة تدقيق المقتضيات الفضفاضة الواردة في مدونة الأخلاقيات؛ اعتماد التأويل الديمقراطي في تنزيل مقتضيات مدونة الأخلاقيات القضائية؛ التعجيل بنشر قرارات المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المادة التأديبية عملا بأفضل الممارسات الدولية في المجال؛ اعتماد مفهوم “المراقب المعقول” الوارد في وثيقة بنغالور؛ أهمية التشبيك بين الجمعيات المهنية للقضاة والجمعيات الحقوقية ومختلف المتدخلين الحكوميين وغير الحكوميين الفاعلين في محاربة الفساد؛
تحسين شروط ولوج المتقاضين إلى العدالة؛ النشر الاستباقية للمعلومات؛ دعم جهود التحديث وعصرنة المحاكم وورش الرقمنة كأداة لتحقيق شفافية المرفق القضائي؛ إعداد دليل عملي للتفتيش القضائي؛ احترام حقوق الدفاع أمام جهاز المفتشية العامة للشؤون القضائية.