صفاء الهاشم وحيدة بين الرجال في البرلمان الكويتي

هي المرأة الأولى التي اقتحمت أبواب السياسة وفتحت نوافذ نون النسوة على اتساعها في مجتمع عربي كان ولم يزل في غالبيته ينظر إلى المرأة على أنها مواطن من الدرجة الثانية.
صفاء الهاشم الكويتية التي رفعت شعار النساء عالياً، والتي واجهت مجتمعاً ذكورياً بكل خصوصيته معلنةً نفسها ممثلةً عن بنات جنسها في أن تكون الصوت النسوي في عالم السياسة الواسع.
الصوت الذي يقول “نحن هنا؛ أخواتكم وبناتكم وأمهاتكم وشريكاتكم في الحياة وبنات عشيرتكم، حقنا أن نساهم في رسم مستقبل بلدنا مثلكم ومعكم وأيدينا بأيديكم”.
كثيراً ما اعتبرت الهاشم الصوت النسائي الفريد في مجتمع لا صوت فيه للنساء. لمع نجمها كشخصية نسائية سياسية مع بداية محاولاتها لدخول مجلس الأمة عبر صناديق الاقتراع.
تميزت حياتها السياسية كنائبة في مجلس الأمة الكويتي بالكثير من الأحداث والمنعطفات كان أولها عندما تمكنت من حل مجلس الأمة المنتخب عام 2009 وبعد أن رفعت دعوى طعن بالمرسوم الأميري أمام المحكمة الدستورية التي قضت بقبول الطعن وحل مجلس الأمة عام 2012. لتدخل المجلس في الانتخابات التي شهدتها الكويت في شهر نوفمبر من العام نفسه.
معارك برلمانية

مع دخولها مجلس الأمة خاضت الهاشم العديد من المعارك تحت قبته كان أبرزها الدعوة التي رفعتها ضد رئيس مجلس الأمة آنذاك مرزوق الغانم بتهمة الإساءة لأعضاء المجلس على خلفية اتهامه بعض الأعضاء بتلقي رشاوى لتقديم الاستجوابات والأسئلة لأعضاء الحكومة الكويتية، ليحال على إثرها الغانم إلى المحكمة.
في إحدى معاركها البرلمانية، وصفت الهاشم بعض مواقف وزارة الداخلية المتمثلة بالوزير محمد خالد الحمد الصباح، على أسئلة برلمانية وجهها ووصفتها الهاشم بالسمجة، وقالت له “أينما تقع السلطة تقع المسؤولية. أنا أحاسبك على مسؤوليتك التي ليست مجرد مراسم. لا يعنيني شخصك، تعنيني وظيفتك كوزير داخلية. إذا لم تكن على قدر المنصب، اتركها لشخص أحسن منك”. كما حملت الهاشم على الدكتورة رولا دشتي وزير الدولة للتخطيط واتهمتها بإهانة الكويتيين وطالبتها بالاستقالة.
أبرز مواجهات الهاشم كانت مع تعرضها لأشرس هجمة استهدفت وجودها في مجلس الأمة، عندما صوّت مجلس الأمة عام 2013 بالموافقة على تقرير لجنة الشؤون التشريعية والقانونية وطلب النيابة العامة رفع الحصانة عن الهاشم في القضية التي رفعها ضدها زميلها في المجلس مبارك فهد علي الدويلة بتهمة إذاعة ونشر أخبار غير صحيحة عنه وتضمنت عبارات سبّ وقذف له عن طريق الكتابة والنشر بحسابها في تويتر.
فاجأت الهاشم الجميع بتقديم استقالتها. وقد كان مضمونها رفضاً قاطعاً لأن تكون “شاهد زور” على حدّ تعبيرها على ممارسات تهدر الدستور وتفرغه من مضمونه وتعتدي على صلاحيات النائب. وتتيح سرقة المال العام باسم القانون، وكان لسان حال هذه الاستقالة يقول “لن أنتهك الدستور بسبب كرسيّ وحصانة برلمانية ووجاهة. لن أكون من كتلة (إلا الرئيسين). ولن أقبل هذه الرئاسة غير الحيادية التي أعطتنا نموذجاً سيئاً للرئاسة”.
كان ذلك عندما ساءلت رئيس المجلس وأنزلته من على كرسي الرئاسة ليدافع عن نفسه بعد أن أنهكته وأكدت تناقضاته وأقواله المرتبكة سواء داخل اللجنة التشريعية أو في قاعة عبدالله السالم.
قيل حينها إنه بدا في حالة يرثى لها، وبعد هذا كله، وبعد أن كشفت كل ما حدث للجميع بعثت برسالة أخيرة أكدت فيها أنها هي صاحبة الكلمة. وقالت “تنازلت عن حقي لأنني أتيت لكي أراقب الحكومة وأشرّع للدولة لا أن أتخاصم مع زميل لي”.
بحار المغامرة

الهاشم التي بلغت الثانية والخمسين عاماً من مواليد الكويت في العام 1964 عرفت الفقد مبكرا. فقد توفي والدها وهي في الثانية من عمرها، أصغر إخوتها السبعة لأسرة متوسطة الحال، الأمر الذي قد يكون أثّر في حياتها بأن صارت شخصية صارمة تعرف معنى الخسارة وتعرف بالضبط ماذا تريد.
تزوجت صغيرة وأنجبت ثلاثة أبناء، ثم قررت الانفصال والتوجه للعمل السياسي، بعد أن تحصلت على الإجازة في اللغة الإنكليزية وآدابها من جامعة الكويت. ثم على دبلوم عال في الإدارة التنفيذية من جامعة هارفارد، أردفته بدبلوم عال للتنمية
البشرية من جامع بنسلفانيا. تمتلك الهاشم خبرة طويلة في مجالات متعددة بينها المال والأعمال. فبعد أن عملت أواسط تسعينات القرن العشرين في وزارة التعليم العالي لسنوات قليلة، أسست لاحقا شركة للاستشارات الإدارية والاقتصادية وكانت رئيسة مجلس إدارتها، وذاع صيتها في مجال تحديث وتطوير المؤسسات.
وعملت أيضا مع عدد من الشركات الخاصة والقابضة في الكويت، وشغلت كذلك منصب الأمين العام لمجلس الأعمال الفرنسي في الكويت، وعضواً بجمعية الصداقة الكويتية البريطانية.
إلى جانب نجاحاتها العلمية والمهنية والاقتصادية، وفي خضمّ حلمها السياسي لم تنس صفاء هوايتها الأولى التي تعلمتها مبكرا وهي الغوص. تعلمته في شرم الشيخ كهواية تحتاج للكثير من الجرأة والجسارة وروح المغامرة فأتقنت الغوص ووصلت إلى أعلى درجة من درجات شهادات التدريب، وغاصت في الكثير من شواطئ العالم إلا بحر بلدها الكويت. سُئلت في أكثر من لقاء عن السبب فقالت ببساطة “إنه مصبّ صرف صحي وليس بحراً” موجهة الأنظار إلى تقصير الكويت في حماية البيئة وعدم اهتمامها بالبنية التحتية الجيدة.
الجرأة السياسية

تشتهر الهاشم بأنها المرأة التي حلّت مجلس الأمة دستوريا لأول مرة في تاريخه. ففي شهر فبراير من العام 2011 خسرت الانتخابات. غير أنها أصرّت على رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية طعنا في المرسوم الأميري بحل المجلس المنتخب عام 2009 والدعوة لانتخابات جديدة. وقبلت المحكمة الدعوى وقضت بحل المجلس المنتخب وإعادة المجلس المنحل.
عرفت بجرأتها وانتقاداتها السياسية تحت قبة مجلس الأمة، حتى أن لجنة فحص المرشحين بوزارة الداخلية استبعدتها في نوفمبر الماضي من الترشح لانتخابات المجلس لعام 2016 بسبب تغريدة لها على موقع تويتر انتقدت فيها أحد زملائها في المجلس، ودفعت غرامتها 150 دينارا كويتيا.
غير أن محكمة التمييز (النقض) أعادت الهاشم إلى السباق الانتخابي، قبل يومين فقط من الانتخابات النيابية التي جرت مؤخراً، وأسفرت عن تغيير كبير في تشكيل المجلس بنسبة بلغت 60 بالمئة، وأصبحت صفاء الهاشم المرأة الوحيدة في المجلس بعد أن كان المجلس السابق خالياً من أيّ وجوه نسائية.
ترأست الهاشم لجنة المرأة في اتحاد البرلمانيين العرب، ودخلت سجل أفضل الشخصيات النسائية، وفق تصنيف اللجنة البرلمانية لشؤون المرأة بمجلس الأمة الكويتي.
تعلن الهاشم بشكل عام تأييدها للأمير صباح الأحمد الجابر الصباح لكنها لا تتوانى في نقد البطانة الفاسدة ومحاربتها. فمنذ ظهورها السياسي الأول ذاع صيت الهاشم الكويتية في المنطقة العربية عامة وليس فقط في دول الخليج العربي.
وحين ترشحت لمنصب مراقب مجلس الأمة، فازت بأغلبية ساحقة، وأصبحت أول سيدة تشغل منصب مراقب مجلس الأمة الكويتي. ومن خلال عملها السياسي والمجتمعي حازت الهاشم على العديد من الجوائز ومنها جائزة “المرأة الديناميكية لعام 2011 في الشرق الأوسط”، من كلية إدارة الأعمال في جامعة جورج واشنطن.
وأدرجتها مجلة “أربيان بينزنس″ ضمن قائمة أفضل 100 مسؤول تنفيذي في المنطقة العربية. وبداية من عام 2006 ولمدة أربع سنوات على التوالي، اختيرت كأفضل سيدة أعمال في منطقة مجلس التعاون الخليجي.
الجنسية الكويتية لغير المسلمين
كانت الهاشم البرلمانية الوحيدة أو حتى السياسية الكويتية الوحيدة التي تتنبه لقضية الجنسية الكويتية، والتي بالقانون لا تعطى إلاّ للمسلمين، ما يحرم الكويتي غير المسلم من التمتع بجنسية بلاده. لذلك قامت في العام 2014 بتقديم اقتراح لإلغاء الفقرة الخامسة من المادة رقم 4 في قانون الجنسية في البلاد، وذلك بإلغاء شرط الإسلام من بقية شروط منح الجنسية الكويتية، حتى تتسق مع أحكام الدستور مثلما ترى الهاشم.
وتنص الفقرة التي تطالب الهاشم بإلغائها، على أن يكون طالب الجنسية مسلماً منذ ولادته، أو يكون قد اعتنق الدين الإسلامي وأشهر إسلامه وفقاً للطرق والإجراءات المتبعة، ومضى على ذلك خمس سنوات على الأقل قبل منحه الجنسية الكويتية.
هذا الأمر اعتبره خصومها دعاية إعلامية لا أكثر ومنهم عضو مجلس الأمة الدكتور حسين القويعان الذي اعتبر اقتراحها دعاية إعلامية وقال إنه من الأولى بها مناقشة موضوع معاناة عدد كبير من الكويتيين المسلمين من مشكلة البدون.
وتبقى صفاء الهاشم مثال المرأة العربية المحاربة الناجحة على كافة المستويات، وما نزال ننتظر المزيد من التجارب النسائية العربية لتكون باب انفراج في مستقبل بلداننا وأجيالنا القادمة.

Related posts

Top