يتعالى خلال هذه الأيام التي تسبق ليلة عاشوراء، صخب الأطفال في الأحياء والشوارع تخليدا لطقوس ظلت راسخة في تقاليد المغاربة.
فبين دوي المفرقعات “القنبول” وإضرام النار في العجلات “شوعالة” وبين أناشيد الفتيات والفتيان، تتقاطر أخبار ضحايا هذه الألعاب، وسرعان ما تتحول الفرحة والاحتفال إلى ندم وحسرة في البيوت والمستشفيات، وتكتظ أغلب مستعجلات المملكة بمصابين وضحايا هذه الألعاب.
فبعد أن تتحول أحياء وساحات كثيرة بالعديد من المدن المغربية إلى ساحة حرب نتيجة لانتشار الألعاب النارية والمفرقعات أو ما يسمى بـ”القنبول”، والتي يتراشق بها الأطفال والمراهقون، يدب الرعب والهلع في صفوف الأسر والعائلات بعد أن يتسبب الاحتفال أحيانا في سقوط ضحايا وإصابة البعض بعاهات مستديمة خاصة الإصابات على مستوى العينين وكذلك الحروق من مختلف الدرجات، ليصل الى الموت.
قبل نحو أسبوعين من حلول عاشوراء، يأبى كبار التجار الباحثون عن الثراء السريع على حساب صحة الشباب والأطفال، و راحة المواطنات والمواطنين وخاصة منهم المرضى والمسنين، إلا أن يفرغوا هذه المناسبة من عمقها الديني والثقافي ويحولونها إلى مناسبة لاستيراد أطنان من اللعب والمفرقعات بمختلف أشكالها في عدد من المناطق.
ومتعارف لدى البيضاويين خصوصا الشباب أن منطقتي “درب عمر” و”درب السلطان” هي أشهر مناطق بيع “القنبول” بالمدينة، فما إن تطأ قدمك أحد الدروب أو الأزقة بهذه المناطق حتى يأتيك أحد الشباب في مقتبل العمر، ليسأل ” خاصك القنبول… شنو خاصك زيدان، كراناد، سيكار -(وهي أنواع القنبول)-… كولشي كاين”، تم يطلب منك أن ترافقه في الغالب إلى بيته حيث يخزن كميات لا بأس بها من كل الأصناف والأنواع أو يلاقيك بأصحاب البيع بالجملة بأحد المناطق البعيدة عن المارة خوفا من أن يتم توقيفه.
وتتراوح أثمنة هذه المواد بين 20 و600 درهم للعلبة أو ما يسمونها “الكاخة” أي رزمة من العلب ثمنها أقل بالمقارنة مع ثمن التقسيط، وتختلف التسميات والأثمنة بحسب كمية الصوت وقوة الانفجار. فكلما كان الانفجار أقوى وأكثر إزعاجا ارتفع الثمن وهناك أنواع أخرى تشبه الألعاب النارية حيث يرافق الانفجار إشعاعع بالألوان وغالبا يكون ثمنها أعلى، ثم هنالك الشماريخ التي تستعمل في الملاعب وثمنها هو الآخر أعلى من المفرقعات العادية.
وقال أحد الشباب التقته صدفة “بيان اليوم” قرب منطقة درب عمر بالدارالبيضاء، إنه اعتاد خلال أيام عاشوراء على الذهاب لأماكن معروفة ببيع هذه المفرقعات بمنطقتي “درب عمر” و “كراج علال” بمدينة الدار البيضاء، والتي تعرف تواجد تجار الجملة والكميات الكبيرة، والذين يعملون على بيعها لتجار التقسيط من أجل ترويجها إلى جانب ألعاب أخرى ذات صنع محلي.
وأضاف أنه يجلب كميات لابأس بها لبيعها في الأحياء والأسواق الشعبية، القريبة من منزله، مقابل ربح مادي رغم أن الأمر قد يؤدي به إلى التوقيف والمساءلة من طرف السلطات المحلية.
كما أكد المتحدث، أنه خلال السنوات الأخيرة ارتفع الثمن حيث عزا ذلك لصعوبة تهريب هذه المواد وإدخالها بطرق غير شرعية بالمقابل ظهرت مئات الأنواع الجديدة لم تكن موجودة سابقا.
أسر ومواطنون يستنكرون هذه الألعاب…
وعلى الرغم من تجريم ترويج المواد المتفجرة، إلا أنها تجد طريقها إلى أيادي عدد من الأطفال والمراهقين على الرغم من المخاطر التي تشكلها، ما يثير أسئلة حول مدى تطبيق القانون رقم 22.16 المتعلق بتنظيم المواد المتفجرة ذات الاستعمال المدني والشهب الاصطناعية الترفيهية والمعدات التي تحتوي على مواد نارية بيروتقنية، الصادر في يونيو عام 2018، لردع المخالفين والحد من التجاوزات.
وفي هذا الصدد تتعالى أصوات العديد من المواطنين والمواطنات، حيث أكدت أم أنس التي سبق لابنها أن تعرض لتشوه في الوجه بسبب “قنبول عشوراء” أن مثل هذه الألعاب الخطيرة قد تدمر مستقبل الشباب حيث أن “جدية الخطورة تظهر عند الإصابة بها إذا قدر الله”، وقالت ” سنة2021 كان ابني البالغ من العمر 15 سنة آنداك يلعب مع أبناء الحي، حتى قام أحد أصدقائه برمي “مفرقعة” على وجه ابني من دون قصد، أدت الى حروق حادة بوجهه تحولت بعدها لتشوه” وأضافت ” بالرغم من التدخلات الطبية والتجميلية إلا أن التشوه مازال واضحا وكانت الأمور قد تكون أسوء لو كانت قريبة من العين”.
وطالبت أم أنس من المسئولين والمصالح الأمنية المختصة بضرورة التكثيف من الحملات الأمنية في اتجاه وقف ترويج هذه المفرقعات التي تثير الرعب والهلع والضوضاء في الشوارع والأحياء، والتعامل بشكل صارم مع المتورطين والمخالفين للقانون المنظم لاستعمالها.
واستنكرت مجموعة من فعاليات المجتمع المدني هذه الألعاب ووجهت الدعوة أيضا إلى تجار الجملة والتقسيط قصد تجنب ترويجها مراعاة للمصلحة العامة وحماية المواطنين وعلى رأسهم الأطفال، ناهيكم عن ارتفاع أصوات الأهازيج التي تستمر إلى ساعات متقدمة من الليل، التي تستفز الكثير من المواطنات والمواطنين وخاصة منهم المرضى والمطالبين بالصحو باكرا للعمل.
مستعجلات تعيش ليلة استثنائية..
تعيش مختلف مستعجلات مدينة الدارالبيضاء وخصوصا القريبة من الأحياء الشعبية ليلة غير عادية فما إن تبدأ الاحتفالات حتى يتقاطر ضحايا القنبول والألعاب النارية، فتظل الأطقم يقظة للتعامل مع متلف الحالات التي قد ترد عليه، سواء بسبب تبعات عاشوراء، أو الحالات العادية التي تفد بشكل يومي طوال السنة والتي تتراوح إصابتها بين حالات حرجة وأخرى خفيفة.
حملات واعتقلات بالجملة…
ومع انتشار هذه المواد الممنوعة في شوارع وأزقة المدن المغربية، وانتشار حالة من القلق والانزعاج والخوف على سلامة الأشخاص والممتلكات، تعمد السلطات المحلية والأمن الوطني، خلال هذه الأيام، إلى تكثيف حملاتها من أجل التصدي والحد من انتشار بيع وترويج هذه المواد الممنوعة، حيث تمكنت عناصر الأمن بمنطقة “الفداء بالبيضاء”، من توقيف صاحب محل يبلغ من العمر 40 سنة، لتورطه في الترويج وحيازة 2100 وحدة من المفرقعات والشهب النارية، كما تمكنت فرقة مكافحة العصابات بولاية أمن الدار البيضاء، وبتنسيق وثيق مع مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، من توقيف شخصين يبلغان من العمر 37 و38 سنة، بمنطقة البرنوصي، من ذوي السوابق القضائية، للاشتباه في تورطهما في قضية تتعلق بحيازة وترويج شحنة من المفرقعات مجموعها 1.485.340 وحدة، والشعب النارية المهربة، بالإضافة إلى اعتقال شخص يبلغ من العمر 19 عاماً بحوزته 86 ألف و400 وحدة من الشهب والمفرقعات النارية، وفي 15 يوليو الماضي.
عقوبات قاسية
ويواجه مروجو الألعاب النارية عقوبات زجرية قاسية في حالة مخالفتهم للقانون 22.16، المتعلق بتنظيم المواد المتفجرة ذات الاستعمال المدني والشهب الاصطناعية الترفيهية والمعدات، التي تحتوي على مواد نارية بيروتقنية.
حيث تنص المادة السادسة على أنه لا يمكن صنع المواد المتفجرة أو الشهب الاصطناعية الترفيهية، أو استيرادها أو تصديرها أو بيعها، أو كذا شراؤها أو تملكها أو حيازتها، أو تخزينها أو نقلها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى استعمالها، ما لم تكن معتمدة من قبل الإدارة، علما أن الحصول على الاعتماد، يستدعي خضوع المواد المذكورة، مسبقا وعلى نفقة طالب الترخيص، لدراسات وتحاليل وتجارب، وفق المناهج المحددة في المواصفات القياسية المغربية الجاري بها العمل، تنجز من قبل مختبرات مرخص لها، أو معينة من قبل الإدارة.
وتتراوح العقوبات الزجرية المنصوص عليها في هذا القانون بين خمسة ملايين سنتيم و50 مليونا، والحبس من سنتين إلى خمس سنوات، أو بإحدى هاتين العقوبتين، ضد من ثبتت في حقه، حيازة مواد أولية أو متفجرة أو شهب ترفيهية، دون مبرر قانوني، أو يقوم بإدخالها بطريقة غير قانونية إلى التراب الوطني.
وتمتد العقوبات ذاتها، إلى كل من يقوم، بطريقة غير قانونية، بصناعة مواد متفجرة أو شهب اصطناعية ترفيهية، فيما يعاقب بغرامة تتراوح بين ثلاثة ملايين سنتيم و30 مليونا، كل مستغل مستودع أو مصنع لا يتقيد بشروط العزل، أو يستغل فضاء للتخزين دون تصريح مسبق للإدارة، علما أن العقوبة تتضاعف في حدها الأدنى والأقصى، في حالة العود.
تحذير من مخاطر المفرقعات في عاشوراء…
ومن جهتها حذرت وزارة الصحة من مخاطر استخدام المفرقعات النارية من طرف الأطفال، وذلك لما يمكن أن تسببه من مخاطر على صحة وسلامة مستعمليها، حيث وأوضحت عبر منشور في منصة “صحتي” يخص مخاطر المفرقعات في عاشوراء، أن المفرقعات التي يستخدمها بعض الأطفال للعب بمناسبة عاشوراء “يمكن أن تسبب حروقا في العين أو تلحق أضرارا دائما على مستوى السمع، مشيرة إلى أن قوة الانفجار قد تؤدي إلى صمم جزئي أو كلي” بالإضافة إلى ” إصابات وحروق في اليدين أو على مستوى الوجه، أو أي جزء آخر في الجسم، مما يؤدي إلى تشوهات أو ندوب بشعة على مستوى الجسد، وبالتالي عدم القدرة على ممارسة بعض المهن (بسبب فقدان البصر، والسمع، والأصابع…)”.
وقدمت الوزارة في منشورها بعض النصائح والتوجيهات لتجنب استعمال المفرقعات النارية، ذلك بـ”مراقبة الآباء لأولادهم وعدم السماح لهم بشراء واستعمال هذه المتفجرات”، كما دعت الكبار إلى “إخفاء وإتلاف هذه المواد المتفجرة بعيدا عن الأطفال”.
أما في حالة استعمال هاته المتفجرات، يقول منشور وزارة الصحة، إنه “لا يجب على مستخدم المفرقعات إبقاءها في يده وهي مشتعلة، بل يجب رميها على الأرض على مسافة بعيدة، مع الحرص على رميها بعيدا عن أي شخص آخر وعن ممتلكات الغير؛ وعدم محاولة إعادة إشعالها المفرقعات التي لم تنفجر”، مع التأكيد كذلك على “عدم محاول صناعة هذه المفرقعات”، لكون ذلك “ممنوع وخطير جدا”.
إلياس ديلالي (صحافي متدرب)