في سابقة تعدّ الأولى من نوعها، قضت المحكمة الابتدائية بطنجة، بسنة حبسا نافذا في حق مالك ومسيرمقهى تدخن فيها الشيشة، وبشهرين حبسا نافذا، في حق إثنين من المستخدمين بها رغم تنازل إدارة الجمارك، فيما يتعلق بالشكاية الجمركية، ورغم عدم وجود نص قانوني يجرّم بيع واستهلاك الشيشة أو تقديمها لزبناء المقاهي والمطاعم.
ملخص القضية
تعود فصول القضية الى تاريخ 08/08/2022 حينما داهمت عناصر الشرطة أحد مقاهي مدينة طنجة التي تقدّم الشيشة إلى زبائنها، حيث أوقفت مالك المقهى ومسيّرها واثنين من العاملين فيها، كما حجزت 140 غرام من مادة المعسل و360 أرجيلة و468 رأس محشو بمادة المعسل و8 قنينات من غاز الضحك وعلبة من بالونات هوائية.
وعند الاستماع لمالك المقهى، صرح بأن المحل معدّ لتقديم المأكولات والمشروبات بحسب رخصة الاستغلال التي يتوفر عليها، إلا أنه يقدم أيضا مادة الشيشة لزبائنها بناء على طلبهم. وأضاف بأن ابن عمه هو من يتولى تسيير المقهى المذكور، وهو من يقوم بجلب مادة المعسل ولوازم تدخين الشيشة. وأكد مسيّر المقهى نفس تصريحات مالكها، كما أكد المستخدمان أنهما يعملان في المقهى ويقومان بتقديم الشيشة للراغبين في تدخينها.
وبعد اشعار إدارة الجمارك، قررت أن تقدم شكايتها، فعملت النيابة العامة على متابعة مالك المقهى ومسيرها والعاملين معهما في حالة اعتقال من أجل جنحة حيازة بضاعة أجنبية بدون سند صحيح خاضع لمبرر الأصل طبقا لمقتضيات الفصول 128 و280 و282 من مدونة الجمارك.
إجراءات المحاكمة ومرافعة الدفاع
أثناء المحاكمة التي تمت عن بعد، أدلى دفاع المتهم بتنازل إدارة الجمارك عن شكايتها بعد وقوع الصلح بينها وبين المتهمين، بعد أدائهم للغرامات المالية المحددة قانونا كجزاء للمخالفة الجمركية، إلا أن ممثل النيابة العامة التمس إضافة متابعة جديدة للمتهمين تتمثل في حيازة وبيع مواد فيها خطر على صحة الإنسان والمشاركة في ذلك، طبقا لمقتضيات الفصلين 1 و 2 من قانون 13 – 83 المتعلق بزجر الغش في البضائع.
وبعد استشارة الدفاع حول جاهزيته للمرافعة، أبدى استعداده لذلك. وقررت المحكمة اعتبار القضية جاهزة، وشرعت في الاستماع إلى المتهمين حول المنسوب إليهم، حيث أكدوا أنه لا علم لهم بأن مادة الشيشة هي بضاعة أجنبية، وبأن ما قاموا به عن حسن نية يشكل جريمة جمركية، وبأن المقهى يقدّم هذه المادة لزبائنه على غرار ما هو معمول به في باقي مقاهي ومطاعم المدينة السياحية، وبأنهم لا يعلمون بوجود قانون أو قرار لمنع تدخين الشيشة أو تقديمها للزبائن.
وفي مرافعته، أكد دفاع المتهمين الصلح المدلى به من إدارة الجمارك، ملتمسا سقوط الدعوى العمومية طبقا لمدونة الجمارك. وبخصوص ملتمس النيابة العامة بإضافة متابعة جديدة طبقا لقانون الغش بالبضائع باعتبار الشيشة مادة مضرة بالصحة، اعتبر الدفاع أن هذا الملتمس يخالف القانون والواقع، ويتنافى مع مبدأ الشرعية الجنائية، لأنّ الملفّ خالٍ مما يفيد أن مادة الشيشة مضرّة بالصحة، وبأن هذه المادة تقدم في عدد من المقاهي والمطاعم في المدينة، ولا وجود لقانون يجرم تقديمها للزبائن أو استهلاكهم لها، وأن المحكمة لا تحكم بناء على علمها، وانما بناء على ما هو موجود في الملف، وبأن فصول المتابعة الإضافية لا تنطبق على النازلة المعروضة لعدم وجود متضرر أو مشتكٍ في القضية ولا وجود لأي تقرير أنجزته السلطات الصحية تؤكد أن المواد المحجوزة مضرة بالصحة، ولا وجود لتقرير إداري يؤكد وجود غش في البضائع المذكورة. كما أن إجراءات إضافة المتابعة لم تنضبط للإجراءات والمساطر المعمول بها في قانون الغشّ في البضائع والتي تلتزم ضرورة إنجاز تقارير وعرضها على المتهم لمناقشتها، ملتمسًا التصريح بسقوط الدعوى العمومية في الجنحة الجمركية والبراءة في الباقي لانعدام الفعل الجرمي.
موقف المحكمة
قضت المحكمة كما كان متوقعا بسقوط الدعوى العمومية فيما يخص الجنحة الجمركية، بعد توصل المتهمين إلى صلح مع إدارة الجمارك، لكنها وعلى خلاف ما استقر عليه تعامل المحاكم في القضايا المماثلة، قرّرت ادانة المتهمين من أجل نفس الأفعال وفق تكييف جديد طبقا لقانون زجر الغش في البضائع. وقضت بالحبس النافذ لمدة سنة في حق كل من مالك المقهى ومسيرها، وبالحبس النافذ لمدة شهرين في حق العاملين بها، معتمدة على العلل التالية:
- الضرر الجنائي يقوم على مجرد مخالفة أمر المشرّع أو نهيه بصرف النظر عن النتيجة؛
- جنحة حيازة وبيع مواد خطرة على صحة الإنسان رغم ما يشترطه القانون من إجراءات شكلية خاصة بها قبل اجراء المتابعة، تبقى خاضعة للقواعد العامة؛
- المتّهمون ضبطوا وهم يقومون بتقديم مادة الشيشة لزبائن المقهى من دون أن يتأكدوا من مدى تأثيرها على صحة المستهلكين؛
- رغم عدم وجود نص قانوني يجرم استعمال الشيشة أو توزيعها أو استهلاكها، أو اعتبارها مادة مخدرة، فإنه من الثابت أن استعمالها وتوزيعها يتوقف على الحصول على رخصة من المصالح الصحية التي تؤكد سلامتها وتبعد عنها تهمة الإضرار بصحة الإنسان؛
- في غياب حصول المتهمين على رخصة من السلطات الصحية أو شهادة تثبت سلامتها، فإن تقديمها للمستهلك يعدّ خداعا أو تزييفا أو تدليسا، لأنها تعتبر تبعا لذلك منتجات قد تشكل خطرا على صحة الإنسان بحسب المادة 2 من قانون زجر الغش في البضائع؛
- لئن كان قانون زجر الغش في البضائع يستوجب قبل تحريك المتابعة إحالة البضاعة المشكوك في جودتها على خبرة، وعرض نتائجها على المعني بها، أي على الشخص المشكوك في حيازته لبضاعة مشكوك في جودتها، فإنّ هذه الإجراءات لا تكون واجبة التطبيق متى استطاع محرّرو محاضر الغش إثباته طبقا لمقتضيات المادة 24 من هذا القانون التي تنص على أنه: “يمكن أن تثبت بأيّ طريقة مفيدة المخالفات للقوانين والأنظمة المتعلقة بقمع الغش ويترتب عن ذلك إما أخذ عينات واما تحرير محاضر اثبات”.
وعليه خلصتْ المحكمة إلى أنّ “ما قام به المتهمون من أفعال يضرّ لا محالة بصحة المستهلكين”، مما تتعيّن معه إدانتهم من أجل ما نسب إليهم من أفعال طبقا لقانون زجر الغش في البضائع.
تعليق على الحكم
يؤسس الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بطنجة لاتجاه جديد في تعامل المحاكم مع المداهمات التي تقوم بها دوريات الشرطة لبعض المقاهي التي تقوم بتقديم الشيشة إلى زبائنها. فأمام غياب نصّ قانوني يجرم أو يعاقب على حيازة الشيشة أو تقديمها للمستهلكين، وهو ما أشار إليه الحكم الصادر بشكل صريح، فإن النيابات العمومية تعتمد في متابعاتها توجهات متباينة:
- التوجه الأول: اعتبار ما تقوم به الشرطة من مداهمات لمقاهي الشيشة يدخل في إطار مهام الشرطة الإدارية. وفي هذا السياق، صدر حكم المحكمة الإدارية بالرباط الذي جاء فيه: ” لئن كان تدخين الشيشة لا يشكل في حد ذاته أعمالا مخلة بالأخلاق العامة، إلا أنها تعتبر عادة دخيلة، يحقّ للسلطات اتخاذ القرارات اللازمة لمحاصرة هذه العادة، والعمل على تطويقها حماية للشباب المغربي من مخاطرها الصحية”. ووفق هذا التوجه فإن بيع الشيشة أو تقديمها للمستهلكين في المقاهي يكيف كمخالفة لقرارات الإدارة، وهي مخالفة معاقب عليها بغرامة مالية فقط.
- في نفس السياق، بدأت بعض المحاكم وعقب حالة الطوارئء الصحية، تعتمد في تكييفها لهذه الأفعال على أساس قانون الطوارئ الصحية، من خلال مداهمة بعض الأماكن المكتظّة والتي لا تحترم الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا، علمًا بأن مرسوم الطوارئ يتيح بدوره إمكانية الصلح؛
- التوجه الثاني: متابعة المستهلكين للشيشة وخاصة الفتيات منهن من أجل بعض الجرائم الأخلاقية. وفي هذا السياق، يقول المحامي حاتم بكار أنه: “أمام الفراغ القانوني الموجود، تلجأ النيابة العامة إلى متابعة أرباب هذه المقاهي ليس بسبب بيع الشيشة، بل تتابعهم من أجل التأكد من عدم اتخاذها غطاء للدعارة أو المساس بالأخلاق والآداب العامة أو بالتحريض على الفساد أو على تعاطي استهلاك المخدرات”.
- التوجه الثالث: وهو الغالب يتمثل في متابعة أرباب المقاهي ومسيّريها من أجل الجنحة الجمركية على اعتبار كون الشيشة ومشتقاتها تعد بضاعة أجنبية وتتطلب حيازتها ضرورة الادلاء بسند صحيح خاضع لمبرر الأصل طبقا لمدونة الجمارك، ويترتب عن الصلح مع إدارة الجمارك في هذه الحالة سقوط الدعوى العمومية.
وانطلاقا من هذه التوجهات، يلاحظ أن الحكم الذي نشرته “المفكرة القانونية” أسّس لتوجه رابع باعتماد قانون زجر الغش في البضائع، في توسع لافت لتفسير النص الجنائي. وقد أشار إلى ذلك الحكم بشكل صريح حينما اعتبر وضمن حيثياته أنه “لئن كان من حيث المبدأ لا يجوز الجنوح الى التفسير الواسع في المادة الزجرية، وأن التفسير الضيق لصالح المتهم هو المبدأ، فإن هذا الأمر يبقى محصورا في مجال التفسير والتأويل لا التوضيح والشرح”.
من جهة أخرى، يلاحظ أن الحكم أسس حيثياته على الضرر الاحتمالي، واعتبر مجرد تقديم القائمين على مقهى لمواد تشترط الحصول على رخصة دون الحصول على هذه الرخصة نوعا من الغش والتدليس الذي قد يشكل خطرا على صحة المستهلكين، دون أن تقوم المحكمة باجراء خبرة على المواد المحجوزة، للتأكد من مدى سلامتها، أو الخطر الذي قد تشكله على صحة مستهلكيها.