زلازل وكوارث هزت العالم..-الحلقة 3-

على إثر الزلزال مدمر الذي هز تركيا وسوريا الشهر الماضي، والذي تلاه ما يزيد عن 4000 هزة ارتدادية، وهزات أخرى كانت أعنف، تعود بين الفينة والأخرى مجموعة من السيناريوهات التي تقض مضجع الناس حول ماهية هذه الكوارث وطبيعتها وكيف تحول حياة الناس بين ليلة وضحاها.
وخلال الأشهر القليلة الماضية فقط ضربت عدد من الهزات الأرضية دولا متعددة، وسجلت دول أخرى فيضانات وسيول جارفة، وأدت هذه الكوارث في مجملها لوفاة الآلاف من الناس والتأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على الملايين بدول مختلفة.
بيان اليوم ومن خلال هذه النافذة الرمضانية، تعيد شريط مجموعة من الأحداث التي عرفتها دول مختلفة، وضمنها بلادنا المغرب، حيث هزت، بين ليلة وضحاها، كوارث طبيعية شعور الناس وشدت الانتباه إليها وخلقت حالة من التحول في مسار الملايين.

زلزال ألاسكا العظيم أو “جمعة الآلام”

تتكرر الزلازل بشكل سنوي وبدرجات مختلفة بين دولة وأخرى، إذ فقط خلال الستينيات من القرن الماضي سجلت مئات الهزات الأرضية وآلاف الهزات الارتدادية ببلدان مختلفة.
وبين 1960 و1970 ضربت زلازل عنيفة عددا من المناطق والدول بأمريكا وآسيا على وجه الخصوص، هذه الأخيرة التي تعد القارة الأولى التي تضم بيئة خصبة للزلازل بالنظر للبنية التكتونية التي تقع عليها القارة الأسيوية.
وهكذا فقد سجلت عدد من الزلازل العنيفة على امتداد سنوات الستينيات، وكان من أبرزها زلزل تشيلي الذي تحدثنا عنه في الحلقة السابقة والذي يعد الزلزال الأعنف في التاريخ بعد الشروع في اعتماد معايير قياس دقيقة، حيث تم تسجيل هزة ضربت فالديفيا بمعدل 9.6 على سلم ريشتر والتي تعد الدرجة الأكبر التي تم تسجيلها على سلالم قياس الزلازل في العالم.


استمرت الهزات العنيفة، وسجلت إيران لوحدها عددا من الهزات، من ضمنها هزة شهيرة ضربت البلاد في 11 يونيو 1961 بشدة 6.4 درجة على سلم ريشتر، والتي أدت حسب بعض التقارير إلى وفاة ما يزيد عن 60 شخصا، فضلا عن هزة ثانية وهي الهزة الأعنف تلك الفترة، حيث بلغت شدتها 7 درجات على سلم ريشتر، وضربت منطقة بوين زهرة في فاتح شتنبر من العام 1962، وكانت نتائجها أكثر كارثية من زلازل أخرى ضخمة حيث قدر عدد القتلى بالآلاف (حوالي 12 ألف قتيل)، بالإضافة إلى دمار هائل.
في 1963، أيضا، سيتم تسجيل زلزال عنيف ضرب مدينة إسكوبية في جمهورية مقدونيا في 26 يوليوز من عام 1963، وتراوحت قوته بين 6.9 و7 درجات على سلم ريشتر، ما أسفر بشكل مباشر عن مقتل 1070 شخصا وإصابة وجرح ما بين 3000 و4000 آخرين، فيما وجد أزيد من 200 ألف شخص أنفسهم بدون مأوى جراء الدمار الهائل الذي خلفه الزلزال، إذ قدر حجم الدمار حينها بحوالي 80 بالمئة من مدينة إسكوبية.
إلا أنه، وفي حقبة الستينات، كانت ضمن سلسلة هذه الزلازل، إحدى أكبر الكوارث دمار بالنظر لحجم شدة الزلزال الذي بلغ حينها 9.2 درجة على سلم ريشتر، وهو الزلزال الذي سنتحدث عنه في هذه الحلقة.
في تمام الساعة الخامسة والنصف من يوم الجمعة 24 مارس 1964، ستستيقظ ساكنة ألاسكا على وقع هزة هي الأعنف في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، لدرجة جعلت ساكنة هذه الولاية يطلقون على هذه الكارثة “زلزال جمعة الآلام” لما خلفه من خسائر مهولة بهذه الولاية الأمريكية.
تفاصيل الزلزال كما ترويها عدد من التقارير، تشير إلى أن الزلزال ضرب منطقة الأمير ويليام ساوند في ألاسكا، واستمر بقوة 9.2 درجة على سلم ريشتر، واستمر لمدة 3 دقائق، وكان وقعه كبيرا ليس على الساكنة فقط، وإنما على مناطق بعيدة، حيث كان للزلزال ارتداد كبير في أجزاء من إقليم يوكون وكولومبيا البريطانية في كندا.
أدى زلزال الألسكا بشكل مباشر إلى حدوث تسونامي، إذ تسببت الانهيارات الأرضية الناجمة عن الزلزال في حدوث ما يقدر بنحو 20 موجة تسونامي دمرت العديد من البلدات على طول خليج ألاسكا.
هذا السونامي، سيؤدي بدوره إلى خراب واسع بمجموعة من القرى والبلدات الموجودة على ساحل ولاية الألسكا، كما سيتسبب في أضرار جسيمة في كولومبيا البريطانية وهاواي والساحل الغربي للبر الرئيسي للولايات المتحدة.
عقب الزلزال بدأت الأرض بالتصدع مما أدي إلي انهيار الهياكل العملاقة، وانهيار الطرق ومجموعة من المنشئات والمباني العام، خصوصا بمدينة أنكوريج التي تعد أكبر مدن ألاسكا أكثر تضررا حيث انهارت العديد من المنازل التي لم تخضع لهندسة الزلازل.
كما لحق الدمار الكثير من الممتلكات في مدن أخرى، نتيجة الإنزلاقات الأرضية التي نتجت عن هذه الكارثة، حيث انقطعت شبكة الطرق بين عدد من المدن، بفعل الانهيارات الأرضية .


من ضمن المدن الكثيرة التي تضررت أيضا إلى جانب مدينة أنكوريج، مدينة ” “غرينوود” و” بورتاغ”، حيث انخفضت الأرض بحوالي مترين ونصف، وأحدثت فجوة ضخمة على مستوى الطريق السريع “سيوارد”. فيما عانى سكان ميناء فالديز (ألاسكا) في مضيق الأمير ويليام من انهيار أرضي ضخم تحت الماء، والذي أسفر عن وفاة 30 شخصا من مدينة فالديز وداخل سفينة كانت راسية في الميناء وقت وقوع الزلزال.
بدوره، أدى تسونامي الذي وصل علوه إلى ما يزيد عن ثمانية أمتار في قرية شينجا إلى وفاة 23 شخصا من أصل 68 يعيشون في هذه القرية، كما دمرت عدد من المنشئات الأساسية.
ولم ينتهي دور هذه الكارثة فقط على المستوى القريب، بل امتد الدمار إلي ما هو أبعد من أمريكا الشمالية، حيث أدت إحدى أمواج تسونامي المدمرة المترتبة عن الزلزال إلى إلحاق الدمار بجزيرة هاواي واليابان وبعض الدول الأخرى.
عموما، وبالرغم من ضخامة هذه الكارثة في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية إلا أن عدد الضحايا لم يكن كبيرا نظرا لقلة الكثافة السكانية في المنطقة، فضلا عن بنيتها التي لا تضم تجمعات سكنية كبيرة أو أبنية عالية، إذ أودت هذه الحوادث الناجمة عن الزلزال إلى وفاة بين 131 و139 شخصا، بالإضافة إلى خسائر مادية فادحة.
وبحسب العلماء، فمنطقة ألاسكا تعد من المناطق النشطة زلزاليا، إذ يحدث زلزال بالمنطقة كل 10 دقائق، إلا أن هذا الزلزال بالضبط يعد أكبر هزة أرضية تم تسجيلها في تاريخ الولايات المتحدة، وثالث أقوى زلزال تم قياسه في تاريخ أمريكا الشمالية.

< إعداد: محمد توفيق أمزيان

Related posts

Top