زلزال الحوز يحدث الرعب والألم في حياة الضحايا الناجين

شبح الموت لا زال حاضرا

قاب قوسين أو أدنى من الموت، كذلك يشعر أهل القرى المنكوبة جراء الهزة الأرضية التي ضربت إقليم الحوز الجمعة الماضية ووصل صداها قرابة 400 كلم.

يعيش ضحايا الزلزال الناجين على وقع رعب حقيقي، خاصة أنه لا زال يتم تسجيل هزات أرضية خفيفة محسوسة متعددة بشكل يومي، آخرها والتي كانت محسوسة بشكل قوي ضربت صباح أمس الجمعة حوالي الساعة السابعة إلا ربع؛ شعرت بها أيضا بعثة بيان اليوم التي باتت ليلها بقرية تجريشت ضواحي جماعة إيجوكان إقليم الحوز.

ضحايا ناجين في وجبة عشاء في الخلاء تحت جنح الظلام

أوجه الرعب هنا بالقرى والمداشر أو بالأحرى المخيمات المحاذية لها حيث إن الزلزال محا كل شيء ولم يعد هناك إلا الأطلال وأكوام من الحجارة والأتربة؛ فشبح الموت الذي لا زال يخيم على الناجين من أهل هذه المناطق لا يرتدي رداء الهزات المتواصلة فقط، فتساقطات الحجارة والأتربة لا زالت أيضا مستمرة وتهدد السكان ومستعملي الطريق، وأيضا صعوبة الوصول إلى المستشفيات عند المرض والحالات الصحية المستعجلة، في ظل انهيار المستشفيات القريبة جراء الزلزال، وأيضا انقطاع الطرق لفترات بسبب تساقطات الحجارة والأتربة ووعورة الطرق المفتوحة.

قلة الأغطية والأفرشة والخيم بدورها تهدد حياة المتواجدين بالمخيمات الميدانية، خاصة في ظل انخفاض درجات الحرارة والتي بدأ تسجيلها منذ ليلة أمس الخميس، حيث كانت هناك رياحا قوية وبردا قارسا طيلة الليل.

الأطفال.. رعب وصدمة

الأطفال هنا بالمخيمات الميدانية يعيشون وضعا نفسيا خاصا جدا؛ فحتى هدير محركات الشاحنات الكبيرة يخرجهم مفزوعين ومرعوبين من الخيام ظنا منهم أنه زلزال.

تبدوا آثار الصدمة والخوف وقلة النوم جليا على محياهم، فهم لا ينامون إلا ساعات معدودة نتيجة الإرهاق.

مئات الأطفال بقوا تحت الأنقاض لساعات طويلة قبل إنقاذهم، ساعات في مكان مغلق ومظلم وسط الركام والغبار المتناثر وتنخفض فيه نسبة الأوكسجين بدرجة كبيرة…، فحتى تصور الوضع في المخيال يبقى مستحيلا ومرعبا، يصعب تصديقه، إلا أنه حقيقة.

من هؤلاء الأطفال من فقد والده أو والدته ومنهم من فقدهما معا، وهناك من بقي وحيدا، مما يجعلهم في وضع نفسي صعب جدا، فألم الفقدان وخسارة الأهل حطم قلوب الكبار، فما بال الصغار !

من هؤلاء الأطفال من لم يعد يتحدث من هول صدمة الفاجعة، وآخرون غير واعون بما يقع، فهم في حاجة ماسة ومستعجلة لمواكبة نفسية من طرف مختصين، حتى يتجاوزون هذه الأزمة.

قسوة الظلام والمرافق الصحية

ملزمون باتخاذ أمكنتهم وعدم مراوحتها بمجرد غروب الشمس، فحلول الظلام يجعل الناجين هنا بعشرات المخيمات في عداد المكفوفين.

بحلول الظلام لا يمكن أن ترى حتى من أمامك، حيث لم يعد هناك كهرباء ولم يتوصل الضحايا الناجون بمستلزمات الإضاءة من شموع أو مصابيح يدوية أو أي وسيلة للإضاءة، كما أن عليهم قطع مسافات طويلة لأجل شحن هواتفهم ببعض المخيمات القريبة من المراكز الجماعية والمعدودة على رؤوس الأصابع التي تم تزويدها بالكهرباء.

أطفال يصعدون من المخيم عبر سلم حديدي

الظلام يحول دون قضاء السكان حاجاتهم البيولوجية، فالخروج من الخيمة أو مغادرة المكان باعتبار أن هناك من لا زال لم يحصل على خيمة، يعد مستحيلا لوعورة التضاريس.

كما أن قضاء الحاجات يتم في الخلاء، في ظل غياب أي مرافق صحية، ويبقى هذا أول مطلب يعبر عنه كل من التقتهم بعثة بيان اليوم، فهم في حاجة ماسة لتوفير مرافق صحية متنقلة لقضاء حاجاتهم.

إن قضاء الحاجات البيولوجية في الخلاء وغياب أمكنة أو فضاءات خاصة بالاغتسال والاستحمام وأيضا انعدام الكهرباء وأيضا أدوات الإضاءة منها التقليدية (الشموع)، يؤزم الوضع أكثر ويرفعون من حدة قسوة حياة الناجين المتبقين من الفاجعة، ويزيدون من ألمهم ومعاناتهم.

ليلة واحدة بدون كهرباء، وها نحن نحرر هذا الروبورتاج عبر الهاتف وهو متصل بالشاحن المحمول فقط، نسارع الوقت قبل نفاذ الشحن، شعرنا بكم الرعب ودرجة القسوة التي يعيشها هؤلاء الناجون الذين سيعيشون في الخيام لوقت طويل في انتظار إعادة إعمار قراهم ومنازلهم.

روائح الموت..

تفوح من تحت أنقاض القرى المدمرة روائح جيف الحيوانات والطيور التي نفقت تحت الأنقاض.

روائح تزكم الأنوف وتصل في بعض القرى إلى المساحات التي شيدت فيها المخيمات، مما يعرض حياة الضحايا الناجين خاصة منهم الأطفال لخطر الأمراض والأوبئة.

بقرة نافقة جراء الزلزال

مشاهد الحيوانات النافقة من كلاب وأبقار وأغنام بدورها تدمي القلوب، وتعبر عن حجم الفاجعة على كل الكائنات الحية دون استثناء.

وإذا كان هناك تضامن وطني مع ضحايا الزلزال، فإن هناك تضامن مماثل مع ضحاياه من الحيوانات، حيث عمل عدد من المواطنين والفاعلين المدنيين على إنقاذ الحيوانات وإغاثتهم.

صادفت بيان اليوم شباب جمعية سفينة نوح وهم يعملون على إنقاذ كلب وتقديم الإسعافات اللازمة له، وقال ياسين أمشعرد الكاتب العام لمؤسسة سفينة نوح: “نقوم بمبادرة تطوعية، نقوم بإنقاذ الحيوانات، القطط الكلاب البغال، الحمير، وأي حيوان يحتاج للمساعدة، نقوم بحمل الحيوان المصاب على وجه السرعة لمدينة مراكش، حيث يوجد ملجأنا، كلم 13 طريق فاس، نأخذ الحيوانات المصابة أو المريضة إلى المصحة لتلقي العلاجات، وبعد إنقاذ الحيوانات، نساعد فرق الإغاثة في إنقاذ الناس وننصب الخيم أيضا”.

يضيف ياسين الذي التقته بيان اليوم مساء الثلاثاء: “أنقذنا حوالي 25 قط بين مدينة مراكش وأمزميز، وستة كلاب، واليوم هناك ستة كلاب أخرى وقطة، نجد أشخاصا رغم أن منازلهم هدمت يحملون قطة أو كلب، وفي المغرب هناك تضامن كبير، نحن المسلمين أسبق في الرفق بالحيوان”.

أزمة الغاز والأواني

لم تمنعهم الروائح الكريهة، يقلبون الركام والحجارة ويبحثون هنا وهناك، رغم خطورة تواجدهم بالمكان، لعلهم يعثرون على بعض الأواني التي لا زالت صالحة للاستعمال، وهو ما عاينته بعثة بيان اليوم بأغلب القرى والمداشر المدمرة.

الناجون هنا يعتمدون في الطبخ على الأواني التي تمكنوا من استخراجها من وسط الركام، كما أنهم يطبخون على نار الخشب والعود، مما يعرض حياتهم للخطر، خاصة أنهم يسكنون الخيم البلاستيكية التي تم تشييدها وسط الغابات والأشجار.

فضاءات الطبخ على النار وإعداد الوجبات بشكل جماعي

مطبخ واحد في الخلاء يعتمده كل سكان المخيم، متعاونون فيما بينهم لإشعال النار وتحضير الأكل، فقد أصبحوا يعيشون كأسرة واحدة، كخلية نحل، بل كجسد واحد مصاب يحاول المقاومة والتعافي.

انعدام الغاز منذ حدوث الزلزال والأواني مظهر من مظاهر صعوبة العيش بالمخيمات الميدانية، خاصة أن الحديث هنا عن تحضير الغذاء، أي إحدى أساسيات العيش والحياة.

المستقبل.. مظلم ومجهول !

لا يعرف الضحايا الناجون كم من الأسابيع أو الشهور سيعيشون على الوضع.

أسابيع فقط تفصل عن فصل الشتاء، وتعرف المناطق المتضررة بالزلزال تساقطات مطرية وثلجية مهمة جدا، تعزلهم عن بقية الأقاليم، وعادة ما تتسبب كل موسم في خسائر بشرية ومادية كبيرة.

ما تسبب فيه الزلزال وظروف العيش الحالية في المخيمات سيجعل هذا الموسم صعب وقاس جدا على هؤلاء الضحايا.

مسن ينقل المساعدات على دابته إلى مكان المخيم حيث لا تصل السيارات بسبب الطريق المقطوعة

سكان المخيمات يفتقدون بشكل كبير لظروف العيش الإنسانية الملائمة للظروف الحالية، وبالتالي سيكون شتاءهم صعب جدا إذا لم تكن هناك تدخلات مستعجلة تقيهم ذلك.

عشرات الخيم التي يسكنها الأسر الآن (تجتمع أسرتين أو أكثر في خيمة واحدة) غير ملائمة لطقس الشتاء وما تعرفه المنطقة من شتاء، إضافة إلى قلة الأفرشة والأغطية حتى اللحظة، ثم انعدام الكهرباء والمرافق الصحية كما أشرنا إليه آنفا.

عودة من الموت

مئات من سكان القرى والمداشر التي دمرها الزلزال، والذين يعيشون ظروفا قاسية وصعبة جدا، عادوا من موت محقق، حيث خرجوا من تحت الأنقاض والركام بأعجوبة.

الثلاثيني علي من قرية تيجغيشت يحكي لنا كيف خرج هو وزوجته وابنتهم الصغيرة من تحت الأنقاض والركام.

علي الذي أصيب بجرح خفيف على مستوى الرأس عمل لأزيد من ساعة لإزالة الركام والأنقاض من فوقه ولإخراج ابنته وزوجته أيضا اللتين تعرضتا لإصابتين بليغتين، بقيتا بهما حتى أول أمس الأربعاء حيث تم فتح الطريق ونقلهم على وجه السرعة إلى أقرب نقطة تتواجد بها طائرة الهليكوبتر ضواحي ثلاث نيعقوب ونقلهما إلى مستشفى محمد السادس لتلقي العلاج.

بقلب يعتصره الألم، يحكي أحمد من قرية تسافت بدوره لبيان اليوم كيف تم إنقاذه رفقة زوجته وإحدى بناته في وقت قضى ثلاثة من أبناء نحبهم.

يقول أحمد: “كنا نتناول العشاء، فشعرنا بالزلزال، حملت أحد أبنائي وحاولت الهرب، فسقطت الأحجار فوقنا، توفيت ابنتي الأولى في الخامسة عشر من عمرها والثانية في الثانية عشرة من عمرهما وطفل لا يتجاوز السنة والنصف، وتمكنت من إنقاذ طفلتي الصغيرة فقط”.

يضيف أحمد الذي يربط رأسه بالضمادة جراء إصابته: “فقدت الوعي لأزيد من ساعة، بعد أن تليت الشهادة، ثم بدأت بعدها أسمع صراخ أخ زوجتي، فبدأت أصرخ بدوري في وقت كنت بدأت أفقد الوعي من جديد نظرا للصعوبة في التنفس، بقيت تحت الركام لأزيد من ساعة، إلى أن أتى شخصان وأزالا التراب عن رأسي، واستطاعا إخراج النصف العلوي من جسدي، ودللتهم على شخص كان قربي، ثم استمريت بالحفر بيدي ونصفي السفلي مدفون تحت الأنقاض، لأجل إخراج ابنتي التي كانت تصرخ”.

واستطرد أحمد والدموع تسيل من عيناه: “أزلت بعض الأحجار عليها والتراب من أنفها لتتنفس، وقاما بإخراجها وإنقاذها، بعدها بقيت محتجزا تحت الركام”.

يردف المتحدث ذاته: “عندما أخرجوا ابنتي الكبرى وجدنا أنها متوفية، وقمنا بعدها بإخراج زوجتي وأم زوجتي، ووجدت حنان ابنتي الأخرى حنان أيضا هي وزوجة أخ زوجتي متوفيتين؛ توفي ثلاثة أبنائي وعمي وابنة عمي وابنتها..”

عائشة بشار الناجية بدورها من تحت الأنقاض بنفس القرية تقول: “توجهت للنوم، فإذا بالسقف ينهار علي، بقيت تحت الركام لأربع ساعات. رأيت الموت، كنت أصرخ، استسلمت للحظات، وجاء أحد أبناء القرية وأخرجني، كان الركام فوقي وفوق والدتي، شعرت بالألم في جانبي الأيمن بأكمله.. ولا زلت أشعر به”.

تظيف عائشة: “لا زلت أشعر بالخوف، لا أستطيع النوم، لا زلت أرى ما وقع في مخيلتي، لقد مت وعدت للحياة”.

ألم مستمر…

هذا قليل من كثير من القصص الإنسانية المؤلمة التي تدمي القلوب؛ قصص تلخص معاناة الإنسانية والتشبث بالحياة، إلا أنها رغم هولها وفجاعتها فهي تبقى حلقة في سلسلة من الآلام التي لا زال يعيش على وقعها سكان هذه القرى والمداشر التي محاها الزلزال، ألم الفقدان وقساوة العيش والحياة وخسارة كل شيء، ألم المستقبل المجهول.

**********

علي أوشرع: استطعنا إنقاذ بعض الأشخاص في حين قضى البعض نحبهم

قال علي أوشرع، رئيس جمعية أفوس غوفوس، دوار ادوركين، تاسنت، قيادة ثلاث نيعقوب: «حدث الزلزال يوم الجمعة على الساعة 11 ليلا، كنت لا أزال مستيقظا؛ بعد ربع ساعة من تناول وحبة العشاء، شعرنا بالزلزال مرتين».

وأضاف أوشرع في تصريح لجريدة بيان اليوم: «المرة الأولى تحرك، والمرة الثانية انفجر انفجارا، فسارعت إلى إخراج أبنائي، طفلتين وطفل، وزوجتي ثم ذهب لإنقاذ أمي وجدتي وزوجته، الذين يسكنون قريبا مني».

وتابع أوشرع: «وجدتهم عالقون بمنزلهم تحت الأنقاض، وأتى شخص آخر أنقذ أبناءه، ثم تعاونا وأنقذنا أربعة أشخاص آخرين، ثم اتجهنا إلى القسم الثاني من الدوار، ونحن سائرون نحوه وجدنا سيدة عالقة داخل منزلها فقمنا بكسر باب المنزل لإخراجها، وهي امرأة ضريرة، ثم ناداني ابن عمي، فبدأت الحفر ثم استخرجت زوجته، لكن وجدتها ميتة، وبعدها ناديت باسم ابنتيه، فاطمة الزهراء رحمها الله لم تجبني، ثم ناديت على الطفلة الصغيرة التي لا تتجاوز الثلاث سنوات، فردت علي، استمريت في الحفر مدة طويلة إلى أن استطعت إخراجها».

«ثم أنقذنا بعدها ثلاثة نساء، وكان هناك رجل، لكن كان في وضع حرج جراء الأنقاض، حاولنا إزالة التراب على رأسه، ثم سألته إن كان يستطيع التنفس، قال نعم، وأمضينا أربعة ساعات في محاولة إخراجه، واضطررنا لتركه للتوجه لإنقاذ أشخاص آخرين وعدنا إليه مع السادسة صباحا، فقمنا بإخراجه ولله الحمد رغم أنه مصاب، وتم نقله إلى المستشفى لإجراء الفحوصات، وقيل لنا أن قفصه الصدري تضرر لكنه لم يرغب في الذهاب إلى مستشفى تاحناوت أو مراكش وأعدناه إلى هنا، وهو بخير الآن…» يضيف المتحدث نفسه.

الزميل عبد الصمد ادنيدن رفقة علي أوشرع وسط قرية مدمرة

واستطرد أوشرع: «في الدواوير الأخرى توفي خمسة أو ست أفراد من بعض الأسر، وهناك أسر اختفت بالكامل. والآن لا يوجد لدينا أين نعيش، وجميع البهائم ماتت، قمنا بنصب بعض الخيم لكنها غير كافية، يتكدس بها من 12 فرد في الخيمة الواحدة، هنا الوضع كارثي، لا نفكر في اللحظة لكن ماذا سنفعل عند قدوم الشتاء في شهر نونبر ودجنبر، وهنا المنطقة نائية إن تساقطت الثلوج لن تستطيع الخروج منها، والخيم ليست بحل، فإن تساقطت الأمطار لن نستطيع الخروج من الخيم، علما أنها غير كافية، ونرجو من المسؤولين ومن الله أن يعيننا.. كما ترى هنا أربع بقرات نفقن، بالإضافة إلى الدجاج، نحن في حالة يرثى لها… من هذا المنبر نشكر من قدموا لتقديم يد المساعدة من قريب أو بعيد، بالقليل أو بالكثير».

بخصوص التغذية أكد أوشرع أنهم لا يستطيعون الطبخ بسبب انهيار الدكاكين وانعدام الغاز، مستطردا: «حتى إن انتقلت لمراكش لن تجدها، وحتى إن تنقلنا للسوق فالساكنة لا تشتغل، وحتى إن تم بناء دكاكين مجددا فالناس لا تشتغل وبالتالي لا تملك شيء تشتري به ما تحتاجه».

< مبعوثا بيان اليوم إلى الحوز: عبد الصمد ادنيدن- تصوير: أحمد عقيل مكاو

Top