صحافة البيان تخلد ذكراها الخامسة والأربعين

الصحافي عبد الله ستوكي الحرية وممارسة الصحافة

حين نعلن، على غرار الكاتب الفرنسي ألبير كامو أن “الصحيفة هي نوع من الوعي بالعالم وبالإنسانية”، نعتقد بأن كل شيء قيل هكذا بالأحرى، وبكيفية نهائية. يمكن القطع مع ذلك والعودة إلى شؤوننا الخاصة مطمئنين.
يرى الفيلسوف هيجل أن الصحيفة تستحق أن تعتبر نوعا من طقوس الصلاة، إذا تم تمثلها بشكل عادي.
لكن، هذا مجرد كلام. القضية أكثر تعقيدا مما نتصور. وليس لها علاقة مع التطورات المذهلة والعجيبة لمختلف التكنولوجيات التي تفرض نفسها على البشرية في مواجهة مع حركتها التي لا تكف عن التطور.
لا يتعلق الأمر فقط بالخصوصيات المتعددة هنا وهناك، التي تطبع الإنسانية في نشاطها وتطورها، وكذا اضطراباتها المختلفة.
إن نشاطها الذي لا ينقطع ولا يمكن مقاومته، هو ما يحاول الإنسان أن يسيطر عليه قدر المستطاع.
لنأخذ مثال المملكة المغربية، حين نفكر في ذلك، نجد أنفسنا مضطرين للتسلح قدر الإمكان بجرعة قوية من الإرادة الذاتية وروح المغامرة الحقيقية، وكذا الشجاعة.
كل أولئك الذين – منذ بداية ما يسمى الأزمنة المعاصرة – استثمروا في هذه الحركة، باعتبارها عملا إيجابيا ونافعا، يعلمون ذلك بالتأكيد.
هنا عندنا “في المغرب” منذ عشرات السنين، فرض الخضوع لهذا الوضع التعبير عن الحقيقة، وعن الصراع العام لأجل الكرامة والحرية.
***
في نهاية سنوات الأربعينات وخلال البداية الرهيبة للعقد الخامس، تابع المناضل المغربي علي يعته الذي كان قد تم طرده نحو الجزائر المستعمرة، بلا كلل ولا ملل، طريق وجدة للوصول إلى الدار البيضاء، رغم أنف الأعداء، ورغم الاضطهاد الذي فرضته عليه، في مرات عديدة، السلطات الأجنبية.

***
في سنة 1972، استطاع علي يعته أن يصدر صحيفتي “البيان” بالعربية، والفرنسية، ليتموقع حزب التقدم والاشتراكية سنة 1974 بكل شرعية، في المشهد الوطني. بكل حيوية ومثابرة، احتلت هذه القامة الرفيعة من اليسار الوطني المكانة التي تستحقها، متوجة ماضيا ميزته المثابرة والكفاح العنيد.
صار هذا المناضل وقائد صف حركة الشيوعية الجديدة لا محيد عنه. وسيظل كذلك، محترما وصاحب الكلمة المسموعة من طرف رفاقه إلى حين رحيله. لتحمل المشعل أسماء جديرة بخلافته لقيادة حزب التقدم والاشتراكية: إسماعيل العلوي، ثم محمد نبيل بنعبد الله بكاريزما غير مختلفة.
***
الصحيفة الفرنكوفونية المغربية التي تعكس مواقع حزب التقدم والاشتراكية، لم تسلم هي الأخرى من رقابة السلطة. أغلب الأحيان في حالات متعددة.
هل كان زمنا آخر بالفعل؟
كما توحي بذلك مسرحيات برتولد بريخت وكامل أشعاره اللاذعة في الغالب.
وفي النهاية، بطن “الحيوان الفاسد ما يزال ولودا”، لا يغفل، فاسحا المجال بطريقة أو أخرى، لترسيخ الممارسات الفاسدة المناقضة لتمرين حرية التعبير بالكتابة والخطاب، مهما كان محدودا.
الحذر إذن. في كل الأوقات. ينبغي البقاء وقوفا على قدم وساق، البصر حاد، لترقب الآتي.
لن نعرف أبدا كيف نكون في وضع حذر بما يكفي وفي كل زمان. الجانب الآخر متأهب على الدوام لالتقاط أي شيء يقال بصدده، بكل القسوة التي يمتلكها.

******

الصحافية والكاتبة المسرحية بديعة الراضي: البيان.. الذاكرة المنتجة 

تحضن جريدة بيان اليوم ونظيرتها باللغة الفرنسية ALBAYANE تاريخا إعلاميا ممتدا من الماضي نحو المستقبل، مليئا بكل تلك الأسماء الكبيرة التي ناضلت من أجل وطن ديمقراطي إلى جانب كل الأقلام الحية في الصف الحداثي.
 أقلام وشمت في ذهن ذاكرة القراء من داخل الوطن وخارجه، بنفس مواجه لكافة التحديات منذ سبعينيات القرن الماضي، إيمانا منها بالحرية في التعبير ودفاعا عن شروطه في الدولة والمجتمع. وهي الأقلام التي أسست رصيدها في الرأسمال اللا مادي، ببروز أجيال متتالية في محطات مختلفة على صفحات البيان باللغتين العربية والفرنسية، رأسمال لا يمكن أن نؤسس له بضخ أموال في صندوق مكلف بمهام في أحيان كثيرة لا تكون مهنية، بل هو رأسمال مؤمن بعدالة القضية وبالمشروع في بناء المجتمع الذي ينبغي أن يكون.
من هذا المنطلق وللتاريخ نقولها بكل اعتزاز وفخر بالزميل ALBAYANE و”بيان اليوم”، أن هذا الصرح الإعلامي رسخ ذاكرة قوية في مجتمع إعلامي، ينبغي اليوم، وأمام هزالة المشهد مع ظهور الدخلاء على المهنة، استثمارها، وقراءتها، وتدريسها لأجيال تدق درب مواصلة المسار، لكي نؤسس للمنحى الجدي والمسؤول الذي نتوق اليوم إلى بناء توجهاته الكبرى في الإصلاح، بالنموذج التنموي الجديد، الذي يوجد الإعلام بكل مشاربه في قلب معركته، التي ليست بسهلة أمام الاعوجاج الذي حول إعلامنا ومع الأسف إلى لحظات استسهال دوره التشاركي الهام في البناء المجتمعي أمام كافة التحديات التي نواجهها منذ انفتاح الأسوار اتجاه عالم في قرية صغيرة، توجهها مواقع اجتماعية تكتب ما تريد في الزمن الذي تريد، بمواطن صحفي بدون رقيب أو حسيب.
إن استحضار محطات بيان اليوم وزميلتها   ALBAYANEفي هذا الزمن المليء بالتناقضات، لا يعني قراءة تاريخ  مر فيه من هنا في الدرب الصعب، بل إن هذا الاستحضار يعي دلالاته في كون الذاكرة عاملا قويا لبناء مسار مغاير، لأنها ذاكرة تملك مفاتيحها للإصلاح، من أجل إعلام داعم للمشروع المجتمعي وفي قلبه، ومواجها لكافة تحدياته ومستمرا بالنفس التشاركي الذي يحتاج اليوم إلى إعادة النظر في دور الصحافة المكتوبة بالإقرار بأهميتها واستراتيجيتها في البناء والتغيير.

***

الحقوقي مولاي أحمد الدريدي: التزام مهني وأخلاقي في الدفاع عن حقوق الإنسان
كان لجريدتي البيان وبيان اليوم السبق في التطرق لملف السيدا ومعاناة المرضى

يمكن أن أتطرق إلى تجربتي الشخصية مع جريدة البيان باللغتين العربية والفرنسية، عبر استعراض مرحلتين من مساري السياسي والحقوقي.
المرحلة الأولى تعود إلى ثمانينات القرن الماضي ضمن ما يعرف بسنوات الرصاص، من خلال مرافقتي لعائلات المعتقلين في ملف الاعتقالات والاختطافات السياسية. في تلك المرحلة كان تعاملي أساسا مع كل من الزعيم علي يعته وابنه ندير يعته، والراحل توفيق الجديدي، وكذا الصحفي عمر الزغاري حيث كنت على تواصل دائم معهم بشأن مواكبة معاناة عائلات المعتقلين وأخبارهم. وكنت أجد دوما الصدر الرحب والترحيب الكبير مع إعطاء الأولوية في النشر للبلاغات والبيانات الصادرة عن المعتقلين وعائلاتهم، بحس مهني وأخلاقي عال، يسمو ويتجاوز عن اختلاف المواقف السياسية.
وأتذكر أنه حتى إبان اعتقالي شخصيا في سنة 1988، دائما في إطار الاعتقالات السياسية لتلك الفترة، وأثناء استنطاقي بدرب مولاي الشريف حيث مكثت لمدة، كان تعاملي مع الجريدة موضوع جانب مهم من عملية الاستنطاق، وأيضا تعاملي مع الأستاذ أنيق رحمه الله، الذي كان معروفا كمحام وككاتب صحفي في جريدة البيان ومدافع عن حقوق المعتقلين، ولعب أيضا دورا مهما في عملية تواصلي مع الجريدة إلى جانب عمر الزغاري، الذي أسجل أيضا أنه اشتغل صحفيا في الجريدة رغم اختلاف الموقف السياسي حيث كان ينتمي إلى تيار “إلى الأمام”، وكما سبق وأشرت فإن اختلاف الموقف السياسي لم يقف أبدا عائقا في وجه التعامل المهني والاهتمام الذي كانت توليه الجريدة لهذا الملف.
المرحلة الثانية في تواصلي وتعاملي مع الجريدة هي تلك التي ارتبطت بنهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، تعامل أساسا حقوقي وأيضا مهني من خلال عملي كمنسق وطني لجمعية محاربة السيدا. وكان لجريدتي البيان وبيان اليوم السبق في التطرق لملف السيدا ومعاناة المرضى وجهود الجمعية في مساندتهم، بعيدا عن أي طابوهات، في فترة كان موضوع السيدا ما يزال يجابه بكثير من الصمت والمرضى بكثير من الإقصاء. فكانت الجريدة حاضرة معنا في كل المحطات الحاسمة في مسارنا، تغطية ومتابعة، من خلال عمل عدة أصدقاء وصديقات صحفيين وصحفيات، على رأسهم الأستاذة سميرة الشناوي التي اشتغلت معنا كثيرا في مجال محاربة الوصم والتمييز ورصد معاناة المتعايشين مع مرض السيدا، وأطفال السيدا، كما كانت حاضرة معنا في بعض الدورات التكوينية وعدة أنشطة أخرى للجمعية. ورافقنا كذلك الأستاذ عبد الحق ديلالي، خاصة في معركتنا من أجل ولوج المرضى إلى العلاج والأدوية، سواء على المستوى الوطني أو على مستوى اتفاق التبادل الحر، إذ كانت جريدة بيان اليوم تصدر مقالات يومية تقريبا تدعم مرافعاتنا في هذه المعركة الحقوقية والإنسانية. وكذلك الشأن بالنسبة للنسخة الفرنسية مع الصحفيتين ميسون بلمعزة وسمية يحيا، حيث كانت الجريدة سباقة إلى التغطية الإعلامية لأول يوم وطني لتحليلة الكشف عن السيدا بالمغرب، وبقيت بذلك مرجعا إعلاميا مهما على هذا المستوى.
مسألة المرجعية هاته تستحق أن أشير إليها أيضا من جانب ما تحظى به الجريدة من مكانة على المستوى الإعلامي حيث كنا، خاصة في فترة الاعتقال السياسي، نستحضر الأهمية المرجعية التي تحظى بها الجريدة لدى السفارات والتمثيليات الدبلوماسية وكذا المنظمات الدولية.
كما أؤكد أيضا أن تعاملي مع الجريدة كفاعل حقوقي، وطوال هذه المدة التي تحدثت عنها، طبعه الكثير من الارتياح بفضل الالتزام المهني للقائمين عليها وللصحفيين والصحفيات، وكذا التزامهم الشديد بأخلاقيات المهنة، وإيمانهم برسالتهم في حمل قضايا وهموم المجتمع، مع احترام الرأي والرأي الآخر وحسن ترتيب الأولويات، وهو ما جعل علاقتي بهم تتطور إلى علاقات إنسانية وصداقات في إطار الاحترام والتقدير المتبادل.
وبمناسبة عيد ميلاد الجريدة، لا يسعني إلا أن أتمنى لها الاستمرارية والتطور، ولجميع الأصدقاء المساهمين في عملها المزيد من النجاح والتوفيق.

**

الناشط البيئي والإعلامي محمد التفراوتي: لبيان اليوم حضور وازن ومتميز في تناول قضايا البيئة

في ثمانينات القرن الماضي، كنت أقتني عددا من جريدة بيان اليوم “الطبعة الحجرية”، وأنا ما زلت يافعا، كانت تستهويني مواضيع الجريدة وكنت أتطلع من خلالها إلى تلمس طريق استيعاب قضايا الوطن، وبعض المواقف الجريئة التي كانت الجريدة تمتح فيها من تربة المجتمع ومن رحم الطبقة الشعبية ونخبته المثقفة الفاعلة.
انطلق اهتمامي بقضايا البيئة لاحقا، مع بداية التسعينات، وقد كانت وسائل الإعلام المغربية لا تعير اهتماما للبيئة إلا في بعض الاستثناءات القليلة. وكنت في تلك الفترة أتصل بعموم الجرائد بغية حثها على التعاطي للإعلام البيئي ونشر المواد التي كنت أعدها في هذا الصدد.
ومنذ أكثر من 15 سنة، بدأ تعاوني مع جريدة بيان اليوم، حيث أنشر بشكل تطوعي وبمختلف الأجناس الصحفية، مواد بيئية تعالج عموم القضايا والإشكالات. وقد كان طاقم الجريدة مستجيبا ومنخرطا في هذا المسعى الذي كان ينظر إليه، من قبل بعض الجرائد آنذاك، وكأنه ترف فكري مقابل قضايا أخرى “أهم” تستوجب المتابعة والرصد بصفة أكبر، حسب رأي القائمين على تلك الجرائد.
وكنت أنشر بانتظام في بعض المطبوعات الأجنبية، في ظل ضآلة اهتمام الإعلام المغربي، آنذاك، لهذا المجال الواعد على المستوى الإعلامي، وفي ظل وعي بالكاد يتفتح على مخاطر الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية وتفاقم الوضع المناخي، يوما عن يوم، فضلا عن قلة المعلومة البيئية، وعدم تعاطي الشأن العام المحلي والوطني مع شؤون البيئة والمناخ إلا من زاوية ضيقة.
لكن سرعان ما أضحى لصفحات بيان اليوم المرصعة، بانتظام، بملفات وملاحق بيئية، قراء وطلاب يتابعون المنتوج الأسبوعي البيئي المعد بعناية وتدقيق لغوي سليم وحرفية تراعي “سينوغرافية” الإخراج وجمالية الصورة ورمزيتها.
كما بات الملحق البيئي مرجعا يستفاد منه من قبل المهتمين ويشاد به في المحافل والمؤتمرات البيئية، كما هو الشأن في المؤتمر الدولي الأخير ببيروت والمنظم من قبل المنتدى العربي للبيئة والتنمية حول موضوع “البيئة العربية خلال 10 سنوات” حيث اعتمد المؤتمر جريدة بيان اليوم كشريك إعلامي.
وقد شهد المغرب محطات تنموية رائدة في المجال البيئي، انطلاقا من إقرار الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، وأوراش عديدة على رأسها مركب نور للطاقة الشمسية، واستضافة المغرب لمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي “كوب 22″، ومختلف البرامج والاستراتيجيات من قبيل الاستراتيجية الوطنية لحماية البيئة والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة… وكانت جريدة بيان اليوم في الموعد دائما، ورقيا وإلكترونيا، بالتغطية الوازنة والمتابعة الحثيثة والمعلومة الدقيقة، إذ واكبت المستجدات الوطنية والدولية، وغطت إعلاميا الأوراش البيئية الوطنية التي اعتمدها المغرب، وكل ذلك بحرفية ملفتة، كخلية نحل تعمل بمهنية جديرة بالتنويه.
ويستمر تناول جريدة بيان اليوم للشأن البيئي بهمة ووعي برهانات كل مرحلة. وقد وجدت فيها شخصيا، الأسرة الخيرة، واستشعرت فيها دفء العلاقات الإنسانية والإيمان بالقضايا العادلة وبرهانات المرحلة، هذا مع اندماجها ومعالجتها لقضايا التنمية البشرية العادلة والمنصفة، عبر الموقف والرأي والكلمة الصادقة، كل ذلك للمساهمة من زاوية إعلامية متميزة، في بيئة وطنية سليمة وتنمية مستدامة وبتناغم تام، كما يبدو لي، مع شعار مدونتي الشخصية (آفاق بيئية) “متحدون من أجل البيئية لننقد كوكبنا”.

Related posts

Top