قبل صلاة العصر بثوان معدودات، قطع تساقطت من سقف مقهى “سمر”، حركت فضول جالسين دون غيرهم، فكان الفضول برزخا بين الموت والحياة.
مفاصل المنزل تتفكك، وعروقه كذلك، بناية تعلو بأربعة طوابق تهوي فوق موثقة وطبيبة أسنان ومروضة ونادل وسائق وربة بيت وشيخ قام شمر للصلاة… هكذا يروي أحد الناجين مشهد الانهيار لبيان اليوم.
غبار كثيف يغطي محيط المنزل، يحده يسارا منزل يعلو كذلك بثلاثة طوابق، ويمينا زقاق صغير، ومن أمامه شارع ادريس الحارثي المعروف بشارع الشجر باسباتة بالعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء.
المشهد كان مرعبا في البداية، وصلنا والشمس تقترب من مغربها، لا منطقة عازلة بالمكان، الهواتف الذكية تحاصر المسعفين والأمنيين وحتى الحجر.
غابت الشمس، وحل الظلام، فاستعانت الوقاية المدنية بمحركات للإضاءة بمكان الحادث، حوالي الساعة التاسعة ليلا، كانت الحصيلة تشير إلى 22 مصابا وقتيل واحد.
استمرت عمليات الإنقاذ، وأبصار قاطني الشارع عبر نوافذ المنازل مركزة في اتجاه واحد، وعدسات الهواتف الذكية تلتقط أي حركة تبدو غريبة لها، المهم هو تسجيل الحضور بعين المكان، عبر نقل تفاصيل الحادث إلى عالم الشبكات الاجتماعية.
حضر العمدة والوالي والعامل وكذلك رئيس جماعة سباتة، وفرق من موظفي وزارة السكنى وآخرين من وزارة التعمير.. ورائحة الموت تتسلل عبر شروخ صغيرة لا يعلمها إلا قليل من المسعفين وعناصر الوقاية المدنية.
فرق من المساعدة الطبية الخاصة، حضرت المكان فيهم الطبيب والممرضة والممرض، وكذلك المساعدون، يستعين بهم أفراد الوقاية المدنية في كل مرة.
بيان اليوم، تحدثت لأكثر من مسؤول، فكان أولهم مدير الشؤون الاجتماعية والتنمية البشرية بولاية الدار البيضاء سطات، عبد اللطيف عشاق، حيث تطرق لحرفية فرق الإنقاذ، وتقدم آليات العمل، وتحدث عن الحصيلة، دون الخوض في تفاصيل غيرها.
أما رئيس مقاطعة سباتة، سعيد كشاني، فقد لمح إلى أن المسؤولية تقع على مكتب الدراسات، فالترخيص أعطي بناء على الخبرة، مضيفا أن تصميم التهيئة يمنح طابقا سفليا بالإضافة إلى ثلاثة طوابق.
مسؤولون آخرون، لم يتفاعلوا مع أسئلة تقنية، من قبيل عدد قوات الوقاية المدنية الذي تم وضعه رهن الإشارة، وكذلك التقنيات المعتمدة في العملية، والآليات…
ينتصف الليل، والحصيلة تستقر في 24 مصابا، وقتيل واحد، وفرق الإنقاذ مستمرة في بحثها، عن إنسان أو بقايا إنسان، فالمهم إنقاذ أكثر عدد تحت الأنقاض.
مشهد آخر يرسم بوضوح معاناة أهل الضحايا، مجموعة نساء، يقفن قرب سيارات الإسعاف، تنقبض قلوبهن عند كل مصاب قادم للسيارة، فتصفر وجوههن، وتزيد اصفرارا في كل مرة يتأكدن أن المصابة ليست ممن يبحثن عنها.
في مكان قصي داخل الردم، أعلن عن اكتشاف جسد يعاني كسورا على مستوى العنق والمفاصل، فكان إعلانه بمثابة رحلة رعب جديدة لهؤلاء النسوة، فالمصابة هي ممن يبحثن عنها، وهي مساعدة بعيادة طبيبة بأحد طوابق البناية.
قررنا التوجه نحو المستشفيات، للوقوف على معطيات جديدة تهم الفاجعة، وما بين السيارة التي تقلنا ومكان الحادث، صادفنا أكثر من حكاية.. شابة تجلس القرفصاء، وأصابعها مبعثرة فوق رأسها، وعيناها تبصران ظلاما ما بين فخذيها.
حاولنا معرفة سبب ألم تترجمه حركات أصابعها، فلم نستطع، لأن المصاب جلل، فقد عرفنا فيما بعد أن والدها قد وافته المنية، تحت البناية.
والد الشابة، لم يكن من مرتادي المقهى، ولا من المدمنين على ذلك، لكن قدره قاده لنهايته، تاركا وراءه شابة وسيارة أجرة من النوع الكبير.
لا تخل أي حادثة من مواقف طريفة، رغم حجم المأساة، فقد حاولت فرق الأمن والقوات العمومية وضع مناطق عازلة لتمكين الوقاية المدنية وفرق الإنقاذ والإسعاف من العمل بعيدا عن الضغط، وكذلك فعلت، لكن بعد حين، تم اكتشاف شباب مختبئين بأشجار الشارع، لم تدركهم الأبصار.
وصلنا مستشفى ابن رشد، انتظرنا لقاء مدير المستشفى، لأزيد من نصف ساعة، فخرج علينا بمعطيات، تفيد وجود 10 إصابات بالمستشفى، حالاتهم متباينة الخطورة، وطفلة صغيرة عمرها لا يتجاوز الثلاثين شهرا، توفيت فيما بعد.
مدير المستشفى الجامعي، حسن قبلي، استعرض طرق تدبير المصابين، وكيفية التعامل معهم منذ وصولهم إلى المستشفى، مع إرسال بعض الحالات الخطيرة إلى مستشفى 20 غشت، مؤكدا في حديثه لبيان اليوم، أن مواطنة تم بتر قدمها.
حاولنا الوصول إلى أحد المصابين، لكن إدارة المستشفى عبرت عن صعوبة القيام بذلك، لأن المصابين ماتزال آثار الصدمة بادية عليهم.
قبل مغادرة المستشفى، التقينا أحد الناجين، وهو صاحب رواية تساقط سقف المقهى، وصلاة العصر، وكذلك تفكك مفاصل المنزل.
يوسف سعود
تصوير: عقيل مكاو