على إثر الزلزال مدمر الذي هز تركيا وسوريا الشهر الماضي، والذي تلاه ما يزيد عن 4000 هزة ارتدادية، وهزات أخرى كانت أعنف، تعود بين الفينة والأخرى مجموعة من السيناريوهات التي تقض مضجع الناس حول ماهية هذه الكوارث وطبيعتها وكيف تحول حياة الناس بين ليلة وضحاها.

وخلال الأشهر القليلة الماضية فقط ضربت عدد من الهزات الأرضية دولا متعددة، وسجلت دول أخرى فيضانات وسيول جارفة، وأدت هذه الكوارث في مجملها لوفاة الآلاف من الناس والتأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على الملايين بدول مختلفة.

بيان اليوم ومن خلال هذه النافذة الرمضانية، تعيد شريط مجموعة من الأحداث التي عرفتها دول مختلفة، وضمنها بلادنا المغرب، حيث هزت، بين ليلة وضحاها، كوارث طبيعية شعور الناس وشدت الانتباه إليها وخلقت حالة من التحول في مسار الملايين.

زلزال مكسيكو 1985.. حين أدت الكارثة إلى تأسيس فرقة إنقاذ شهيرة في العالم

تعد المكسيك من الدول الأكثر عرضة لنشاط الزلازل والبراكين والفيضانات ومختلف الكوارث الطبيعية بالنظر لموقعها الجغرافي، حيث يقع كامل المكسيك تقريبا في صفيحة أمريكا الشمالية، مع أجزاء صغيرة من شبه جزيرة ولاية باخا كاليفورنيا على صفيحتي المحيط الهادئ وكوكوس.

ويجعل موقع مكسيكو من هذه الدولة بيئة خصبة للزلال والكوارث الطبيعية، إلا أنها وعبر التاريخ لم تشكل خطرا كبيرا كما هو الحال بالنسبة لدول أخرى، فضلا عن كون هذه الكوارث وإن كانت تترك خسائر مادية إلا أنها لم تكن تترك عددا كبيرا من الخسائر البشرية كما هو الحال بالنسبة لدول أخرى، كدول آسيا وبعض الدول الأخرى التي تسجل مئات الآلاف في الزلازل وغيرها من الكوارث، كما هو الحال لبعض الكوارث التي تطرقنا لها في الحلقات السابقة.

عاشت المكسيك على وقع العديد من الكوارث، خصوصا الأعاصير التي كانت دائما ما تضرب خليج مكسيكو والولايات المتحدة الأمريكية، كما هو الحال 1974 في شتنبر الذي شهد دخول الإعصار خليج المكسيك، إلا أنه تحول شمالا وأعيد تكثيفه بوصوله إلى الولايات المتحدة.

ومن ضمن الكوارث التي ما تزال حاضرة في ذاكرة وأذهان المكسيكيين، زالزال 1985 الذي كان من ضمن اسوأ الكوارث وأكثرها دمارا بالبلاد، حيث أودى بحياة الآلاف وترك خلفه دمارا وخرابا كبيرا في المنطقة.

وتعود تفاصيل هذه الكارثة إلى 19 شتنبر من عام 1985، حيث سيستفيق المكسيكيون على وقع كارثة تهز البلاد، هزة أرضية قوية بمعدل 8 درجات على سلم ريشتر كانت كافية لتجعل البلاد غارقة في الركام والدمار.

ضرب الزلزال في ساعة مبكرة من يوم 19 شتنبر 1985، بالضبط عند الساعة 7 و18 دقيقة صباحا، حيث استيقظ سكان مدينة مكسيكو سيتى على وقع  اهتزاز الأرض، فيما لم يستيقظ بعضهم إلا تحت الركام، دون الحديث عن الوفيات التي نجمت بشكل مباشر عن الزلزال.

ويعد زلزال مكسيكو أحد أقوى الزلازل التى ضربت المنطقة على الإطلاق، إذ خلف وراءه آثارا مدمرة بشكل خاص بسبب نوع الأرض التى تقع عليها المدينة، والتي، حسب مجموعة من الجيولوجيين، تقع مدينة على هضبة تحيط بها الجبال والبراكين، وكانت، في العصور القديمة، مغطاة بالبحيرات.

ونظرا لاستنزاف طبقة المياه الجوفية الموجودة أسفل المدينة ببطء، تم اكتشاف أن المدينة تقع فوق مزيج من الأوساخ والرمال التى تكون أقل استقرارا بكثير من طبقة الأساس الصخرية ويمكن أن تكون متقلبة للغاية أثناء الزلزال، وهذا ما سيجعل حجم هذه الزلزال مدمرا للغاية.

كان مركز الزلزال على بعد حوالي 400 كيلومتر إلى الغرب، ولكنه بسبب الأرض غير المستقرة نسبيا تحت المدينة، استمر هزة شديدة لمدة 3 دقائق تقريبا.

هذه الهزة الشديدة التي طالت لدقائق ستسبب في انهيار العديد من الفنادق القديمة، وكذا سقوط عدد المنشئات العامة ومن ضمنها مبنى فى الكلية الوطنية للتعليم المهني، مما أدى إلى محاصرة مئات الطلاب الذين كانوا يحضرون فصول الصباح الباكر.

كما انهارت عدد من المصانع بالبلاد، والتي واجهت فيما بعد انتقادات شديدة لكون مبانيها شيدت بمواد رديئة، ولم تستطع الصمود خلال الكارثة، التي تسببت أيضا، في كسر أنابيب الغاز، الأمر الذي سيتسبب في اندلاع الحرائق وحدوث انفجارات فى جميع أنحاء المدينة.

أدت هذه الكارثة في الساعات الأولى إلى وفاة الآلاف، قدرتهم حينها السلطات المحلية بحوالي 5000 قتيل، بالإضافة على أزيد من 10 آلاف جريح، إلا أن تقارير أخرى غير رسمية كشفت ان عدد القتلى فاق 10 آلاف ويرجح أن يصل إلى حدود 45 ألف قتيل.

كما تم تسجيل خسائر مادية فادحة للغاية بالنظر للخسائر التي طالت البنية التحتية والمصانع الموجودة بالمدينة، التي أجمعت معظم التقارير على أنها تعرضت لأضرار جسيمة بسبب ضخامة حجمها، حيث تم تسجيل انهيار 412 مبنى وتضرر أكثر من 3 آلاف بناية أخرى.

ومن بين الخسائر المهولة بشريا وماديا، هو ما لحق بعض التجمعات السكنية التي طالها الدمار، والتي من ضمنها مجمعان سكنيان وسط المدينة يطلق عليهما اسم “تلاتيلولكو” يقعان على تماس مع مركز تاريخي ضخم بالقرب من مترو سنترو ميديكو. حيث تضم هذه المجمعات السكنية الممتدة على مساحة حوالي كيلومترين، أزيد من 30 ألف وحدة سكنية، مجتمعة في 102 بناية مع 7 منشآت طبية و22 مدرسة وحوالي 500 شركة صغيرة، يشتغل بها أكثر من 80 ألف شخص.

وعلى إثر الزلزال، انهارت اثنتان من الوحدات الثلاث للمبنى والمسماة “نويفو ليون” بارتفاع 13 طابقا، بينما تعرضت الأخرى لأضرار بالغة، لتحاصر أكوام الركام آلاف السكان حينها، وهو ما جعل تقارير مؤسسات غير رسمية تتحدث عن عشرات الآلاف من القتلى، بينما تمسكت السلطات الرسمية بوجود بين 5000 و10 آلاف قتيل و30 ألف جريح فيما أعلنت عن عشرات الآلاف من الساكنة بلا مأوى.

وكانت لهذه الكارثة أثر مضاعف، نتيجة تأخر جهود الإنقاذ، خصوصا وأن المكسيك حينها لم تكن تتوفر على طواقم إنقاذ كافية، فضلا عن كونها طواقم غير مدربة على مثل هذه الكوارث، وهو ما زاد من هول الكارثة وصعوبة إنقاذ العالقين تحت الأنقاض.

رفضت المكسيك حينها عرضا للمساعدة في الإنقاذ من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها ستقبل فيما بعد المساعدات الأجنبية، من أجل تدارك الكارثة، واحتواء الخسائر التي ارتفعت مع بداية الانفجارات والحرائق التي اندلعت نتيجة تحطم وانكسار أنابيب الغاز، كما سبق الذكر.

ووسط المأساة والمعاناة، ستخرج للوجود إحدى أبرز فرق الإنقاذ التي ومنذ ذلك الحين تقدم مساعدات إنسانية وإنقاذ الآلاف بدول مختلفة، وبنفقتها الخاصة، دون ان تكون تابعة لأي سلطة حكومية أو جهة معينة.

وتعود تفاصيل تأسيس هذه الفرقة، إلى حجم الكارثة التي ذكرناها، والتي زكاها تعامل السلطات المكسيكية الذي زاد الطينة بلة ورفع الخسائر خصوصا في صفوف مدينة مكسيكو سيتي.

ومن ضمن الأماكن التي شهدت دمارا كبيرا التجمع السكني الذي يضم 30 الف وحدة سكنية وشركات والذي تحدثنا عنه، وكان هذا التجمع يجاوره مستشفى “خواريز”، حيث أن هذا الأخير ومع حجم الدمار الذي خلفه انهيار عدد من الأبنية بات محاصرا ولا يقدم الخدمات الضرورية للناجين.

وأمام عجز الآليات الثقيلة في الوصول إلى المحاصرين تحت الأنقاض، وقع تخبط كبير، وجرى كيل سيل من الاتهامات لمجموعة من المستثمرين وأرباب الشركات بالعمل على إنقاذ ماكيناتهم وآلياتهم بدل البحث عن ناجين أو انتشال جثث حوالي 150 عاملا من تحت الأنقاض.

وبما أنه كما سبق الذكر، لم يكن لدى الحكومة فرق إنقاذ مدربة، بادر عدد من المواطنين المدنيين إلى تنظيم كتائب وفرق للمساعدة في جهود الإنقاذ وتوفير المأكل والملبس والدعم النفسي للمشردين.

وعملت هذه الحركة التي ـسست كفرقة واحدة، تكون أغلبها من الشباب والعمال في حي يسمى “تلاتيلولكو”، حيث وأمام التفاني الذي قدموه في عملية الإنقاذ والحفر من أجل البحث عن الناجين من الزلزال، سيؤسسون لواء خاص بهم واختاروا له اسم “توبوس دي تلاتيلولكو” أو “لواء خُلد تلاتيلولكو” نسبة إلى حيوان الخلد الحفار.

وهكذا من رحم المعاناة وكارثة زلزال مكسيكو تأسست هذه الحركة المدنية الشهيرة “لواء خُلد تلاتيلولكو”، والتي تتنقل بين الدول التي تضربها بعض الكوارث على نفقاتها الخاصة من أجل الإنقاذ والبحث عن الناجين وتقديم الدعم للمنكوبين.

• إعداد: محمد توفيق أمزيان