معظم المراقبين الموضوعيين أكدوا أن بلادنا تتعرض لاستهداف واضح، خصوصا من طرف مؤسسات أوروبية، وذلك بسبب إصرار بلادنا على حماية مصالحها الإستراتيجية، وسيرها نحو تنويع شراكاتها الإقليمية والدولية، وتطوير مكتسباتها الديبلوماسية، وأساسا بشأن ملف الوحدة الترابية والحضور المغربي المتنامي داخل القارة الإفريقية، وآخر هذه الهجمات ما صدر عن البرلمان الأوروبي.
من المؤكد أن تغليف هذا الاستهداف بالحديث عن قضايا حرية الصحافة والتعبير وحقوق الإنسان لم ينطل على أحد، والسياقات المتصلة بالمنطقة والعالم تكشف تهافت هذا الاستعلاء الأوروبي، الذي لا يخلو من خلفيات استعمارية هيمنية ماضوية.
لن نعود لتحليل أو تفنيد تفاصيل ومفردات وخلفيات قرار البرلمان الأوروبي، ولكن نعتقد أن التصدي لعدوانيته يمر بالفعل عبر الواجهة الديبلوماسية والسياسية، ووفق ما تقتضيه محددات العلاقات الخارجية للمملكة، وأيضا من خلال مواصلة الإصرار على الهجومية الديبلوماسية المغربية، وعلى حماية المصالح الوطنية والإستراتيجية للبلاد، ولكن كذلك من خلال الواجهة السياسية الوطنية الداخلية.
من الضروري اليوم الانكباب داخليا على تقوية مؤشرات نفس ديمقراطي عام في بلادنا، وأن يحفزنا الهجوم الأوروبي الذي يستهدف بلادنا على تعزيز الإصلاحات الديمقراطية الداخلية، وتمتين التعبئة المجتمعية الداخلية.
كل القضايا التي يركب البرلمان الأوروبي اليوم ظهرها ويستهدفنا من خلالها سبق لقوى وفعاليات مغربية أن طرحتها وتحدثت عنها وتمنت إيجاد المخارج المناسبة لطيها، كما أن عملا مهما أنجز بغاية تطوير الصحافة والإعلام، ويقتضي اليوم مواصلته، وتفادي إفشاله بخطوات متسرعة وبلا بعد نظر.
في الفترة الأخيرة نجحت بلادنا في إبداع ملحمة كروية متميزة بفضل تألق المنتخب الوطني في مونديال قطر، ونجمت عن ذلك تعبئة شعبية غير مسبوقة، وكان الأمر بمثابة رسالة بليغة لحكومتنا وسلطاتنا العمومية لتستثمر أجواء الحماسة الوطنية، وتطور التفاف شعبنا وتعبئته من أجل إنجاح الإصلاحات التنموية والديمقراطية، ولتحفيز حماس ديمقراطي يوازي حماس الانتصارات الكروية.
التألق الكروي المغربي في المونديال أثبت ألا شيء مستحيل أمام العزيمة، وأمام الإصرار الوطني، ومن ثم، حتى بعض الملفات المتصلة بالصحافة والحراكات الاجتماعية يمكن إيجاد المخارج الملائمة لها، متى توفر هذا الإصرار ذاته، ومتى حضر بعد النظر، والرغبة في تعبيد الطريق أمام بلادنا، ولفضح مزاعم وادعاءات خصومها.
ومهما عانى إعلامنا الوطني من ضعف أو هشاشة أو خفوت صوت، فإنه يبقى واجهة أساسية لخدمة وطننا والدفاع عن مصالحه الكبرى، كما أنه نافذة يركب عليها من يستهدف البلاد وصورتها وحقوقها، ولهذا يستحق المغرب صحافة وطنية ذات مصداقية، وأيضا متانة اقتصادية واجتماعية واعتبارية وتأطيرية في مستوى المطروح على بلادنا من تحديات ومهمات.
إن قضايا الصحافة وحرية التعبير تتطلب اليوم حوار العقل وبعد النظر، والتفكير بحجم الوطن، وذلك بلا حساب صغير أو خلفية ريعية تافهة أو أنانيات لا تليق بقضايا جوهرية في سلم مصالح الوطن.
المغرب لم يبدأ في الصحافة ليلة أمس، ولا تعدمه التجربة والخبرة في التأطير والتنظيم، وقد راكم العديد من التجارب منذ سنين، وكانت متميزة كثيرا عن مثيلاتها في كل الدول العربية والإفريقية، ومع الأسف هناك اليوم من يريد جر كل هذا التاريخ من ذيله والعودة إلى الصفر، وهذا بالضبط هو ما يستغله خصوم المغرب لتوجيه ضرباتهم لبلادنا.
بعد الإدانة والاستنكار، وبعد فضح النوايا العدوانية والخلفيات الاستعلائية لقرار البرلمان الأوروبي، يجب أن نتوجه لذواتنا التدبيرية والمهنية، ونطرح على أنفسنا الأسئلة الصريحة والحقيقية، ونعمل معا لرسم طريق المستقبل لصحافتنا الوطنية ولواقعنا الديمقراطي بشكل عام.
أولى الخطوات هي أن نرسي حوارا صريحا يتمسك بالعقل وبعد النظر، ثم أن لا ندور حول أنفسنا ونكرر كل مرة البدايات، ولكن أن نثمن التجارب والمكتسبات ونبني عليها المقبل من خطوات.
والأهم أن لا نجعل كل الإصلاحات وبرامج التأهيل المطلوبة في هذا القطاع الإستراتيجي والحيوي مقرونة بالمال والمنافع الذاتية والريع والمحاباة، أو أن نستغلها لتعميق تشرذم القطاع والمهنيين، ولافتعال تكتلات ومحاور واصطفافات خالية من أي مضمون أو معنى أو مبرر وجود…
كل هذا لن ينفع مهنتنا، ولن يجدي في تطوير واقع بلادنا، وفي الدفاع عن صورتها ومصالحها.
قضايا الصحافة والإعلام، والتطلعات الديمقراطية والحقوقية لبلادنا، تطرح علينا مسؤولية تقتضيها غيرتنا على بلادنا ومستقبلها، ولهذا نحن في حاجة إلى أن يتكلم العقلاء منا، ونحن في حاجة إلى حوار العقل والمسؤولية وبعد النظر.
محتات الرقاص