“ضم العقوبات: القانون والممارسة” محور مائدة مستديرة بالدار البيضاء

أكد مشاركون في مائدة مستديرة عقدت، مؤخرا بالدار البيضاء، على أهمية القراءات والاجتهادات القانونية والقضائية والفقهية المتعلقة بموضوع “ضم العقوبات”، باعتباره إجراء مهما بالنسبة للمسطرة الجنائية من أجل ضمان حقوق المتقاضين.
وشددوا خلال هذه المائدة، التي نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول موضوع “ضم العقوبات : القانون والممارسة”، على ضرورة تناول مسطرة ضم العقوبات باعتبارها مسألة قانونية تثير إشكاليات التأويل القانوني والممارسة، وذلك بهدف تحقيق العدالة والمساواة والإنصاف، وضمان كافة شروط المحاكمة العادلة بما في ذلك ترتيب العقوبة المناسبة صيانة للحقوق والحريات.
وبهذه المناسبة، أوضح الأستاذ هشام الملاطي مدير الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل، أنه عند الحديث عن إدماج العقوبات فهو اختصاص أصيل للنيابة العامة وذلك وفق مقتضيات قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أن النيابة العامة تسهر على التنفيذ الزجري.
ولاحظ الأستاذ الملاطي أنه على مستوى الممارسة، لم تكن النيابة العامة تلجأ إلى آلية إدماج العقوبات، بل إنها كانت تحيل طلب الإدماج المحال عليها على غرفة المشورة.وعبر عن أمله في أن تبادر النيابات العامة تلقائيا بتدبير هذه الآلية عوض انتظار تلقي طلبات الإدماج، من خلال قيام المسؤولين على النيابات العامة بمكاتبة المؤسسات السجنية، بشكل دوري، من أجل إحالة عليها الحالات التي من المحتمل أن تستفيد من الإدماج.
وأشار إلى أن مسؤولية موضوع إدماج العقوبات مشتركة، موضحا أن مسؤولية المشرع تتجلى في تحديد الضوابط سواء المتعلقة بالشروط أو الاختصاص أو بالمسطرة بشكل واضح، وكذا هي مسؤولية العمل القضائي إذ ينبغي أن تكون هناك شجاعة لإقرار هذه الآلية القانونية المعتمدة من كافة التشريعات الأجنبية.
ومن جانبه، قال الأستاذ زكرياء العروصي، عن رئاسة النيابة العامة بالرباط، إن موضع “ضم العقوبات” كان من بين المواضيع المهمة التي نوقشت خلال الورشات الجهوية التي عقدت بخمس مدن مغربية إذ شهدت تشخيص ونقاش صريح.واعتبر أن النقاش الحقيقي الذي يفرض نفسه يجب أن ينصب على مستوى التشريعي المنعكس على العمل القضائي (مسؤولية السلطة التقديرية والضم والإدماج)، موضحا أن المشرع لم يكن دقيقا حين وضع ه للمقتضيات المنظمة لإدماج العقوبات.
واعتبر المنظمون في ورقة تقديمية أنه إذا كان ترتيب العقوبة هو الإجراء العادي الذي يمارسه المجتمع باسم القانون على كل مخالف، بهدف مؤاخذته وتقويم سلوكه وردعه، ووقاية للمجتمع من تكرار الجريمة في المستقبل، فإن موضوع ضم العقوبات من أشد المواضيع تعقيدا داخل المنظومة الجنائية المغربية، والتي لم يفصل فيها المشرع الجنائي، مما فتح الباب على مصراعيه للاجتهاد والتضارب على مستوى الممارسة العملية داخل المحاكم المغربية.
ورغم اجتهادات محكمة النقض في توحيد الرؤى بخصوصه، وتصحيح بعض الممارسات المخالفة للقانون ولإرادة المشرع، بقي تأثير عمل محكمة النقض محدودا، خصوصا أمام اصطدامه بالمبدأ الذي يعرف بـ”وجوب تفسير النص الجنائي تفسيرا ضيقا” وهو مبدأ جاء ثمرة لمبدأ “شرعية التجريم والعقاب”.

وبهذه المناسبة، أوضحت السعدية وضاح، رئيسة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالدار البيضاء – سطات، أن جدولة هذا الموضوع يأتي بناء على الشكايات التي يتوصل بها المجلس الوطني ولجانه الجهوية حول الإشكاليات التي تصب في هذا الموضوع، مما يؤدي إلى إثارة نقاش داخل المجلس من أجل المساهمة في البحث عن حلول حول هذا الموضوع مع الشركاء وكافة المتدخلين في هذا الموضوع.
واعتبرت رئيسة اللجنة أن ضم العقوبات يعد من أعقد المواضيع المطروحة في المنظومة الجنائية سواء على مستوى القانون أو الممارسة وكذا ما يخص الخلط بين مفهوم “ضم العقوبات” و”إدماج العقوبات”. وأضافت أن المشاركين توقفوا عند الحالات التي يقع فيها الضم وكذا التي لا يكون فيها فضلا عن الإشكالات المطروحة فيهما، وكذا كيفية تعامل المشرع المغربي مع هذا الموضوع.
وتابعت أن هذا اللقاء يشكل فرصة سانحة للخروج بتوصيات في أنسنة ظروف الاعتقال وكذا مشروع الإصلاح والتعديل والإدماج للمحكومين عليهم، وكذا مناسبة للنقاش حول الدور الكبير لعملية إجراء الإدماج والعقوبات في تخفيف الاكتظاظ بالمؤسسات السجنية.
ومن جانبه، أوضح علي كريمي عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن هذه المائدة المستديرة تندرج في إطار “برنامج لقاءات” الحماية التي تسهر عليه اللجنة الدائمة المكلفة بحماية حقوق الإنسان والوقاية من الانتهاكات بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وأضاف كريمي، الذي يشغل أيضا منسق اللجنة الدائمة المكلفة بحماية حقوق الإنسان والوقاية من الانتهاكات بالمجلس، أن هذا الأخير يتابع عن كتب كل الإشكالات التي تطرحها القضايا المتعلقة بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها.
هذا، وشكل موضوع “ضم العقوبات : القانون والممارسة” محور مائدة مستديرة نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مؤخرا، بمقر اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالدار البيضاء-سطات.
وتهدف هذه المائدة المستديرة، التي عرفت مشاركة باحثين أكاديميين ومختصين ومسؤولين عن مؤسسات معينة بما فيها هيئات الدفاع والنيابة العامة، والسجون، إلى المساهمة في إغناء النقاش العمومي حول مسطرة ضم العقوبات باعتبارها مسألة قانونية تثير إشكاليات التأويل القانوني والممارسة.
كما تتوخى طرح ومناقشة كل القراءات والاجتهادات القانونية والقضائية والفقهية بخصوص موضوع ضم العقوبات باعتباره من إجراءات المسطرة الجنائية المهمة التي تبتغي تحقيق العدالة والمساواة والإنصاف وضمان كافة شروط المحاكمة العادلة بما في ذلك ترتيب العقوبة المناسبة صيانة للحقوق الحريات، وذلك بالموازاة مع المحافظة على الحق العام وعدم الإفلات من العقاب.

Related posts

Top