صرخة الناخبين المعذبين

كم نحن مزعجين في مطالبنا اليومية وإسرارنا على العيش الكريم، بدل الاكتفاء بطلب غيث السماء الذي قد يأتي وقد لا يأتي. و بدل الاستجداء والتسول ثارة، والتوسل ثارة أخرى لضمان قوت يوم أو بعض يوم. كم نحن محبطين (بكسر الباء) للنخب بسبب استفاقة بعضنا، ومحاولتنا البحث عن سبل غير التي رسموا لنا. مزعجون لأننا قررنا مزاحمتهم في الشوارع، ومنافستهم في التسيير والإبداع. بدأنا ممارسة القنص ببنادقنا عوض العمل ك(حياحة) لهم، ومطاردة الطرائد إلى جانب كلاب القنص. يريدوننا أن نلهث وراء أموالهم الفاسدة التي سرقوها من خزائننا، مقابل التهليل بأمجاد نسبوها لأنفسهم، وتمكينهم من فرص جديدة للتموقع فوق رؤوسنا واستكمال مشاريع النهب والاستغلال التي بدؤوها منذ سنوات. يصرون على أن يثبتوا للكل مدى استفحال جهلنا وغبائنا، ومدى شرعية استعبادنا. ضمننا المغفلون الذين أرغموا على الجهل والأمية في صباهم وشبابهم . ترعرعوا في خيام و منازل ومدارس وشوارع عشوائية، خارج تغطية كل مطالب الحياة الكريمة من تعليم وثقافة وحرية. حرموا من معرفة أبجديات الحياة والمجتمع.

بيننا المغاربة الذين لا يحمي القانون زلاتهم وأخطائهم العفوية. يجهلون كيف يطربون بأوتاره التي صنعتها النخب بحرير الوهم والمصلحة الكذابة. واحتفظت لنفسها بكل أرقامه السرية ومعزوفاته التي مزجتها بأنغام ديمقراطية السراب. ونسجت بين فصوله مسالك سرية وثغرات لا تراها عيوننا المجردة.

نحن المغاربة المهمشين. نحن لهم اليوم بالمرصاد. سنعمل على اقتصاص مطالبنا من عزائمهم، وانتزاع حقوقنا من تسلطهم. دقت طبول انتخابات جماعية وانتخابات تشريعية من جديد. ودقت معها قلوبهم بنبضات الرعب والقلق من المصير الغامض لمقاعدهم الأميرية ومكاتبهم المكيفة. ها هم الآن المصنفون ضمن النخب الراقية والعالمة. وككل مرة في حاجة إلى أصواتنا المبحوحة من أجل استكمال واستئناف سيمفونياتهم الجديدة. ليس لكم من مفر سوى مغازلتنا وإغراءنا ومصاحبتنا إلى حين يوم الاقتراع. تأكد لهم أن الناخبين يتفرقوا بين المقاطعين وعدم المشاركين. وأن الغيورين المثقفين الضالعين في فصول القانون، قرروا المشاركة في الانتخابات. ولن يصوتوا للوائحهم القدرة، فهم عازمون على انتقاء المرشحين الشرفاء، وفي حال عدم توفرهم، فسيقذفون بورقة تصويت ملغاة داخل الصندوق الزجاجي، ليؤكدوا لوطنهم وملكهم، أن الواجب الوطني هو الذي جعلهم يشاركون في الانتخابات التشريعية. وأن الفساد البشري هو من جعل أصواتهم ملغاة لكي لا يحسبوا على فئة المغفلين التي تجمعنا نحن البؤساء. هم الآن يتوسلون لنا نحن المغفلين من أجل تضميد جراحهم الغائرة التي تعرضوا لها وهم يحاربون الخير بالشر، ويحرضون المفسدين على المصلحين. أهؤلاء الذين يدعون أنهم حاملي وهم الإصلاح والتغيير، وراكبي موج الإعصار المدمر. يأملون وككل مرة في فرصة جديدة، وصفحات فارغة لإعادة تلطيخها بنفس الرسوم والخطوط التي سبق وعفنت كتب التاريخ بمدادهم العكر وأقلامهم الزائفة.

نحن المغاربة. لن نبخل عليهم برنين ألسنتنا التي شلت من ندرة الطعام وقلة المضغ وكثرة الصراخ والعويل. ألسنتنا التي باتت تلدغ (بضم التاء) غير ما مرة بسبب عدم قدرتها على مراوغة أسناننا داخل أفواهنا. لن نصد توسلاتهم، وسنتركهم يلهثون وراءنا للظفر بأصواتنا. لأننا كنا بالأمس القريب نصرخ خلفهم بأعلى أصواتنا من أجل الغيث والحياة الكريمة دون جدوى. نحن فئة من الناس لا يحمينا القانون بسبب جهلنا لفصوله. نحن مطالبين بالمشاركة في بناء أسس دولة الحق والقانون، مطالبون بدعم النخب وتجديد مواقعها. وعلينا أن نعلم (ونحن لا ولن نعلم)، أن أصواتنا هي التي تعيد تشكيل خريطة المغرب السياسية، وتؤثث لدولة جديدة قادرة على تحقيق مطالب شعبها، وقادرة على محو عذاب الأمس. وتعويض الضحايا ومعاقبة المفسدين.

نحن المغاربة الأحرار نسعى وراء دولة لا تنعت بعضا من شعبها بالمغفلين، ولا تجعل أبنائها عرضة للعقاب بسبب جهلهم للقانون. يا سادة ويا سيدات. نحن الآن وإلى حين موعد الانتخابات غير مغفلين ولا جاهلين لنوايا النخب الفاسدة. ندرك حق الإدراك الصالح من الطالح، وبإمكاننا رد الاعتبار لأسرنا وبلدنا بمحاربة المفسدين. فهل ستدركون أننا ورغم جهلنا للقانون واستفحال أميتنا، لم نعد ضعفاء، ولم تعد لدينا ذمم للبيع؟.. إنها صرخ الناخبين المعذبين بسبب توالي الفشل والإحباط الحكومي ونزيف المال العام.

بقلم : بوشعيب حمراوي

Related posts

Top