دور القضاء في تكريس الحقوق الدستورية

حسن عربي

نظمت محكمة النقض، ندوة حول ” دور القضاء في تكريس الحقوق الدستورية” بقاعة محمد العربي المساري ضمن الأنشطة الموازية للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، شارك فيها باحثون ورجال قانون وقضاة ومحامون ونشطاء من المجتمع المدني، من أجل تعميق النقاش حول آليات تكريس القضاء للحقوق الدستورية ومن ثم تسليط الضوء على قرارات محكمة النقض بهذا الخصوص.
 وفي هذا الإطار، قال الدكتور حسن فتوخ، مستشار بمحكمة النقض، ورئيس قسم التوثيق والدراسات والبحث العلمي، أنه إذا كانت رسالة محكمة النقض تتمثل في إرساء النص القانوني وسلامة تطبيقه تكفي وحدها لتعظيم دورها وإجلال قدرها، فإن دورها يزداد علوا عندما لم تكتف بتطبيق النصوص القانونية، وإنما تعمد إلى تطويع تلك النصوص بالتأويل أو التفسير أو القياس لزيادة الحماية المقررة لحقوق الإنسان وتجسيد الضمانات التي تكفل صون أو صيانة حريته وماله، وهو ما يتجلى  في نظره، بشكل ملموس من خلال العديد من اجتهاداتها القضائية. وقدم المتدخل بالمناسبة، في مداخلة له بعنوان: “مســــار محكمــــة النقـــــض في تكريس الحقوق الدستورية “، بعض الأمثلة على سبيل الحصر، حيث قررت محكمة النقض بأن” اعتداء المدرس على تلميذه بالضرب يشكل خطأ جسيما وخرقا لاتفاقية حقوق الطفل المؤرخة في 1989.11.20 والمصادق عليها من طرف المملكة المغربية بمقتضى الظهير الشريف بتاريخ 1996.11.21 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4440 وتاريخ 1996.12.19.
وعن الحدود الفاصلة بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، اعتبر المتدخل أن الدستور المغربي الجديد  كرس صراحة مبدأ الفصل بين السلط من خلال الفصل 107 والفصل 113، مشيرا في الوقت نفسه، إلى أن الوظيفة الإيجابية لمحكمة النقض جديرة بالاعتبار بالنسبة لتقويم اختلالات الإدارة والارتقاء بثقافة الديمقراطية وتحسين علاقة الإدارة بموظفيها وحماية الموظف والقاضي من الشطط وخلق جو ملائم لاستقراره يدفعه لخدمة الشأن العام دون خوف من الانتقال، من خلال اشتراط عدم التعسف وعدم الانحراف في استعمال السلطة والمساس بمبدأ المشروعية أثناء ممارسة الإدارة لسلطتها التقديرية. كما ذكر بمهام محكمة النقض المتمثلة أساسا في مراقبة كيفية التطبيق السليم للقانون على المستويين الإجرائي والموضوعي من أجل تحقيق العدالة المطلوبة.
 وأبرز باقي المشاركين،(عبد الحفيظ أدمينو أستاذ بكلية الحقوق والعلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد الخامس بالرباط وإبراهيم بولحيان، رئيس سابق لغرفة بمحكمة النقض وعبد الرحمن الشرقاوي أستاذ بكلية الحقوق بالرباط)، في  هذه الندوة عن دور القضاء في ضمان مجموعة من الحقوق  الأخرى، ضمنها الحقوق السياسية. حيث اعتبروا أن دستور 2011 كرس مجموعة من الحقوق ضمنها تنصيصه على الحقوق السياسية والحريات وتأكيده على دور القضاء في حماية هذه الحقوق وممارستها في إطار الخيار الديمقراطي.
 واستدلوا في هذا السياق، بعدد من القرارات والأحكام التي أصدرها القضاء خلال الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، ودوره في حماية وضمان نزاهة الانتخابات انطلاقا من التسجيل في اللوائح الانتخابية إلى إعلان النتائج مرورا بوضع الترشيحات والعمليات المواكبة للحملات الانتخابية إلى جانب السهر على ضمان حياد الإدارة الترابية حيال هذه الاستحقاقات.
 وذكر المتدخلون ببعض القوانين التنظيمية للجماعات المحلية، خاصة المتعلقة بالمساواة والمناصفة في تمثيلية النساء بهذه الجماعات وفي استعمال الأماكن العمومية واستعمال وسائل الدولة حيث يتدخل القضاء من أجل حماية أحكام الدستور وحماية الحقوق والحريات. كما أكدوا على الدور المركزي للقضاء في تفعيل نحو 150 حقا يشمل الحقوق الكونية للإنسان خاصة منها “المحاكمة العادلة” في كل مراحل ودرجات التقاضي. كما أشاروا إلى أن القضاء في هذه المرحلة من التقاضي يعتبر عدم احترام بعض الإجراءات المسطرية من شأنه أن يتسبب في إبطال الأحكام.
 وتطرقوا في هذا الجانب الى بعض القضايا التي يمنع فيها الطعن في الأحكام والتي استطاع القضاء أن يراجع أحكامها تحقيقا للعدالة، كما تناولوا علاقة الاتفاقيات الدولية بالقانون المغربي وخطوط التماس بين السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية، مؤكدين على ضرورة السعي إلى تحقيق التعاون والتوازن بينها.
 وتوقف المشاركون أيضا عند سلسلة من القضايا التي عالجها القضاء المغربي ذات العلاقة بحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والتي صدرت بشأنها أحكام ضد إدارات عمومية لصالح مواطنين تتعلق على الخصوص بنزاع حول الملكية الخاصة والنساء السلاليات وقضايا الضرر البيئي، وذلك انطلاقا من اعتماد القضاء قاعدة المقتضيات القانونية ومطابقة الأحكام للقانون.

Related posts

Top