رهانات الإدارة الترابية

مثلت تعيينات الولاة والعمال التي جرت الجمعة الماضي، ثاني حركة تشهدها وزارة الداخلية في أقل من سنة، وهي بذلك تؤكد حرص جلالة الملك على إضفاء دينامية وتداول في المسؤولية  في الإدارة الترابية للمملكة. من جهة ثانية، كان واضحا أن التعيينات والتنقيلات شملت الأقاليم الجنوبية، سواء العيون أو السمارة أو كلميم أو بوجدور،  مجسدة إرادة جعل المسؤولين الترابيين في هذه المناطق في إنصات دائم وتفاعل مع الساكنة، من خلال تكريس المفهوم الجديد للسلطة، والعمل بسياسة القرب، وأيضا مواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تحياها المملكة في مختلف جهاتها.
وحملت التعيينات الأخيرة أيضا تعزيز الإدارة المركزية بشخصيات ذات تجربة طويلة في الجهات وعلى الصعيد المركزي، ما  قد يجعل «الكراج» هذه المرة، بالنسبة للبعض، بمثابة تهيئ لأدوار مقبلة بارتباط مع ما ينتظر البلاد من استحقاقات مختلفة.
وبقدر ما مكنت حركة الجمعة الماضي من ترقية عدد من المديرين المركزيين والعمال، وضمنهم امرأة واحدة أضيفت إلى اثنتين سابقتين، فإنها أيضا حملت أسماء من مجالات أخرى «الأمن، التعمير والإسكان…» إلى موقع المسؤولية في الإدارة الترابية، ما يجعل الإشارة واضحة في كون تدبير الولايات والعمالات يحتاج أيضا إلى موارد بشرية مؤهلة علميا وتقنيا، وبإمكانها متابعة مختلف أوراش التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمملكة.
وكان لافتا في السياق ذاته، أن لائحة العمال والولاة  ضمت أيضا وجوها حزبية وشخصيات سبق أن تولت مهمات انتخابية جماعية وبرلمانية ولديها انتماءات حزبية معروفة، وإن كان العدد قليلا على هذا المستوى، فإن الأمر يعزز القناعة بحاجة التدبير الترابي كذلك إلى كفاءات سياسية وطنية وذات تجربة وقادرة على الحوار وعلى التفاعل مع المحيط ومع الساكنة، وعلى إيجاد المخارج لكل التحديات السياسية والاجتماعية.
إن حركة التعيينات التي همت الإدارة الترابية، وبالرغم من كون عدد من المراقبين والصحفيين ربطوها بأحداث العيون الأخيرة، وبتطورات قضيتنا الوطنية، فإنها تكتسي بعدا وطنيا عاما من الضروري استحضاره، ويتعلق الأمر بالرهانات التي تنتظر البلاد على المستوى السياسي والتنموي، ولعل أبرزها المواعيد الانتخابية المقبلة، والإعداد القانوني والتنظيمي والسياسي لها، فضلا عن أوراش كبرى في مجالات السكن والتعمير والحكامة المحلية والأمن العمومي وتدبير الفضاء العام، وكلها قضايا يكون فيها لمسؤولي الإدارة الترابية الدور الأساسي، ومن مصلحة البلاد اليوم إدراج كل هذه الرهانات ضمن التدبير القائم على المفهوم الجديد للسلطة وعلى سياسة القرب، ومحاربة الفساد وتكريس دولة القانون في مختلف المجالات.

*

*

Top