يشهد التسوق المنزلي التقليدي صمودا أسطوريا أمام التسوق الإلكتروني. ثمة علاقة وجودية بين الطعام والإنسان. تريد أن تذهب إلى السوبرماركت أو الدكان لترى الفواكه والخضروات واللحوم بعينيك. تريد انتقاءها رغم أن التقنيات الحيوية صارت قادرة على إنتاج الخيارة المثالية والطماطم ذات اللون والحجم والرائحة التي لا تضاهى. طلب شراء المأكولات والتبضع المنزلي إلكترونيا موجود وينمو نسبيا، ولكن على العكس من التسوق الإلكتروني الذي غير حال الأسواق تماما، يبدو الدجاج واللحم والبيض عازفا عن التأقلم مع هذا النوع من التسوق.
هذه أخبار جيدة. السوبرماركت قضى على نسبة كبيرة من الدكاكين المحلية الأصغر، لكنه عوّض الفرق بالوفرة والتنويع وتشغيل الناس ممن تركوا أعمالهم في الدكاكين. زاد جشع أصحاب سلسلات السوبرماركت، فبدأوا يستعيضون عن العاملين من البياعين بمكائن تشتغل على الباركود. تأخذ ما تريده من خضر ولحوم وشاي وقهوة، وتتوجه إلى ماكنة تقرأ رمز الباركود المخطط وتدخل البطاقة البنكية وتأخذ أغراضك وتخرج. تراجع عدد البياعين وزادت أرباح الشركات الكبرى.
الإنترنت غيرت طبيعة التسوق بالنسبة للكثير من البضائع. أنت تذهب إلى معرض سامسونغ في محلات الأجهزة المنزلية ليس لشراء التلفزيون، بل لكي ترى جودته ثم تعود إلى البيت وتفتح الكمبيوتر وتطلب الجهاز أونلاين. في البداية كان هذا التسوق محصورا في شراء أجهزة الكمبيوتر، أي أن تطلب ما تريده من مواصفات وتقوم شركة مثل ديل بإنتاج الكمبيوتر وتوصيله في أقل من أسبوع. اليوم من الصعب تخيل أن أحدا يشتري شيئا منزليا من محل. كل شيء يتم بيعه وشراؤه إلكترونيا.
تذاكت الشركات الكبرى. السوبرماركت الكبير في وسط المدينة يعني إيجارات غالية وموظفين برواتب أعلى ومساحات لإيقاف سيارات الزبائن على أرض سعرها بسعر الذهب. الحل؟ نحول المتاجر إلى مخازن خارج المدينة، حيث كل شيء أرخص ونشجع الناس على طلب الخضر واللحوم والرز والخبز من خلال الكمبيوتر. يتحرك أسطول من السيارات لتوصيل الطلبات.
الكل، نظريا، مستفيد. الشركات الكبرى توفر وتربح. الزبون لا يضيع وقته. أسطول السيارات يشغل نوعا مختلفا من العاملين. أين المشكلة؟
لا مشكلة. فقط أن كل شيء يتسوقه الإنسان تقريبا هو نتاج عادات استهلاك جديدة. التلفزيون جديد والكمبيوتر جديد والهاتف جديد. حتى التنويعات بالملابس والسلع الأخرى جديدة نسبيا، لكن ما يربطنا بالطعام شيء عميق وقديم جدا. الطعام والإحساس به وبشكله وبالشبع محفور في جيناتنا. قد تشتري ربع كيلوغرام من الطماطم، لكن أكوام الطماطم في السوبرماركت تجعلك مرتاحا بأن الجوع بعيد وأن لا عودة له في عالم اليوم. لا مكان للطماطم أونلاين.
> هيثم الزبيدي