خبراء ورجال قانون يميطون اللثام عن معيقات تنفيذ الإفراج المقيد بشروط

نظمت وزارة العدل يوم الاثنين 27 ماي 2024 بالرباط، بشراكة مع المعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب “DIGNITY”، بالرباط  ندوة علمية حول موضوع “الإفراج المقيد بشروط… بين متطلبات التفعيل وتحديات توسيع فرص الإفراج وإعادة الإدماج”. وقد تضمن برنامج هذه الندوة جلستين علميتين، ناقشت الأولى موضوع “الإفراج المقيد بشروط ومتطلبات التفعيل”، في حين ناقشت الجلسة الثانية موضوع “الإفراج المقيد بشروط وتحديات توسيع فرص الإدماج وإعادة الإدماج”، وذلك بمشاركة ممثلين عن مؤسسات عمومية، وأكاديميين وخبراء مغاربة وأجانب.

آلية الإفراج المقيد

استهلت أشغال اللقاء بكلمة افتتاحية لوزير العدل عبد اللطيف أوضح فيها أن التجربة أبانت في ظل التحولات التي طرأت على السياسات العقابية المتبعة في مختلف أنظمة العدالة الجنائية، أن العقوبات السالبة للحرية لا تشكل في أحيان كثيرة الهدف الردعي الذي يحول دون العود لارتكاب الجريمة، وهو ما أدى للتفكير في إقرار عقوبات بديلة لها منها نظام الإفراج المقيد.

 ويعد نظام الإفراج المقيد وسيلة تهذيبية وتشجيعية لمكافأة المحكوم عليهم حسن السلوك وآلية فعالة للتخفيف من اكتظاظ المؤسسات السجنية، كما أنه آلية تجسد اعتماد سياسة عقابية مرنة تتماشى مع التوجهات الجديدة في اعتماد بدائل للعقوبات السالبة للحرية.

وأكد الوزير أن آلية الإفراج المقيد تستند على مجموعة من المرجعيات أهمها دستور المملكة، والتوجيهات الملكية السامية، المتعلقة بالبعد الاجتماعي للعدالة وحماية السجناء المحرومين من الحرية، حيث جاء في خطاب صاحب الجلالة بمناسبة افتتاح السنة القضائية يوم 29 يناير2003، زيادة على التوجيهات الاستراتيجية للوزارة المرتبطة بتنزيل خلاصات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، وكذا ما أقرته المعايير الدولية ذات الصلة سواء في مجال تعزيز الحقوق والحريات، أو في إطار توجهات العدالة، مثل قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا للتدابير غير الاحتجازية.

تدخلات مؤسسة الوسيط

من جانبه، أكد وسيط المملكة محمد بنعليلو أن موضوع الإفراج المقيد، بالنسبة لمؤسسة الوسيط، فرصة لإبراز جوانب أخرى ‏من مجالات تدخلاتها المتعددة، في إطار المهام التي تضطلع بها لفائدة مرتفقي الإدارة ‏العمومية، والمتمثلة أساسا في الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة ‏والمرتفقين.‏

وأضاف أن تواجده، إلى جانب أهم المتدخلين التقليديين في ‏موضوع إعادة الإدماج، يعكس التزاما معلنا من مؤسسة وسيط المملكة لأجل المساهمة ‏في إيجاد الظروف الارتفاقية الملائمة لـ “إعادة الإدماج”، بما يتوافق مع سيادة القانون ‏والمعايير الدولية لحقوق الإنسان من جهة، وبما يتماشى وقواعد العدل والإنصاف التي ‏ينبغي أن يستند إليها الارتفاق العمومي الجيد من جهة ثانية.‏

كما أشار الى أن هذه الندوة فرصة سانحة لتأكيد حرص مؤسسة وسيط ‏المملكة على فتح “بُعد جديد” في موضوع إعادة الإدماج، وهو ما أطلق عليه “البعد ‏الارتفاقي في إعادة الإدماج”.

وفي هذا السياق، شدد وسيط المملكة على كون الاشتغال عبر “بوابة الارتفاق ‏العمومي” يعتبر مدخلا آخر من مداخل تخطي الصعوبات التي تفرضها التعقيدات القانونية ‏والإجرائية التي قد يواجهها المفرج عنهم، مع ما تكون عنهم من ترسبات اجتماعية ‏محكومة بأفكار مسبقة تشكل ما وصفه “بالآثار الارتفاقية للعقوبة”؛ وبالتالي دعا ‏محمد بنعليلو من خلال مداخلته إلى إرساء منطق توجيه ارتفاقي ذكي يزاوج في معالجة ‏الموضوع بين الاحتياجات الفردية المعبر عنها من قبل المفرج عنهم، والبعد المتكامل ‏الضامن لنجاح عملية إعادة إدماج هذه الفئة.‏

مقترحات العفو

من جانبه، قال الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، منير المنتصر بالله، “إنه على هدي التوجيهات الملكية السديدة، وتفعيلا لاختصاصاته الدستورية كمؤتمن على الحقوق والحريات في إطار دولة الحق بضمان سيادة القانون، يساهم المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المجهودات الكبيرة المبذولة من طرف جميع المتدخلين في المسارات الإجرائية لسلب الحرية، من الوضع تحت الحراسة النظرية إلى ما بعد صدور مقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي”.

وسجل أنه من هذا المنطلق ودعما لمساعي الرفع من أداء لجنة الافراج المقيد، سبق للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن وجه دورية سنة 2021 إلى المسؤولين القضائيين قصد تذكير قضاة تطبيق العقوبات بمقتضيات المادة 596 من قانون المسطرة الجنائية التي أوكلت لقضاة تطبيق العقوبات صلاحية تقديم مقترحات العفو والإفراج المقيد بشروط.

الإفراج المقيد بشروط

بدوره، أكد المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، محمد صالح التامك، أن الافراج المقيد بشروط يندرج ضمن مجموعة من الإجراءات القانونية التي ينعكس تفعيلها إيجابا على مستوى المساهمة في العملية الإدماجية للسجناء، مشيرا إلى أن هذا الإجراء يعتبر محفزا للسجناء لتقويم سلوكهم والانخراط في البرامج التأهيلية لاستيفاء الشرط الذاتي للاستفادة من الافراج المقيد بشروط. وأضاف التامك، في كلمة تلاها بالنيابة عنه مدير العمل الاجتماعي والثقافي لفائدة السجناء، إدريس أكلمام، أن الإفراج المقيد بشروط يمكنه، أيضا، تحصين المستفيدين من حالة العود، لافتا إلى أن المستفيدين غالبا ما يحرصون على تفادي الاخلال بشروط الإفراج خشية الرجوع للسجن لتتميم ما تبقى من العقوبة، مما يساهم في عملية الاندماج في المجتمع والوقاية من العود.

وأبرز أن المندوبية، ووعيا منها بأهمية الافراج المقيد بشروط، بادرت إلى تعميم دوريات ومذكرات إدارية على جميع المؤسسات السجنية تحثها فيها على القيام بحملات تحسيسية وتوعوية في صفوف السجناء وذويهم، بهدف توعيتهم ودفعهم إلى تقديم طلبات الترشيح للإفراج المقيد بشروط بالنسبة للمتوفرين على الشروط المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية والمرسوم التطبيقي للقانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، ومساعدتهم على استكمال الوثائق الضرورية لتكوين ملف الترشيح، إلى جانب اعتمادها لمجموعة من الدعائم التواصلية الأخرى كدليل السجين (بلغاته الخمس) وتوزيعه على جميع السجناء، بالإضافة إلى ملصقات موزعة على مختلف مرافق المؤسسة السجنية.

الاكتظاظ في السجون

أشغال اللقاء عرفت أيضا مشاركة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حيث قال الدكتور أنس سعدون مستشار مكلف بمهمة في ديوان رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان، إن تفاقم ظاهرة اكتظاظ السجون بشكل عام وارتفاع عدد المعتقلين الاحتياطيين بشكل خاص، يؤثر سلبا على جميع الحقوق التي ينبغي أن يتمتع بها النزلاء، رغم المجهودات المبذولة لتحسين شروط إيواء السجناء عن طريق إحداث مؤسسات سجنية جديدة وتوسيع أخرى، إضافة إلى التغذية والتطبيب والاستفادة من برامج التأهيل لإعادة الإدماج.

وأضاف أن المجلس عبر في مجمل تقاريره السنوية منذ سنة 2019، عن قلقه من ارتفاع عدد الساكنة السجنية، ودعا الى اتخاذ مجموعة من التدابير الاستعجالية تتعلق أساسا بترشيد الاعتقال الاحتياطي

عن طريق تعميم اعتماد معايير موحدة من طرف النيابات العامة في إصدار الأوامر بالاعتقال في بعض الجرائم غير الخطيرة، كما أوصى أيضا بضرورة إعمال تدابير المراقبة القضائية مع تفعيل إجراءات الإفراج المقيد بشروط المنصوص عليها في المادة 622 من قانون المسطرة الجنائية.

ونوه المتدخل باستجابة وزارة العدل لعدد من التوصيات التي قدمها المجلس حول مشروع قانون العقوبات البديلة، خاصة ما يتعلق بتوسيع نطاق تطبيقه وتضييق مجال الجرائم المستثناة منه، مؤكدا على عدد من التوصيات التي قدمها المجلس أيضا في مجال قانون المسطرة الجنائية ومن أبرزها تلك المتعلقة بقضاء تطبيق العقوبات، حيث قال في هذا الصدد أنه “يتطلب تفكيرا جديا بهدف تطويره وتوسيع صلاحياته وتدعيم إمكانياته لكي يصبح قادرا فعلا على القيام بدور أكثر جدوى وفعالية في مجال تفريد العقوبة”، مشيرا الى أن إحداث مؤسسة قاضي العقوبة على المستوى المقارن يهدف الى تعزيز مسار إصلاح الجاني المحكوم عليه جنائيا خاصة في بلدان مثل فرنسا وبلجيكا والمملكة المتحدة، ومناطها يدور في القانون المقارن حول ضرورة تفريد العقوبة أثناء تنفيذها بعد أن قام بتفريدها قاضي الحكم.

الاندماج آمن للسجين

من جهته، أكد المنسق العام لمؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، عبد الواحد جمالي الإدريسي، أن آلية الإفراج المقيد بشروط، أحد المعابر السالكة بيسر إلى اندماج آمن ومجد للسجين المفرج عنه في النسيج الاجتماعي، معتبرا أنها تعد، كذلك، أحد السبل التي تحقق غرض العقوبة في الإصلاح والتأهيل والدفع إلى حسن السلوك والاستقامة في السيرة. وقال إن آلية الافراج المقيد بشروط، ومن خلال طبيعتها اللانهائية، تعتبر رقابة ذاتية لدى المتمتع بها تستنفر حواسه وتؤطر تصرفاته في جو من المسؤولية واستحضار التبعات، وهو ما يعزز ثقته بنفسه ويعزز ثقة المجتمع به. وسجل الإدريسي أن مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، والتي أسسها ويرأسها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، من مهامها النهوض بالبرنامج الطموح الذي يسهر عليه جلالته، قصد إعادة إدماج نزيلات ونزلاء المؤسسات السجنية بشكل ناجع وفعال في النسق الاجتماعي، ويمتد عملها إلى أفراد أسرهم زمن فترة العقوبة، ثم يستتبع بعد الافراج برعاية لاحقة طلبا لاكتمال عملية إدماجهم في النسيجين الاجتماعي والاقتصادي ليكون حائلا بينهم وبين العود الى مستنقع الجريمة. وشدد على أن التصدي للجريمة عموما والوقاية منها يتطلب اليوم وبإلحاح تعزيز التكامل بين المقاربة الصلبة المطلوبة دوما دون هوادة أو تراخي، وبين المقاربة الناعمة التي منها تفريد العقوبة على مستوى التنفيذ الإداري أو العقابي بإعمال أوسع لآلية الافراج المقيد بشروط في حق من استجمع موجباتها الموضوعية وتحققت له معها شروطها الشكلية.

مكافحة التعذيب

بدورها أشادت المديرة القانونية للمعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب، تيريز رايتر، بانخراط المملكة منذ سنوات طويلة في مكافحة التعذيب، مبرزة أن المغرب يعتبر على الصعيد الدولي عضوا منتخبا في لجنة مناهضة التعذيب، فضلا عن كونه واحدا من ست دول أرست مبادرة “اتفاقية مناهضة التعذيب”.

وعلى المستوى الإقليمي، تضيف رايتر، يضطلع المغرب بدور ريادي في النهوض بحقوق بالإنسان على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكذا إفريقيا جنوب الصحراء، مع إيلائه أهمية خاصة لمناهضة التعذيب واللجوء للعقوبات البديلة.

وتجدر الإشارة الى أن أشغال اللقاء عرفت توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة العدل ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، تتوخى البحث عن مداخل لتفعيل آليات الإفراج المقيد بشروط لنزيلات ونزلاء الفضاءات السجنية.

وبموجب هذه المذكرة يترجم الطرفان رغبتهما في التعاون للبحث عن مداخل لتفعيل آليات الإفراج المقيد بشروط لنزيلات ونزلاء الفضاءات السجنية في تحقيق الوظائف المتوخاة منها في إطار السياسة العقابية الحديثة، خاصة في مرونة وتوسيع فرص الإفراج المشروط بطبيعة إعادة الإدماج والحد من حالات العود.

Top