على الحكومة وضع “السوارت” إذا لم تكن قادرة على اتخاذ القرارات الجريئة

حسن أومريبط النائب البرلماني بفريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب في حوار مع بيان اليوم

منذ تولي الحكومة الحالية شأن التدبير ببلادنا تدهورت الأوضاع المعيشية للمغاربة بفعل الغلاءات الفاحشة

أبدى حسن أومريبط النائب البرلماني بفريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، عدة ملاحظات حول مستوى تدبير الحكومة للشأن الوطني، لا سيما تدهور مستوى عيش المواطن المغربي بفعل الارتفاعات المتوالية في أسعار جميع المواد الغذائية، ذلك أنه رغم الدعم الذي يحظى به بعض المقربين من الحزب الحاكم لاستيراد الماشية وغيرها، إلا أن تأثيره على السوق يبقى محدودا جدا، لكنه ينعكس إيجابا على جيوب هذه الفئة المحظوظة التي تستفيد من أموال ضخمة باسم “الدعم”..
ورغم التنبيه إلى الخلل في مستوى تسيير عدة قطاعات، إلا أن الحكومة لا تلتفت لملاحظات واقتراحات المعارضة، والسبب بحسب حسن أومريبط، يرجع إلى تبجحها بالتغول العددي، وهو ما يدمر ما بناه المغرب على مستوى “الخيار الديمقراطي”، بعده الثابت الوطني الرابع، بعد الملكية والدين الإسلامي والوحدة الترابية.
وانتقد النائب البرلماني عن دائرة أكادير إداوتنان، في حوار مع جريدة بيان اليوم، ظاهرة خلق الحكومة للأزمات وعدم فتح النقاش بشأنها، من قبيل ملف طلبة كلية الطب والصيدلة.. بل إنها تواجه بعنف قوي المحتجين على قراراتها “الفاشلة”، كما حدث مع الأطر الصحية بمدينة الرباط..
وبشأن مسار تنزيل مشروع الحماية الاجتماعية بالمغرب، يرى حسن أومريبط أن الحزب الذي يرأس الأغلبية الحكومية لم يناضل يوما عن الحماية الاجتماعية أو دافع عن الطبقة الفقيرة، لهذا يهتدي اليوم إلى تدبير هذا الملف عبر تقنية استرجاع اليد اليسرى ما قدم باليد اليمنى. فيما يلي النص الكامل للحوار:

> كيف تلقيتم قرار العفو الملكي عن صحافيين ونشطاء حقوقيين بمناسبة عيد العرش، علما أن حزب التقدم والاشتراكية طالب أيما مرة، بحاجة البلاد إلى انفراج سياسي وحقوقي؟
< حقيقة، لا يمكن إلا أن نحيي ونثني على هذه المبادرة، باعتبارها جاءت في التوقيت المناسب، لا سيما وأن المغرب يترأس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بالإضافة إلى مستوى تطور المسار الحقوقي ببلادنا.
لقد أرخى اعتقال صحافيين ونشطاء سياسيين على الوضع الداخلي بالمغرب، وشخصيا، تربطني علاقات ببعض الإعلاميين الذين تم العفو عنهم، وكنت أتابع مواقفهم بشأن عدة مواضيع، التي لا يقولون فيها إلا كلمة الحق، دون أن يبتغوا من وراء ذلك شيئا، خصوصا وأنهم عرفوا باشتغالهم الميداني في الساحة.
كل الأفكار التي كانوا يعبرون عنها، كان الهدف من ورائها تنوير الرأي العام الوطني بشأن الأوضاع التي يعيشها المغرب، وبالتالي، كان اعتقالهم وصمة عار على بلادنا.
وحتى لا يكون هناك تناقض في المسار الحقوقي الدولي والوطني، انتبه جلالة الملك محمد السادس لهذه المسألة، واستجاب لطلبات العفو التي تقدم بها المفرج عنهم، بعد إبداء رغبتهم في العفو الملكي، وأرى أن هذه المبادرة، ستعطي نفسا حقيقيا للوضع الداخلي، كما ستنعكس إيجابا على صورة المغرب في محيطه الإقليمي والدولي.
وفي سياق متصل، نشيد بمبادرة جلالة الملك محمد السادس، بشأن الإفراج عن المحكومين والمتابعين بالتهم المتعلقة بزراعة القنب الهندي، وذلك بمناسبة ثورة الملك والشعب، ويندرج هذا العفو في الوقت الذي اختار فيه المغرب تقنين هذه الزراعة، بعد دخول القانون 13-21 المتعلق بالاستخدامات القانونية للقنب الهندي، حيز التنفيذ، والذي بات يسمح لصغار الفلاحين بمنطقة الريف وشمال المغرب ككل، ممارسة هذه الزراعة بشكل قانوني، والمساهمة في تحريك الاقتصاد المحلي، خصوصا أن المغرب يمر حاليا من عدة مشاكل اجتماعية واقتصادية.

> شهدت الأسواق في الآونة الأخيرة، ارتفاعات جنونية في أسعار اللحوم الحمراء، والدواجن، والأسماك والفواكه، الأمر الذي خلف تذمرا وسط المغاربة في ظل تدهور القدرة الشرائية، كيف تتحمل الحكومة مسؤولية هذا الوضع؟
< مع كامل الأسف، الحكومة لا تتواصل مع المواطن المغربي، وهو ما يعتبر النقطة السلبية والمسيئة في كل عملها، ولا تقول أي شيء حتى إذا تواصلت، فمهما اختلفنا مع تجربة الحكومة السابقة، إلا أننا نتفق معها في الجانب التواصلي، لأنه بالتواصل على الأقل، نشرح للرأي العام أسباب الزيادات، ونكشف عن الحلول المقترحة والإجراءات التي يمكن اتخاذها، غير أن الحكومة أقفلت على نفسها، ولم تقدم على أي خطوة للتقليل من حجم تردي الأوضاع التي تعيشها بلادنا، وذلك في ظل احتراق جيب المواطنين يوما بعد يوم، منذ شهر أكتوبر 2021، أي مباشرة بعد توليها لتدبير الشأن الوطني ببلادنا.
واعتادت الحكومة على الترويج لمبررات واهية لا علاقة لها بالواقع، تعزو من خلالها ارتفاع الأسعار، إلى الجفاف الذي يعتبر هيكليا منذ سنة 2008، وإلى الحرب الروسية الأوكرانية، وإلى الأزمات الدولية، والحاصل أنه لدى الحكومة نوايا للرفع من الأسعار، وبالتالي لا علاقة لكل هذه التبريرات بالواقع.
ومن جهتي، راسلت الحكومة في العديد من المناسبات، ونبهت إلى الغلاءات الفاحشة، والتي شملت اللحوم الحمراء، لكن الحكومة لم تقم بأي مجهود على سبيل إنقاذ الموقف، من قبيل اتخاذ قرار عدم إحياء شعيرة عيد الأضحى المبارك، لا سيما وأن العديد من الأسر المغربية الضعيفة لم تضحي هذه السنة، بينما اختارت الأسر ميسورة الحال السفر وقضاء العيد في الفنادق، وبعد انصراف عيد الأضحى، اتجهت العائلات لاقتناء اللحوم الحمراء، لتصدم بالأسعار الجنونية، لأنه لا يعقل اقتناؤها بسعر 130 درهما وأكثر، رغم أن الحكومة قدمت دعما لاقتناء رؤوس الماشية لإحياء سنة عيد الأضحى، إلا أن هذا الدعم كان من نصيب أشخاص معينين ممن يدورون في فلك الأحزاب السياسية المكونة للأغلبية.
وسيبدو لاحقا بأن استيراد هذه الأغنام لم يوجه كله لأضاحي العيد، وإنما تم اذخار جزء كبير منه، لتوجيهه في فصل الصيف الجاري لمموني الحفلات واستغلال قدوم الجالية المغربية في الخارج، أي أن المواطن كان وظل مغيبا في كل هذا الدعم، لأن الجميع يفكر في ذاته للاستفادة من هذه “الكعكة”، وبالتالي نلاحظ اليوم أثمنة باهظة لاقتناء الكلغ الواحد من اللحم، وهذا راجع إلى عدم وجود تطابق بين العرض والطلب، وهو ما سيؤثر لا محالة على أسعار لحوم الدواجن، لأنه كما تعلم، فالمواطن عندما يجد ثمن اللحوم الحمراء قد ارتفع، يلجأ مباشرة إلى اللحوم البيضاء أو الأسماك، لهذا ارتفعت أسعارهما معا، والحكومة لم تبادر لحدود اللحظة، من أجل إعادة المياه إلى مجاريها عبر التدخل لإنقاذ المواطن الذي يئن تحت وطأة الغلاءات المتتالية.

> من بين التحديات التي تواجهها المعارضة بمجلس النواب، غياب رئيس الحكومة والوزراء عن جلسات الأسئلة الشفهية، وأحيانا عن اجتماعات اللجن البرلمانية، ألا تؤثر هذه الظاهرة على أدوار المؤسسة البرلمانية في الرقابة والتشريع؟
< هذا ضرب من الضروب الصارخة للمؤسسة التشريعية، التي لها مكانتها في الدستور المغربي والقانون المؤطر لها، وباعتبارها صرحا لممارسة الديمقراطية ببلادنا، فرئيس الحكومة خلال إحدى الجلسات الشهرية العامة، صرح بأن خطاب المعارضة واقتراحاتها لا تهم الحكومة، مشيرا إلى أن الملاحظات التي تهمها هي الصادرة عن الأشخاص الذين صوتوا عليها، وهكذا كشف عن الوجه الحقيقي للعقلية التي تسير البلاد.
من يقول بأن المعارضة لا تهمني، أي أنه يضرب المسار الديمقراطي لبلادنا عرض الحائط، لا سيما وأن هذه المعارضة تعد مكونا أساسيا في العمل التشريعي والرقابي داخل البرلمان، وبدل أن يكون رئيس الحكومة الحامي الثاني بعد جلالة الملك محمد السادس للخيار الديمقراطي بالمغرب، نجده أول من يخرقه ويدوس عليه..
وعبرنا في فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب في عدة مرات، عن أسلوب تعاطي الحكومة مع المعارضة، وانسحبنا مؤخرا من الجلسة العامة، لأنه لم تعد لنا القدرة على تحمل الأوضاع التي آلت إليها هذه المؤسسة، ولا يشرفنا أن نسكت على تلطيخ صورة البرلمان الذي بات في أزمة مع هذه الحكومة.
لا يعقل أن نراسل الحكومة بشأن عدة ملفات، ونطرح أسئلة كتابية وشفاهية في مواضيع محددة، ولا نتلقى أي أجوبة شافية من الوزراء، بل لا يعقل أن نفاجأ كل يوم اثنين بغياب وزير وتعويضه من قبل آخر، فإذا كان حضور الوزير المعني لا يرد على أسئلتنا وملاحظتنا بشكل شاف وكاف، فما الذي سننتظره من وزير آخر، يجيب عن الملفات في إطار التضامن الحكومي، لا دراية له بها، وشخصيا أعتبر أن هذا الأمر مشينا للعمل التشريعي والرقابي، خصوصا أننا نطرح أسئلة كتابية لها علاقة بالمعيش اليومي وتنقل معاناة المواطنين، ولا نتوصل بالأجوبة الضرورية.
بتعبير آخر تفاعل القطاعات الحكومية مع أسئلتنا يعتبر جد ضعيف للأسف، وهذا الأمر لا يجيب عن تطلعات الشعب المغربي، الذي يتوق لتنفس الديمقراطية على غرار محيطه الشمالي، خصوصا أننا نتحدث أمام العالم عن دولة الحق والقانون، وأصبح لدينا بعد الملكية والدين الإسلامي والوحدة الترابية، الخيار الديمقراطي، بعده الثابت الرابع، لكن يتضح بأننا نهدم مع هذه الحكومة ما شيدناه، لأنها تخرب تدريجيا كل ما أسس له المغرب في العشرية الأخيرة.

> إلى أي حدد تتفاعل الحكومة إيجابا مع مقترحات قوانين المعارضة بمجلس النواب؟
< تقدم المعارضة مقترحات جد قيمة، وتكون لها راهنيتها، ولو أخذت الحكومة بها، لنجحت في ما تفشل فيه اليوم، عوض التبجح بالتغول والكثافة العددية، التي نعرف مصدرها، وتحديدا للحزب المتزعم للأغلبية الحكومية، الذي دبر الانتخابات على المستوى الوطني بشكل لم يكترث فيه للديمقراطية، وها هي الحكومة الحالية تنفرد بالقرارات وبجميع التوجهات بدون الالتفات لرأي المعارضة داخل المؤسسة التشريعية أو ملاحظات واقتراحات الهيئات الدستورية ببلادنا.

> يثار النقاش، بشكل مستمر، حول رفض الحكومة لملاحظات وتعديلات المعارضة على بعض مشاريع القوانين رغم “جديتها”، ألا ينعكس استحواذ الحكومة على الفعل التشريعي على جودة النصوص القانونية؟
< أكيد، ينعكس هذا الاستفراد سليا على جودة النصوص التشريعية، خصوصا أن الحكومة ترفض أي اقتراح مصدره المعارضة، سواء من قبل فريق التقدم والاشتراكية أو الفرق والمجموعة البرلمانية الأخرى، التي تضم كفاءات نظير ما يوجد في الأغلبية الحكومية، وهي كفاءات علمية تناقش على أعلى مستوى في عدة تخصصات، وعلى سبيل المثال، يجتمع حزب التقدم والاشتراكية كل أسبوع لمناقشة الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ببلادنا، ويقدم تصورات قابلة للأجرأة، يكفي أن تتفاعل معها الحكومة بالإنصات.
ما ينقص هذه الحكومة، هو التواضع، لتستفيد من مختلف التجارب الوطنية، غير أنها مستمرة في ادعاء المعرفة والاجتهاد الفردي، وهو ما يقود جميع برامجها نحو الفشل تلو الفشل، ما يعني أنها تذهب بمغربنا نحو الهاوية، ولا أريد الدخول في التفاصيل المتمثلة في حجم الاقتراضات المالية الكبيرة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ورهن حاضر ومستقبل وطننا لدى المؤسسات الدولية..
ولقد رفضنا في حزب التقدم والاشتراكية، بكل صدق وشجاعة في موقفنا السياسي من المشاركة في الحكومة الحالية، وهذا القرار سبق وعبر عنه الرفيق الأمين العام محمد نبيل بنعبد الله، منذ أول يوم، وعقب لقائه برئيس الحكومة، الذي أكد له بأن الحزب لم يفكر وليست لديه الرغبة للمشاركة في الحكومة، نظرا للملاحظات التي لدينا حول طريقة نجاح الحزب الحاكم، والدليل ما نتابعه اليوم من التدبير العشوائي للقطاعات الحكومية التي على رأسها كفاءات لم تقدم شيئا إضافيا لحياة المغاربة، وبدا أن الحكومة لا صلة لها بالإصلاحات التي يجب أن تكون ملموسة على أرض الواقع وليس التسويق لها في الفضاءات الافتراضية.

> تشبث الحكومة بأحقيتها في تشريع وتعديل القوانين، يجر عليها سلسلة من الانتقادات ليس من قبل المعارضة فحسب، ولكن أيضا، من قبل الهيئات المهنية، كاحتجاج المحامين على مضامين مشروع قانون المسطرة المدنية، وفي هذا الصدد، اهتدى رئيس مجلس النواب إلى إحالة المشروع على المحكمة الدستورية لحسم الجدل، ما هو تعليقكم على هذه الخطوة والسجال الذي يعرفه هذا الموضوع؟
< هذا دليل قاطع على أن بعد النظر لدى الحكومة قصير جدا، وأنها عوض أن تجلس على طاولة الحوار في نقاش وطني مسؤول، تلجأ إلى التعامل بعنجهية مع كل من يخالفها الرأي، وعندما نقول مشاريع قوانين فهذا يعني “النقاش” و”الحوار” و”الرأي والرأي الآخر”، إلا أننا نلاحظ أن أي وزير يتحمل حقيبة معينة، لديه مكبوتات مترسبة في رأسه، ويسعى إلى الانتقام من المهنيين، وهذا النموذج، حضر في قطاع التعليم، والصحة، وصولا إلى العدل، ولا يعقل أن يصفي وزراء الحكومة حساباتهم الشخصية الضيقة عبر ملفات شائكة وخلافية.
قدمت نموذج هيئة المحاماة بالمغرب، بداية بدأ الصراع حول الخرجات غير المحسوبة لوزير العدل، وفيما بعد النقاش حول مدونة الأسرة التي كنا نناقشها من الساعة التاسعة صباحا إلى العاشرة ليلا على مستوى لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، إلا أن الحكومة مررت جميع البنود التي أرادتها هي، وأدخلت تعديلات قليلة على بعض النقط اليتيمة التي قدمنا ملاحظاتنا بخصوصها، والتي لا تأثير لها على القانون.
واحتجاج المهنيين ليس استثناء، وإنما المؤسسات الدستورية هي الأخرى تبدي ملاحظاتها، من قبيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الأعلى للحسابات، بيد أن الحكومة تجيد صم الآذان بعدم التفاعل والنقاش والحوار، والشيء الحزين، هو أن مجموعة من البرلمانيين الشرفاء داخل مكونات الأغلبية، يستنكرون التدبير الحكومي في لقاءاتنا الهامشية، لكن ليس لديهم الحق في التعبير عن رأيهم، وهذا مشكل كبير جدا، خصوصا وأنهم يدعونهم إلى التصويت بدون أي مناقشة، أو التعبير عن مواقفهم الشخصية، وهذا أمر جد خطير، وبالمناسبة، لم يسبق لحزب التقدم والاشتراكية أن انزعج أو وجه برلمانييه بعدم التفاعل مع ملفات الشعب المغربي رغم مشاركة وزرائه في الحكومة.

> لا يشمل الخلاف المسطرة المدنية، وإنما كذلك، مشروع قانون الإضراب، ويشار إلى أن المعارضة طالبت رئاسة مجلس النواب بإحالة المشروع على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، لإبداء رأيهما في مضمونه، ما هي خلفيات الإقدام على هذه الخطوة؟
< هذا مثال آخر، على أن أداء الحكومة محدود بشكل لا يطاق، لأنها غير قادرة على اتخاذ قرارات مسؤولة وجريئة، وحتى عندما نناقش مع رئيس الحكومة ووزراء الأغلبية خطط وبرامج الحكومة، تجدهم يندسون وراء مشاريع جلالة الملك محمد السادس، فجلالته يعطي تصورات عامة للبلاد، بشكل ديمقراطي وتصب في مصلحة الشعب المغربي، يراعا فيها الوضع الاجتماعي والاقتصادي، لكن تنزيلها لا يكون في المستوى المطلوب من قبل الحكومة التي تشوه هذه البرامج بفعل غياب المحاسبة والتتبع في أوراش تنزيل المشاريع الملكية الطموحة، ولا تريد الحكومة أن تعبر المعارضة عن ملاحظاتها حول تعثرات مسار هذه المشاريع التي تهم مصالح المواطن الذي لا يهم الحكومة، بقدر تفكيرها في مصلحتها ومصالح ذويها ومن يدور في زمرتها. وإذا لم تكن الحكومة قادرة على اتخاذ قرارات جريئة، فمطلوب منها أكثر من أي وقت مضى، بأن تضع “السوارت” (المفاتيح).
لقد تم إخراج قانون الإضراب أسبوعا قبل الدخول في العطلة البرلمانية، حيث تمت مناقشته في اللجنة الخاصة، صحيح أن المشروع الذي كان في عهد حكومة عبد الإله بنكيران، لم يرق إلى تطلعات الطبقة الشغيلة في المغرب، لأن مضمونه كان سيئا جدا، لكن إخراج صيغة جديدة للمشروع في هذا التوقيت، والرغبة في تسريع وتيرته، يطرح مجموعة من علامات الاستفهام؟؟ مما دفعنا إلى الدعوة لضرورة أخذ رأي النقابات الأكثر تمثيلية، والجلوس معها على طاولة النقاش، من أجل حوار هادئ، وعندما نقول “قانون الإضراب”، فنحن نتحدث عن الجانب الحقوقي والتشريعي، المتجلي في التنزيل السليم لدستور المملكة، الذي كرس قانونية وأحقية الإضراب، وبالتالي سيثار الكثير من الجدل حول هذا المشروع، والحكومة مطالبة باللباقة والحكمة في إخراجه، استنادا إلى الإنصات والحوار مع جميع الأطراف، لإصدار قانون يليق بمستوى الشغيلة في كل القطاعات.

> كيف تتابعون في المعارضة استمرار الأزمة بين طلبة كليات الطب والصيدلة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار؟
< استقبلت طلبة كلية الطب والصيدلة في مناسبتين، اللقاء الأول كان مع أعضاء التنسيقية على مستوى جهة سوس ماسة، والثاني تم على المستوى المركزي، استمعت لقراءاتهم واطلعت على ملفهم المطلبي، الذي بدا أنه مشروع وعادل وحقيقي.
صحيح أن الوزارة تتحدث عن عدم تدخل الطلبة في توجه الدولة، هذا من حقها، لكن بالمقابل لا يمكن تخريب وتدمير مستقبل الطلبة بجرة قلم، لا سيما وأن التعاقد المبدئي كان هو التكوين على أساس سبع سنوات، غير أن حكومة الكفاءات اجتهدت بشكل سلبي، وحاولت أن تفرض تقليص عدد سنوات التكوين إلى ست سنوات في إطار ما سمته “قطع الطريق على هجرة الأطباء نحو الخارج”، أي أنها تحاول أن تتحكم في مستقبلهم بخطة عرجاء وعمياء.
فإذا كان الطلبة لا يستطيعون استيفاء عدد ساعات التكوين النظري والتطبيقي في المراكز الصحية في سبع سنوات نظرا لضغط الدروس، فكيف لهم أن يكملوا هذه الساعات في ست سنوات؟!
وعلى صعيد آخر، بدأت كليات الطب والصيدلة في استقطاب عشرات الآلاف من الطلبة، غير أن البنية التحتية الصحية الوطنية ليست لها القدرة لاحتضانهم، بفعل الخصاص في فضاءات الممارسة الميدانية، وغياب الموارد البشرية في التأطير، علما أن التكوين والتدريب مساران متوازيان ولا يمكن الفصل بينهما. وما نستغرب له، هو إغلاق الوزارة باب الحوار في وجه الطلبة، في حين أن التجارب الدولية الديمقراطية لا يتوقف الحوار بها، ويبقى مفتوحا دائما، للبحث عن اتخاذ الإجراءات بشكل مشترك. وليس من المستساغ، أن يتحكم فرد في مصير شعب وبلاد بأسرها!
وبادر فريق حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، بالوساطة بين الطلبة والوزارة، لكن اتضح أنه مع طول مدة الخلاف، تطورت المشاكل أكثر، التي كانت في حاجة إلى أن تعالج في ساعتها، بدل خلق الأزمة والاقتتات عليها كما تفعل الحكومة الحالية التي تجيد خلق الأزمة ولا تفتح الحوار بشأنها، وهذه الأزمات نتائجها تكون وخيمة اجتماعيا وماديا.
وهذه ليست التجربة الأولى في خلق الأزمات، حيث سبق وعشنا الأزمة التي امتدت لثلاثة أشهر مع نساء ورجاء التعليم، والتي حرم بسببها أبناء المغاربة من الدراسة، وباعتباري عضوا في لجنة الحوار القطاعي عن الجامعة الوطنية للتعليم (UMT)، كنت أتابع النقاش من الداخل، ولاحظت وقتها، غياب جدية الحوار، والدليل أننا لم نصل إلى النتائج إلا بعد هدر الزمن المدرسي بشكل غريب، وها نحن الآن، أمام مشكل كلية الطب والصيدلة، الذي يتجه نحو الباب المسدود، نتيجة التصور غير الواضح والخاطئ للوزارة والحكومة، فهل السنة البيضاء في صالح بلادنا؟؟
يتبين بالملموس، أن الحكومة اعتادت على توزيع الوعود الكاذبة في كل القطاعات ومع جميع الهيئات، سواء مع الطلبة أو الممارسين، وعندما يحتجون تواجههم بالعنف، كما حدث مع الاعتداء على الممرضين والممرضات بشوارع مدينة الرباط، عندما خرجوا للتنديد بسياسة الحكومة في القطاع الصحي، وسبب كل هذه الأحداث، هو غياب القرارات الجريئة من قبل الحكومة، وسننتظر حدوث السيناريو نفسه مع فئة المتصرفين في القطاعات المشتركة، والتي لم يفتح معها الحوار، في دعوة صريحة لهم إلى الخروج للشارع.

>كيف تتابعون استعداد الحكومة لإنجاح الدخول المدرسي مع الفرقاء الاجتماعيين وهيئات آباء وأولياء التلاميذ، في ظل هدر الزمن المدرسي الذي حصل في الموسم الدراسي السابق، بفعل احتجاجات أسرة التعليم على السياسة المتبعة في القطاع؟
< لا شك أن المنظومة التربوية ستعيش أكبر مشكل في الدخول المدرسي المقبل، نظرا لزعزعتها استقرار المؤسسات التعليمية. العمل المشترك بين الإدارة التربوية والتقنية ونساء ورجال التعليم، هو سر نجاح المدرسة العمومية التي تنضبط لروح عمل الفريق الجماعي، غير أن هذه السنة ستكون استثنائية، لأن العديد من المدارس لا يوجد بها مدراء، نظرا لعدم فتح مسلك الولوج للإدارة التربوية منذ سنتين، ولا تنوي الحكومة فتحه إلا سنة 2025، أي أننا سنكون أمام أربع سنوات من الفراغ الإداري والتربوي في المؤسسات، وهنا نطرح السؤال حول مصير هذه المؤسسات وعن أي نجاح سنتحدث؟!
ولن تعاني المدرسة من هذا الجانب فحسب، وإنما تعرف في الآونة الأخيرة، اكتظاظا مهولا، إلى جانب عدم تشييد مؤسسات تربوية جديدة، رغم تعيين الأساتذة بها، ناهيك عن الخصاص الكبير في أطر الدعم والتربية، لهذا لا يمكن إلا أن ننتظر الفشل الذريع للمنظومة التربوية، وحدوث انفجار داخلها.
وفي سياق متصل، تم هذه السنة إقصاء الحراس العامون والنظار من الحركة الانتقالية التي استفادت منها أسرة التعليم، رغم أن الدستور يخول لهم الاستفادة من الحركة كباقي زملائهم، وما زاد الطين بلة، هو أن الوزارة لم تكلف نفسها عناء تقديم أي توضيح، مما سيعود سلبا على نفسيتهم وأدائهم في العمل، وعندها لا يمكن الحديث البتة عن مدرسة الجودة.
ومنذ تولي الوزير الحالي حقيبة تدبير قطاع التعليم، بنى مشروعه على مدرسة الريادة، وحمل شعار الجودة للجميع، استنادا إلى توفير مجموعة من الآليات التكنولوجية داخل الفصول المدرسية (شاشات، عاكس ضوئي..)، إلا أن تزويد الأقسام بهذه المعدات شمل 2000 مؤسسة لا غير، رغم أننا على مشارف نهاية الولاية الحكومية، على أساس أن يأتي وزيرا آخر، ليقول لنا إن هذا المشروع غير جيد ويتخذ قرارا بتوقيفه..
ولإنجاح مدرسة الريادة، عملت الوزارة على إدماج الأساتذة والأطر التربوية في هذا المشروع، وحفزتهم على الانخراط فيه من خلال منحة 850 درهما في الشهر، إلا أننا سنفاجأ في الأخير، خلال اجتماع للجنة التعليم والثقافة والتواصل، بأن الوزارة قررت تعليق هذه المنحة، التي أوضحت بأنها تهم السنة الأولى، أي أن السنوات التي ستليها لن يتلقى عنها الأساتذة أي درهم، وكأن الوزارة أعطت طعما لأسرة التعليم للانخراط في المشروع لتنقلب عليهم بعد ذلك، وهذا وعد كاذب.
وعممت الوزارة خلال نهاية الموسم الدراسي مذكرة على مدراء المؤسسات التعليمية تحثهم فيها على ضرورة ضمان المداومة داخل المدارس خلال عطلة فصل الصيف، فكيف لهؤلاء المدراء أن يضمنوا المداومة في الوقت الذي لا توجد فيه الموارد البشرية التربوية الكافية؟ خصوصا وأن بعض المؤسسات الابتدائية يوجد بها المدير فقط، وهل يعقل أن يؤمن هذا المدير المداومة طيلة هذا الشهر وهو في عطلة؟ إذن، يتضح أننا أمام تخبط عشوائي في تسيير قطاع التعليم.
ومن جهة أخرى، نلاحظ بأن الوزارة لم تقدم بعد على تسوية وضعية الأساتذة الموقوفين، رغم ممارستهم لحقهم الدستوري في الإضراب، وهو ما أدى إلى خصم أيام التوقيف، وحرمانهم من الترقية، نتيجة عدم احتسابها في الأقدمية، وهذا مساس بمصدر القوت اليومي لنساء ورجال التعليم..

> بات الشغل الشاغل للأسر المغربية هو مراقبة “المؤشر” الاجتماعي، لضمان استمرار الاستفادة من الدعم وخفض قيمة مساهمتها في نظام التأمين الصحي (AMO)، كيف تتابعون أجرأة مشروع الحماية الاجتماعية بالمغرب على أرض الواقع؟
< “بزاف” على هذه الحكومة تبني ورش الحماية الاجتماعية، لأن هذا المشروع خاص بالأحزاب الوطنية، ذلك أننا ناضلنا من أجله منذ زمن طويل حتى يستفيد المواطن البسيط من حقوقه الاجتماعية.
عن أي حماية اجتماعية نتحدث إذا كانت الحكومة تأخذ باليد اليسرى ما تمنحه باليمنى؟ صحيح أنها منحت للأسر 500 درهم، لكنها حذفت لهم، برنامج تيسير للدعم المدرسي، و”راميد” الذي كان يخول للمواطنين العلاج المجاني، وتعويضه بنظام الانخراط بمقابل مادي في التأمين الصحي الإجباري، ثم التخلي عن برنامج مليون محفظة الذي كان يعفي الأسر الضعيفة من التكلفة الباهظة للوازم المدرسية، ناهيك عن الزيادة في سعر قنينة الغاز، والرفع من فاتورة الماء والكهرباء.. وقس على ذلك.. فعن أي دولة اجتماعية نتحدث في ظل كل هذه الأرباح التي تحققها الحكومة باسم “الدعم الاجتماعي المباشر”..
ومع بداية الدخول المدرسي الحالي، ننتظر أزمة كبيرة في الكتب المدرسية، لا سيما أن شركات محددة وقريبة من الحكومة هي من استفادت من دعم الدولة بنسبة 25 في المائة من السعر المخصص لبيعها يتولى صندوق المقاصة صرفها وهو ما يشكل مبلغا ضخما من ميزانية الدولة، ناهيك عن الاحتكار الحصري لأربعة ناشرين لسوق الإنتاج لأزيد من 20 سنة، حسب تقرير مجلس المنافسة الذي سلط الضوء على الريع المتشعب الذي يعرفه هذا المجال، ناهيك عن الملاحظات المتعلقة بمحتوى هذه الكتب التي يتم إعداداها بدون رقابة معرفية..

تتأثر صورة الفاعل السياسي نوعا ما بالمتابعات القضائية وعزل بعض المنتخبين في ملفات متفرقة، الأمر الذي ينتج عنه تسفيه للعمل السياسي والضرب في مصداقية جميع السياسيين، من جهتكم كيف تحرصون على تكريس الصورة الإيجابية للعمل السياسي عبر الفعل المسؤول في ممارسة مهامكم كنائب برلماني؟
< أولا، الإجراءات التي تقام في صفوف مجموعة من البرلمانيين والمنتخبين ورؤساء الجماعات، لا يمكن إلا أن نحييها، في انتظار أن تشمل باقي الفاسدين الذين هم بالمئات، وبكل صدق، ننوه بهذه المبادرات، وهي إشراقة قضائية يجب أن نشد بيدها.
ثانيا، السؤال المطروح هو من أوصل هؤلاء الفاسدين إلى مناصب المسؤولية، أكيد أن المواطن، الذي بدأ بالفساد عندما قبل بـ 100 أو 200 درهم للتصويت على شخص فاسد لا يصلح لتقلد المسؤولية، أي أنه عبد الطريق له حتى يفسد، وطبيعي أن الشخص المفسد سينهب الميزانيات، لأنه أدى ثمن وصوله إلى هذا المنصب، وما الذي نتطلع إليه مع شخص خسر 700 مليون سنتيم أو ما يزيد للوصول إلى البرلمان أو رئاسة الجماعة أو الجهة، بصيغة أخرى، نحن أمام مشروع تجاري.
من جانبنا في حزب التقدم والاشتراكية، لا نقدم ولا نتلقى أموالا، ورأس مالنا هو العمل الميداني اليومي مع المواطنين، شخصيا لدي حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي، أتواصل بها يوميا مع الساكنة والمواطنين، وأنشر بها لقاءاتي بشكل شفاف، وعندما أذهب إلى البرلمان أمارس مهامي البرلمانية.
ومن جانب آخر، لدي مقر أجتمع به مع المواطنين كل يوم، من الساعة العاشرة صباحا إلى الرابعة عصرا، ومن السابعة مساء إلى الواحدة صباحا، أستقبل المواطنات والمواطنين، لأناقش معهم ملفاتهم المختلفة، والتي تكون لها علاقة بالتعليم، والصحة، وباقي القطاعات، أنصت لهم وأحاول أن أعالج المشاكل بشكل مشترك مع المسؤولين على هذه المرافق الإدارية.

المعارضة لم تعد قادرة على تحمل ما آل إليه البرلمان نتيجة عدم احترام الخيار الديمقراطي ببلادنا

الحكومة تنفرد بمختلف القرارات الفاشلة والتي تقود المغرب نحو الهاوية باسم الأغلبية العددية

إخراج مشروع قانون الإضراب في هذا التوقيت ومحاولة تسريع وتيرة مناقشته يطرح أكثر من علامة استفهام؟؟

على الحكومة وضع “السوارت” إذا لم تكن قادرة على اتخاذ القرارات الجريئة

لا يمكن تخريب وتدمير مستقبل طلبة كلية الطب والصيدلة بجرة قلم

الحكومة تبرع في خلق الأزمات التي لا تفتح بشأنها الحوار وتواجه المحتجين بالعنف

المنظومة التربوية ستعيش أكبر مشكل في الدخول المدرسي المقبل بفعل زعزعة استقرار المؤسسات التعليمية

عن أي حماية اجتماعية نتحدث إذا كانت الحكومة تأخذ باليد اليسرى ما تمنحه باليمنى؟!

Top