ما يدل على محدودية فعل الترجمة في الساحة الثقافية المغربية، أن أي عمل من أعمال الفائز بجائزة نوبل للآداب لم يبادر أي مترجم مغربي لنقله إلى العربية أو إلى أي لغة أخرى.
وقد اعتدنا ترقب الحصول على الترجمات الوافدة من المشرق، الأدهى من ذلك أن هذه الكتب المترجمة لا يتم تداولها في سوقنا.
ولذلك من الطبيعي جدا أن يعبر أغلب من بلغ إلى علمهم حصول كاتب بريطاني يدعى كازو إيشيجورو على الجائزة الآنفة الذكر، عن استغرابهم لعدم معرفتهم بهذا الكاتب وعدم اطلاعهم على أي من كتاباته، سواء تلك المترجمة أو المكتوبة بلغتها الأصلية.
ولحسن حظ القارئ وسوء حظ الناشر، أن نسخا رقمية من بعض روايات هذا الكاتب معروضة بالمجان في العديد من المواقع المفتوحة للعموم. في أقل من دقيقة، يمكن لك الحصول عليها.
ولذلك ما أن تم الإعلان عن خبر الفوز بالجائزة العالمية الرفيعة، حتى طفق أصحاب المجانية يفتشون عن عمل ما من أعماله في الفضاء الافتراضي السائب.
وعلى الفور بدأوا يوزعون ارتساماتهم حول هذه الأعمال، وحول صاحبها، حتى وإن كانوا لم يتموا قراءتها، يا للعجب؛ فقد علق أحد الكتاب المغاربة قائلا: ” قرأت 120 صفحة من “بقايا اليوم” لكازو إيشيغورو الفائز بنوبل، رواية لا ترقى لمستوى العالمية، رغم أنها أفضل رواياته، أستغرب تتويجه..”.
بهذه السرعة، في يوم وليلة، كما تقول الأغنية، تم الحكم على المسار الإبداعي لكاتب عالمي، وبمجرد قراءة بعض السطور من عمل واحد من أعماله فقط.
وعلق مثقف مغربي آخر، متسائلا:
“بفوز الكاتب البريطاني من أصل ياباني كازوو ايشيغورو بجائزة نوبل للآداب، هل يمكن القول إن الأكاديمية السويدية عادت إلى جادتها بعدما زاغت عنها السنة الماضية بتسليمها الجائزة للمغني بوب دايلن، أم أن الجائزة كغيرها مازالت تلاحقها الشبهات؟”.
هناك تعبير عن نوايا فقط، جائزة مشبوهة، تحيد عن جادة الصواب.. إلى آخره. لم يتم لحد الساعة القيام بقراءة نقدية لواحدة من أعمال الكاتب المتوج.
ومرة أخرى يتم تداول اسم الشاعر السوري أدونيس والتعبير عن الشعور المترتب عن عدم ذهاب الجائزة إليه، حيث عبر كاتب مغربي آخر قائلا بسخرية مطلقة:
“ولم يفز أدونيس مجددا بجائزة نوبل للآداب، ولربما لن يفوز بها. الحقيقة أنني أبتهج، ابتهاجا ماكرا، حين أعلم أن كاتبا أو شاعرا أخطأته جائزة من الجوائز، لأن الكاتب أو الشاعر، وليكن عربيا من بلاد البرتقيز، أو الجن الأكحل.. أعني الكاتب أو الشاعر الحقيقي لا ينبغي أن يكون أفقه هو الظفر بالجوائز. أعرف بعض أشباه الكتاب والشعراء المغاربة لا هم لهم إلا الحديث عن قيمة الجائزة الفلانية أو العلانية.. ثم ينبري للكتابة على منوال تفكير ولاة تلك الجائزة، أو يأخذ في نسج العلائق مع من يعرف، أو يعتقد، أنهم في لجانها، ويأخذ في التزلف لهم وبيع ماء الوجه..”.
يمكن التعبير عن طبيعة تلقي خبر تتويج الفائزين بجائزة نوبل للآداب؛ بالصدمة، وهي صدمة لا تسري على الأصناف الأخرى لهذه الجائزة: الطب، الفيزياء.. إلى آخره، كأنها لا تعنينا، مع أن هناك وزارة خاصة بالبحث العلمي، بصرف النظر عن ضآلة ميزانيتها.
صدمة نوبل للآداب، راجعة بالأساس إلى غياب مؤسسة للترجمة، توصل إنتاجنا الأدبي والفكري إلى الآخر، وتعرفنا بما ينتجه هذا الآخر كذلك، قبل أن يسقط على رؤوسنا مثل قطعة ثلج، بهذه المناسبة أو تلك.
عبد العالي بركات