سيد القمني: فخامة الاسم تكفي!

على روحه السلام

يؤسفني أن أكتب هاته الأحرف على فقيدنا الخلوق والصادق سيد القمني ترحمًا على روحه الطيبة، ولأن دور كل كاتب متواضع محب للعلم ومتابعا له بناء على مجهوده المتواضع الاعتراف بنخبه، فهذا سيكون دوري في هاته الأسطر المقبلة، اعتزازا بمفكرنا سيد القمني.
بعيدًا عن كل ما هو متداول ومتعارف عليه من الهجمات اللاأخلاقية في حق سيد القمني طيلة هذه المدة من العطاء الفكري الصادق الذي كانت نتيجته، الألم النفسي والمادي للرجل اعترافًا بالحقيقة الواحدة التي لا ديبلوماسية في التعاطي معها وما تكتنفه من قيم الكشف عن المستور والمسكوت عنه دون تملق للنظام العام السياسي ولا اللعب على أوثار الاستفادة الشخصية على حساب التيار السياسي وغيره…. سأتناول الحديث المتواضع في بعض الأسطر عن بعض أفكار الرجل القريبة مني شخصيا والتي اعتدت الاستفادة منها، وطبعا هذا لا ينفي أهمية الرجل فيما أنتجه من باقي أفكاره المتعلقة بالدين والفلسفة، ولأن المجال لا يسمح بالإلمام الكافي لفكر سيد القمني الرصين، لكن هذا لن ينسينا بالاعتراف الجميل لصدق هذا الرجل على المستوى الأخلاقي والإنتاج العلمي وهذا أساس هذه الورقة المتواضعة.
لطالما عبر الرجل عن انهيار أخلاقي صعب مشرقا ومغربا خاصة فيما يتعلق بالجانب الديني قبل السلوكي والعقلاني، ولأن ممارسة الدين في غياب العقل والمنطق الصحيح وصدق السلوك ما هو إلا عبادة قشرية للدين نفسه، حيث لطالما كان واضحا في موقفه الرافض لبعض الأديان، ولموقف الرجل تبريرات مقنعة بالنسبة لمن حاول إيذاءه، ولكن لأننا سبق أن عبّرنا عن غياب العقل في مختلف الممارسات اليومية وإن كان هذا اعترافًا صعبا نوعا ما فإن من يحاول الخروج عن هذا الطقس المعتاد يتم تكفيره بلغة القمني فقط لأسباب واهية لأن انتصار الحقيقة قد تضر بمن يعشق الوهم ويرتاح فيه.

أخلاقيا:
لطالما رفض القمني أن يكون نصرانيًا لأسباب عدة أهمها: “في المسيحية يصومون كثيرًا وأنا مؤمن بأن الفرد لا يستطيع أن ينتِج شيئا وهو صائم”.
هي مقولة قد نتعاطى معها بناء على رؤيتنا للأمور المختلفة، فإذا انتهجت نفس منطق أستاذي القمني في التفكير قد أعطي الأولية في هاته الحالة لأمور أجدها أهم من الدين كالوطن مثلا، مادام الأول شخصي والثاني عام، ومن واجبنا إعطاء الأولوية للمشترك الإنساني وليس الشخصي الذي نتحمل مسؤوليته وحدنا دون تدخل الغير..
إن الدرجة الأولى التي تُمثِل الرباط المتين في هذا السلّم هي الوطن، ولا يجوز أن يكون الدين بأيّ حال من الأحوال لتعدد مذاهبه وطوائفه. يليها العلم في الدرجة الثانية، ثم يأتي الدين والمذاهب في آخر السلّم لتمزقه ويمكن التغلب على ذلك وقتها.

عقلانيا:
لطالما عانت الثقافة العربية من حساسية مرضية تجاه إعمال العقل في شؤون الدين أو الحياة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمقدسات الدينية.. وهو ما جعل سيد القمني يمتنع عن الكلام يأسًا من الإصلاح. فنحن نتكلم عن مجتمع تم تدمير عقله، فليس لدينا سوى المثقف الذي نعقد عليه الآمال، المثقف ليس بمفهوم مواقع التواصل الاجتماعي ولكن بمعناه الفلسفي الذي لا بد أن يعرف آخر ما وصل إليه العلم في الكيمياء والفيزياء الكميّة والأرضية، وأن يكون مُطّلعًا على الجغرافيا والتاريخ وغير ذلك من العلوم، ولديه منهج علمي صارم. إن لم يكن كل هذا متحققًا فيه فهو ليس بمثقف، وإنما متملق الثقافة.
فهؤلاء الذين يدّعون أنفسهم مثقفين عار على الثقافة وخاصة من يصبحون كذلك بسبب انتخابات بائسة يصبح زعيمها كل من يملك المال ليشتري بها ضعف وفقر الناس.
في الوقت الحالي، حسب القمني لا يوجد مثقفون بالغنى والكفاية التي يمكن من خلالها تعزيز المساحة العقلية التي دمرها الفكر الغيبي على المستوى المسيحي والإسلامي. المواطن يعيش داخل الغيب. وعلى المثقف أن يكون معلّمًا بحق، ولكنّي أعتقد أن كل مثقفي العالم لن يقدروا على شيء بعدما تدمر كل شيء من علم وفن وتعليم.
سؤال ما العمل؟ في هاته الحالة مشروع لإيجاد البديل لزمننا العاهر الذي تدمر فيه كل شيء..
فديننا ليس هو كمال الأزمنة والأمكنة التي ذهبت والتي لم تأت بعد، إنما كان ديناً عاقلاً رصينا متوافقا مع ظرفه التاريخي، يخاطب ناس زمنه على قدر عقولهم وعاداتهم وتقاليدهم ونظمهم ومعارفهم، لكن اليوم نحن ملزمون بأن نسلم بأن الإنسان هو الوحيد المخير بين المخلوقات، لذلك هو الوحيد المؤهل لصيانة القيم، لأن معياره: الاختيار والمفاضلة وسيلته وأداته.
فالحرية لا مناص عنها عندما نتحدث عن القيم، لأن الحرية هي ما يتيح لي القدرة على التقييم والمعايرة والمفاضلة والاختيار، وحيث لا توجد حريات لا توجد قيم ..
وإذا كان فقهاء زماننا يطلبون لنا عادات وتقاليد زمن الإسلام الأول، فإن ذلك يستلزم أولاً وجود الحكومة الإسلامية الأولى أو شبيهها، وثانيها وجود مجتمع القرن السابع الميلادي بنظمه وعاداته وتقاليده وبدائيته، وكله غير موجود اليوم.
فمثلا قيمة عدم الزنا لاشك أنها قيمة محترمة، وحفظ الفرج قيمة محترمة بالتأكيد، لكن الخلاف هنا سيكون حول تعريف معنى الزنا. فالإسلام يعطي المسلم الحق في الزواج بأربع، ويمكنه تطليقهن والزواج بغيرهن مادام قادراً على الإنفاق، وهو ما فعله الصحابة فتزوج الراشدون حتى تسع نسوة، ومع كل هذه الإباحة لن يرتكب القادر ماليا جريمة الزنا، من سيقع في الجريمة هو الفقير الذى لا يملك مهرا ولا ثمن جارية، وهو ما يعني لنا اليوم بعد تغير الأزمان أن نساء المجتمع المسلم سيكن من نصيب الأغنياء وحدهم القادرين على الزيجات العديدة، وهو أيضاً ما يعني حرمان الفقراء من إشباع حاجتهم الطبيعية في ظل المزايدة على النساء، وهو ما يشكل بمعنى من المعاني طبقية من نوع شديد الخصوصية وشديد القسوة على المجتمع كله، الذي لابد في هذه الحال أن يضع حلولاً لهذه المشكلة تفاديا للاغتصاب..
ومن خلال ما سبق لا نجد حرجا في أفكار الرجل، وسواء اتفقنا أو اختلفنا معها يبقى دافع الاحترام كقيمة مهمة جداً في تفنيد أو تأكيد ما قاله الرجل بالبرهان والحجة دون وساطة التدمير والتكفير من لا شيء، طمعا في تقدم علمي وثقافي ملموس وفي بعد أخلاقي رصين لتقبل ومناقشة فكر الغير..
لك كل الرحمة أستاذي سيد القمني ولمن كانت له غيرة على وطنه في الإصلاح.

بقلم: جيهان نجيب
 أستاذة باحثة

Related posts

Top