مرة أخرى يأتي خطاب جلالة الملك مكرسا لصرامة الوضوح بشأن وحدتنا الترابية والموقف الوطني للمملكة.
خطاب أول أمس بمناسبة الذكرى الثانية والأربعين للمسيرة الخضراء، مثل نقطة نظام كبيرة نبهت المنتظم الدولي والنظام الجزائري والجبهة الانفصالية إلى محددات موقف الشعب المغربي وثوابته التي لا يقبل أي تراجع عنها.
نبرة الصرامة ووضوح المعجم والموقف برزا منذ مستهل الخطاب الملكي لما أشير للمسيرة الخضراء مرتبطة بخطاب المغفور له محمد الخامس في محاميد الغزلان سنة 1958.
التذكير والربط هنا ليسا اعتباطيين، ولكن للدلالة على أن الشعب المغربي بكامل مكوناته ومؤسساته طالب باستعادة أقاليمه الجنوبية وتحرير صحرائه منذ ذلك التاريخ، أي قبل حتى أن تنال الجزائر استقلالها، أو أن يظهر خصوم الوحدة الترابية للمملكة في سياق الحرب الباردة.
الخطاب الملكي أصر أيضا على أن يبسط أمام الأمين العام الأممي الجديد ومبعوثه الشخصي ثوابت الموقف المغربي، وأن يعبر أيضا للمنتظم الدولي عن رفضه مواصلة الطرف الآخر مناوراته وعدم تقدمه بأي تصور للحل، مقابل كل ما بذلته المملكة من جهود، وما قدمته من تنازلات من أجل إنهاء هذا النزاع المفتعل حول وحدتها الترابية.
جلالة الملك شدد على أن مجلس الأمن هو الهيئة الدولية الوحيدة المكلفة برعاية مسار التسوية، ومن ثم عبر عن التزام المغرب بمرجعياته والقرارات الصادرة عنه، ثم ذكر برفض الرباط لأي تجاوز أو إقحام لمواضيع أخرى أو أي محاولة من أي كان للمس بالحقوق المشروعة للمغرب، ولفت إلى أن المشكل ليس في الحل ولكن في المسار الذي يؤدي إليه، وعبر للجميع على أن حل هذا النزاع المفتعل يوجد في إطار السيادة المغربية ومبادرة الحكم الذاتي.
وهنا الرسالة موجهة للجميع، أي إلى القوى الدولية ومجلس الأمن، وإلى الأمين العام الأممي الجديد، وإلى مبعوثه الشخصي، وإلى الجزائر والانفصاليين، وعمقها ودلالتها يكرسان هجومية الموقف السياسي والديبلوماسي المغربي.
وفي مقابل الرسائل التي وجهها الخطاب الملكي لـ “الخارج”، فقد كان واضحا أيضا تأكيد جلالة الملك على أن المغرب لن يقف مكتوف الأيدي، على المستوى الداخلي، في انتظار إيجاد الحل المنشود، وذكر أنه سيتواصل تطبيق النموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية، وذلك بموازاة مع تفعيل الجهوية المتقدمة، كما شدد على أهمية العمل من أجل تلبية مطالب وانتظارات السكان ذات الصِّلة بالتنمية والحرية والكرامة، على غرار سكان باقي جهات البلاد.
وتضمن الخطاب الملكي كذلك رفض التعصب والانفصال، وفي المقابل لفت إلى أهمية العناية بالتراث المحلي والخصوصية الثقافية والحضارية، وذلك في إطار الوحدة الوطنية ومغرب الجهات.
يلخص خطاب جلالة الملك إذن ثوابت الموقف الوطني المغربي ويذكر بها، وذلك في سياق إقليمي ودولي لا يخلو من مستجدات وتعقيدات، بالإضافة إلى أنه جاء عقب زيارة أولى كان قد قام بها إلى المنطقة المبعوث الجديد للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بالملف، والذي يستعد أيضا لتقديم أول تقرير له أمام مجلس الأمن في غضون أيام فقط، وكل هذا ينبهنا إلى حاجتنا كلنا إلى تمتين التعبئة الوطنية السياسية والديبلوماسية والعملية دفاعا عن الوحدة الترابية لبلادنا، والوعي الدائم بمختلف ما يتربص بذلك من تحديات.
محتات الرقاص