منذ فجر التاريخ اعتبر النظام نقيضا لاذعا للفوضى، وهذا يعني أن كل نظام ينبغي أن يخضع لقواعد صارمة تقوم بتأطيره من كل الجوانب وأن ينصهر في قوالب معهودة الشكل ومتفق عليها من قبل.
كان يبدو أن النظام يفرض بطريقة لارجعة فيها وكأن الطبيعة تفرض سيادته في حين أنه مجرد ادعاء نظري سياسي واجتماعي وليس أبدا مسلمة لا نقاش فيها.
عندما تبدو الحياة وردية وجميلة، عندما يكون كل شيء في مكانه تماما وعندما تنتظم الأحداث وفق خط مستقيم.. تأتي الفوضى دون إنذار، تأتي في أشكال وألوان مختلفة.. قد تحل على شكل مرض، كارثة طبيعية، أو وباء قاتل. تخرب هذه الفوضى منظر لوحة حياتنا التي رسمناها بدقة لا متناهية.
ننسى أن جمال اللوحات لا يكمن دائما في تناسق ألوانها، نظامها، نوعية الأشكال المرسومة فيها أو حتى منطقيتها.. جمالها قد يكمن أحيانا في لمسة يتسم بها الفنان، في طابعه الغريب والعشوائي الذي يجعل منه متفردا لا يشبه غيره.. الجمال هو التكامل الذي تحققه كل الأجزاء عندما تجتمع في صورة واحدة، فكل طرف يمنح للآخر معنى..
التكامل بين تناقضات الحياة هو الذي يخلق لوحة متكاملة رغم عدم جماليتها بالنسبة إلى البعض إلا أن لها دائما معنى. كل جزء أسود يبرز جمال الجزء الأبيض، فلو كانت كل اللوحة بيضاء لم نكن أبدا لننتبه إلى جمالية وصفاء اللون الأبيض ولما كان له معنى أساسا… كل ما يأتي دون علم هو جزء من هاته الحياة، وكل تلك التناقضات التكاملية التي تتجلى في أبسط أشكالها في تعاقب الليل/النهار، الأخذ/العطاء، النور/الظلام.. هي التي تجعل الحياة تستمر.. في هذا الصدد تبرز جليا أهمية الفلسفة الشرقية الصينية الشهيرة يين/ يانغ والقائمة على مبدإ التوازن الذي يتحقق بفضل كل الأشياء المتواجدة كأضداد متناقضة غير منفصلة.
تناقضات الحياة إذا لم يصاحبها نوع من التقبل للأشياء غير المرغوب فيها فسنظل في قفص الخوف من المعاناة ومن كل فوضى فجائية، وبذلك لن نتقدم خطوة واحدة نحو الاستمتاع بالأحداث السعيدة..
يحدث أحيانا أن تتهاطل الأمطار بغزارة وتبلل كل مكان، وفي الآن ذاته تتوهج الشمس في السماء. وقد يحدث أيضا أن تمطر على الشمس رغم دفئها..
بقلم: هاجر أوحسين