توالت ردود الأفعال الغير مرحبة والمنتقدة للقرارات التي أعلن عنها سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بخصوص الدخول المدرسي، والتي أثارت جدلا واسعا وسط الرأي العام الوطني، حيث حمل بكل بساطة المسؤولية للأسر المغربية، ووضعها أمام خيارين لا ثالث لهما، في ظل وضعية وبائية خطيرة تتطلب اتخاذ قرارات جريئة ومبتكرة، يمكن أن تزاوج بين الحفاظ على الصحة العامة للمواطنين، وضمان دخول مدرسي يراعي المصلحة الفضلى لحاضر ومستقبل التلاميذ والطلبة المغاربة.
فبمجرد ما أنهى الوزير سعيد أمزازي كلامه خلال نشرة الأخبار المسائية على القناة الأولى، مساء الأحد الماضي، حتى انهالت عليه انتقادات واسعة، وغاضبة على صحفته الرسمية على “الفياسبوك” من طرف آباء وأمهات وأولياء التلميذات والتلاميذ، وأطر تربوية وتلاميذ وطلبة، حيث ذهبت الكثير من الانتقادات إلى وصف تلك القرارات بـ “المتسرعة” و”العشوائية” سواء تعلق الأمر بقرار اعتماد صيغتي التعليم الحضوري والتعليم عن بعد، أو قرار تأجيل الامتحان الجهوي للسنة أولى باكالوريا دون تحديد سقف زمني معقول لهذا التأجيل.
وفي تصريح لبيان اليوم، أكد بوجمعة محتات، المنسق الوطني لقطاع التربية والتكوين لحزب التقدم والاشتراكية، أن القرارات التي أعلن عنها الوزير سعيد أمزازي بخصوص الدخول الدراسي، والمتمثلة في اعتماد صيغتي التعليم عن بعد والتعليم الحضوري، “مفاجئة تم اتخاذها بشكل متسرع” ، مشيرا إلى أنه كان من الأفضل أن تسبقها عملية تحسيس للرأي العام بما تفرضه الوضعية الوبائية، في علاقتها بتلك القرارات، حتى يكون بمقدور الأسر والأطر التربوية تملكها وتفهمها.
كما أوضح بوجمعة محتات أنه كان من الأجدر تقييم تجربة التعليم عن بعد، ومعرفة إلى أي حد يمكن إقناع الأسر والتلاميذ والطلبة بجدواها، وإلى أي حد يمكن إقناعهم بأنهم سيحصلون على تعليم جيد وفي المستوى، وأن مسار التلاميذ والطلبة الدراسي لن يتأثر سلبا، مؤكدا على أن “كل القرارات التي يتم اتخاذها على هذا المستوى يتعين أن تراعي مبدأين أساسيين، هما النجاعة وتكافؤ الفرص، والحال أن صيغة التعليم عن بعد لم تحقق هذين المبدأين”، داعيا إلى فتح قنوات الحوار والتواصل مع مختلف الشركاء والفاعلين حول قرارات من هذا القبيل التي ترهن حاضر ومستقبل المدرسة المغربية.
وحول دعوة بعض الأطراف لإلغاء الامتحان الجهوي للسنة أولى باكالوريا، التي أعلن الوزير عن تأجيلها، قال المنسق الوطني لقطاع التربية والتكوين لحزب التقدم والاشتراكية “إن تلك الدعوة غير منطقية وفيها نوع من العبث”، مؤكدا على أن قرار الإلغاء لا يستقيم، لأن إلغاء الامتحانات هو خيار سياسي يقتضي تغيير نظام امتحانات الباكالوريا برمته.
لكن في الوقت ذاته، أوضح بوجمعة محتات، أنه من الصعب أن يتفهم الرأي العام والتلاميذ مسألة تأجيل هذه الامتحانات، وإقناعهم بأنه لن تكون له تأثيرات على الحال النفسية والبداغوجية، وبالتالي يضيف المتحدث، كان يتعين أن تجرى تلك الامتحانات في موعدها المحدد سلفا، أو تأجيلها دون تجاوز سقف زمني معقول، على أن تجرى وفق الشروط التي مرت فيها امتحانات الباكالوريا.
من جانبه، اعتبر محمد النحيلي المنسق الوطني لاتحاد آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بمؤسسات التعليم الخاص بالمغرب، القرارات التي أعلن عنها الوزير، متسرعة وفيها نوع من التملص من مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، مشيرا إلى أن خرجة الوزير الإعلامية هي عبارة عن ردة فعل اتجاه اتساع دائرة المطالبين بتأجيل الدخول المدرسي إلى غاية شهر يناير 2021، ومحاولة فرملة المد الجارف للتعبئة الوطنية للآباء والأمهات دافعي الضرائب.
ودعا النحيلي الوزارة الوصية إلى التراجع عن تلك القرارات، وتأجيل الدخول المدرسي إلى غاية شهر يناير المقبل، واعتماد المقاربة التشاركية التي نص عليها دستور المملكة، مع كافة المعنيين بالمنظومة التعليمية، وأضاف قائلا “إنه عند اتخاذ القرارات المصيرية، يتعين استحضار مصلحة الوطن والمواطنين ووضعها فوق كل اعتبار، ولا يمكن أن نجعلها رهينة مصالح فئوية، أو مجاملة لجهات معينة لكسب ودها أو حماية لمصالحها”، في إشارة إلى قطاع التعليم الخصوصي.
وأوضح محمد النحيلي أن ما استطاع الوزير القيام به، هو الإعلان عن تاريخ الدخول المدرسي والذي حدده في 7 شتنبر، لكنه في المقابل، يضيف المتحدث، لم يستطع إصدار قرار حاسم يحدد صيغة موحدة للتدريس، وحمل مسؤولية القرار لآباء وأمهات وأولياء التلاميذ في اختيار نوع التدريس لأبنائهم بين الحضوري والتعليم عن بعد، وهو ما يعبر، في نظر المتحدث، عن عجز الوزارة على اتخاذ القرار المناسب في هذه الأوقات العصيبة التي تمر منها بلدنا، ويؤكد عدم امتلاكها لأية إستراتيجية أو أي رؤية مبتكرة يمكن أن تجيب على معادلة التدريس والحفاظ على الصحة العامة.
وأضاف المنسق الوطني لاتحاد آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بمؤسسات التعليم الخاص بالمغرب، أن الآباء والأمهات لا يرغبون في إعادة كابوس ما سمي بـ “التعليم عن بعد”، والذي تبث فشله، بدليل أن وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي نفسه اعترف، ضمنيا، بعدم نجاح خطة التعليم عن بعد في الحفاظ على العملية التعليمية في نفس النسق، وأكد أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعوض هذه الصيغة التعليم الحضوري، مشيرا إلى أن صيغة التعليم عن بعد لها تأثير كبير على سلامة وصحة المتعلمات والمتعلمين، ولا تضمن الإنصاف وتكافؤ الفرص بين الجميع، فضلا عن عدم مراعاتها للتفاوتات الحاصلة بين الأسر في مجال تأطير ومواكبة بناتها وأبنائها، وتوفير الظروف المواتية لمتابعة دراستهم بانتظام، وبالتالي فهي تفضي إلى عدم تمكن نسبة لا يستهان بها من التلاميذ والطلبة من المتابعة، وهو ما استوجب خلال السنة الدراسية المنصرمة حصر مضامين الامتحانات على الدروس الحضورية.
بدوره اعتبر أحمد صديقي، أستاذ الفلسفة بالتعليم الثانوي التأهيلي، أن اختيار التعليم الحضوري يقتضي سياسة تعليمية ديمقراطية، قائمة على عدة شروط، في مقدمتها توفير العدد الكافي من القاعات والمؤسسات التعليمية والموارد البشرية التربوية والإدارية لتفادي الاكتظاظ. وهو الشرط الذي من شأنه، حسب المتحدث، أن يتيح اليوم تحقيق تعليم حضوري جيد بتباعد جسدي، وفي الوقت ذاته، يحافظ على الصحة العامة.
وفي السياق ذاته، تقتضي صيغة التعليم عن بعد، أيضا، يضيف أحمد صديقي، سياسة تعليمية ديمقراطية، قائمة على تكافؤ الفرص بتوفير الوسائط الإلكترونية من حواسيب ومسطحات وصبيب أنترنت جيد، بالإضافة إلى مجانية الولوج للبوابات التعليمية الرسمية، وتوفير تكوينات فعلية لنساء ورجال التعليم وللتلميذات والتلاميذ في مجال كيفية التعامل والتواصل عبر تلك الوسائط.
وأعرب أحمد صديقي عن أسفه لانعدام تلك الشروط الضرورية، بل إن الوزارة الوصية، يضيف أستاذ الفلسفة، عملت على نهج سياسة معاكسة، بتقليصها لميزانية التعليم مؤخرا، وقبلها، بتبذير أموال البرنامج الاستعجالي، ناهيك عن صرفها تعويضات كبيرة لموظفين ومكلفين بالمديريات المركزية، والأكاديميات الجهوية بمناسبة وبغيرها.
مقابل ذلك، يقول صديقي، “راهنت وزارة التربية الوطنية على الإمكانات الذاتية للأطر الإدارية والتربوية والتلاميذ وأسرهم. وجعلت المغاربة في التعليم إبان الجائحة، كما في الصحة، عرضة للقرارات الارتجالية في شكل أشبه ما يكون بإدارة سفينة معطوبة في وسط البحر، وتعريض ركابها لخطر الغرق. بل واستغلال الفرصة لسلبهم بعضا من حقوقهم ومكتسباتهم شيئا فشيئا”.
وأكد أحمد صديقي، أن أي خيار في ظل الشروط الحالية، لن يكتب له النجاح. فلا التعليم عن بعد يعتبر حلا في غياب التكوين والوسائل. ولا التعليم الحضوري ممكن في ظل الاكتظاظ وقلة عدد الحجرات والأطر الإدارية والتربوية، مشيرا إلى أن قرارات الوزير محكومة بضغط لوبي التعليم الخاص وليست تعبيرا عن حل.
وأوضح صديقي أنه كان يمكن أن يتم تأجيل موعد الدخول المدرسي شهرا آخر أو أكثر، وإشراك مختلف الفاعلين في صياغة مداخل لتدبير أزمة تتحمل الدولة صاحبة القرار سببها. دولة، يقول المتحدث، “تحمل المواطنين مسؤولية فشلها، وتعدهم بأن لا ينتظروا منها تطبيبا ولا دعما ولا تعليما”، مؤكدا على أن المدخل لكل ذلك هو مدخل سياسي، وأن الباقي مجرد تفاصيل، لأن واقع المنظومة التربوية اليوم، في نظر المتحدث، هو نتيجة لاختيارات ممنهجة تضرب في مجانية وجودة التعليم العمومي.
محمد حجيوي