في غمرة تطلع المغاربة إلى معرفة تشكيلة الحكومة الجديدة، المرتقب تعيينها والإعلان عنها في الأيام القليلة المقبلة، تثار في أوساط مختلفة من شعبنا العديد من الانتظارات، وتبرز عدد من الأولويات، عامة وقطاعية، سيكون مطروحا على الفريق الحكومي المقبل التعاطي معها، وإبداع مداخل لمعالجتها وتلبيتها.
قبل ذلك، ينتظر المراقبون معرفة شكل الهيكلة الحكومية وتركيبتها العامة، ذلك أن الأمر ليس مجرد جانب شكلي صرف، أو أنه نتاج توزيع حقائب بين مكونات تحالف الأغلبية، وإنما العملية لا تخلو من تداعيات متنوعة، ويجب أن تجسد تصورات الأغلبية لأولوياتها، ولرؤاها السياسية والبرنامجية.
إن إلحاق هذا القطاع الحكومي بذاك أو إدماج قطاعين أو أكثر أو حذف هذه الوزارة أو تلك، كل هذا يجب أن يكون مبررا ومجسدا لمعنى سياسي وتدبيري، ويحقق التلاؤم والقرب الموضوعي، وفِي نفس الوقت يحفظ للمرفق العمومي استمراريته ومنطقيته.
هنا لا بد مثلا من استحضار نموذج صارخ، حدث على عهد الحكومة المنتهية ولايتها، ويتعلق بـ»وزارة الاتصال»، حيث وقع الاكتفاء بالإعلان عن حذفها، وهو ما رحبت به العديد من الأوساط الحقوقية والمهنية عبر العالم، ولكن المشكلة تبقى في واقع الأمر، أي أن هذه الخطوة الهامة لم تكن مؤطرة برؤية شمولية، ولم تصاحبها إجراءات قبلية أو بعدية، وهو ما جعل حذف الوزارة بلا أي معنى أو امتداد فعلي، وإنما بقيت الوزارة تمارس عملها كما لو أن شيئا لم يتغير، عدا اسمها الذي صار قطاعا ضمن وزارة الثقافة والشباب والرياضة.
ليس المهم هو بقاء وزارة للاتصال أو إلغائها، ولكن الأكثر أهمية هو تنظيم اختصاصاتها ومهامها، والعناية بمواردها البشرية، وماذا يجب عليهم القيام به فور اتخاذ القرار، والتفكير في القطاع والعاملين فيه أو المستثمرين فيه، ومن سيلبي مطالبهم التي هي من صلاحيات وزارة الاتصال…
وبشكل عام، يجب الجواب على السؤال المتعلق بالسياسة العمومية في مجال الصحافة والإعلام والاتصال، ومن سيتولاها، ومن سيعبر عنها ويشرف على تنفيذها، وأيضا في مؤسسات الإعلام العمومي ومن هي السلطة الحكومية المشرفة عليها، وفِي مؤسسات وهيئات تنظيم المهنة وتقنين الإعلام السمعي البصري وتدبير قطاع السينما والتصوير واعتماد الصحفيين الأجانب…، وكل هذه المهام والصلاحيات هي التي يجب أولا صياغة أجوبة أو مداخل مناسبة لها، وبعد ذلك لن تعود مهمة التسميات والهياكل ذات أهمية كبيرة…
الحكومة الجديدة، يجب أن تغير منهجية الوقوف في منتصف الطريق أو في منتصف القرارات، وأن تنكب على استكمال مثل هذه النواقص، وإشعاع الاستقرار الإداري والتدبيري بمختلف القطاعات، وتفادي القطائع الفجائية وغير المكتملة.
نموذج وزارة الاتصال يطرح أمام الحكومة الجديدة مثالا معبرا عن عقلية الارتجال كما مورست في السنوات الأخيرة، ويجب اليوم استثمار ما راكمته بلادنا من تجارب على مستوى التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة ومنظومة تقنين الإعلام السمعي البصري، وأيضا استحضار ارتباط القطاع بكامله بقضايا الحرية والتواصل وصورة المملكة، ومن ثم الإنكباب على بلورة منظومة عمل محكمة والتقائية واستشرافية لتطوير الرصيد الوطني في كل هذه المجالات وعدم تضييع الفرص.
لقد توقفنا هنا عند نموذج وزارة الاتصال، لكونها شهدت الإعلان عن إلغائها في الحكومة السابقة، وربما هناك ارتباكات أخرى تسببت فيها عمليات إلحاق قطاعات بأخرى، أو وجود وزارات لم تعد لها اختصاصات مهمة بسبب وجود مجالس أو هياكل مهنية بجانبها أنيطت بها اختصاصات عديدة، ولكل هذا يعتبر موضوع الهيكلة الحكومية في غاية الأهمية، علاوة على أنه من أهم مؤشرات ومقاييس تحديد مجالات العمل ذات الأولوية للحكومة.
صحيح أن حذف وزارة الاتصال من التشكيل الحكومي السابق لقي تنويها من أوساط متعددة، ولكن الأهم من ذلك هو توفير البدائل بسرعة لإنجاز الاختصاصات، وتفادي التوقف العملي للمهام والبرامج والصلاحيات.
والأكثر أهمية أيضا هو أن تمتلك الحكومة سياسة عمومية في قطاعات الإعلام والصحافة، وتكون لديها جهة مشرفة على ذلك، وتقوم بدور المحاور الرسمي للمهنيين ومنظمات المهنة، ويستطيع الناخبون والبرلمان مناقشة هذه السياسة العمومية وتقييمها، ومحاسبة الحكومة على ضوئها.
بلادنا اليوم تواجه الكثير من التحديات جراء تداعيات الجائحة، وتطرح عليها رهانات اقتصادية واجتماعية أساسية، كما أنها تخوض معارك دبلوماسية وإستراتيجية للدفاع عن مصالحها وحقوقها الوطنية، وعلى كل هذه الواجهات هي في حاجة إلى تقوية جبهتها الداخلية وتعبئتها الوطنية، ولهذا هي تحتاج إلى صحافتها الوطنية المهنية والجادة، وإلى سياسة عمومية في مجال الإعلام، وإلى تعزيز صورة المملكة وحضورها، وكل هذا لا يمكن ربحه من دون وضوح الرؤية والقناعة، ومن دون الخروج من أساليب العشوائية والارتجال، أو ترك القرارات الحكومية في المنتصف وبلا تطبيق أو امتداد عملي على أرض الواقع…
<محتات الرقاص
