عودة الباعة المتجولين إلى “قلاعهم” بعد هدوء العاصفة

قامت، الجمعة، السلطات الأمنية بمدينة الدار البيضاء بحملة واسعة ضد الباعة المتجولين بكل من شارعي محمد الخامس والأمير مولاي عبد الله بالإضافة إلى ساحة الأمم المتحدة، وذلك من أجل تحرير الأرصفة والممرات المخصصة للراجلين من هذه الظاهرة المستفزة والتي أمست تشوه أهم الفضاءات الموجودة بالعاصمة الاقتصادية وتسيء إلى صورتها خصوصا لدى السياح الأجانب. إلا، أن هذه الحملة المكثفة التي مرت دون تسجيل أي صدامات بين القوات العمومية و”المحتلين”، سرعان ما خف وهجها بعودة “الفراشة” إلى احتلال الملك العام بالشوارع المذكورة في تحد سافر للقانون، مما ينم على أن هذه الحملة التي تتبع أطوارها والي الأمن، كسابقاتها لا خير يرجى منها.

استفحلت ظاهرة الباعة المتجولين ولم تعد تقتصر على الدروب والأزقة بالأحياء الشعبية، بل أصبحت تشمل حتى الشوارع الرئيسية ومحيط الفنادق المصنفة التي صارت تضج بالفراشة وبباعة يتنقلون فوق الرصيف يعرضون سلعهم على المارة، نموذج، ذلك فندق حياة ريجنسي، وساحة الأمم المتحدة بالقرب من محطة الترامواي.
هذه الظاهرة التي عجزت السلطات المحلية عن إيجاد حل مناسب للحد منها، صارت تمتد وتتسع لتشوه المنظر العام وتضيق الخناق على الراجلين الذين لا يجدون موطئ قدم بالمسالك والممرات العمومية في أوقات الذروة، حيث ترتفع الحركة وتبلغ أوجها، لاسيما، في شارعي الأمير مولاي عبدا لله، محمد الخامس وغيرهما من الشوارع التي صارت قبلة لعرض أنواع مختلفة من السلع والبضائع من قبل باعة متجولين. بيان اليوم، تحدثت إلى بعض المواطنين حول هذه الظاهرة التي تتسبب في عواقب اجتماعية وخيمة، من بينهم مستغفر خالد وهو طالب جامعي، والذي أفاد باستفحال ظاهرة البيع بالتجول بالشوارع والازقة في مختلف مناطق العاصمة الاقتصادية، بعد أن كانت المراكز والأسواق العمومية المجال الطبيعي للبيع والشراء وتداول السلع، وإتاحة الفرصة للمستهلكين لشراء احتياجاتهم.
وأبرز المتحدث، أن هذه الظاهرة تؤثر بشكل كبير على حركة المرور، بفعل استيلاء الباعة الجائلين على الطرق بشكل يجعل مرور الأشخاص بسياراتهم أمرا صعبا بل ومستحيلا في بعض المناطق التي تغلق فيها الطرق كلية بسبب هؤلاء الباعة. وتابع المتحدث كلامه، محذرا من تفاقم ظاهرة البيع بالتجول وتأثيرها على الاقتصاد المهيكل الذي يخضع لقانون ضريبي، فيما البيع بالتجول، يقول، لا يخضع لأية رقابة ومتعاطوه لا يؤدون أية ضريبة، واصفا، الظاهرة بالخطيرة لارتباطها بوضع لا قانوني تحول إلى حالة اجتماعية تستدعي مقاربة بأبعاد أمنية واجتماعية واقتصادية.
بيان اليوم في إطار جولتها بشارع الأمير مولاي عبد الله وقفت على بعض المضايقات التي تتعرض لها المارة بهذه المنطقة، حيث أطفال صغار يعرضون منتجات ورقية ويلحون على الناس شرائها، ولو لم تكن لهم رغبة فيها. في هذا الشارع بالذات التقت بيان اليوم، بمفتاح حسن، مصرفي، والذي افاض واستفاض في حديثه عن المظاهر السلوكية المعيبة للباعة المتجولين الذين قال، إنهم لا يجدون أدنى غضاضة في ممارسة كل طقوس”الجوطيات” بهذا الشارع من صراخ ومشاجرات يتبادلون خلالها كل أنواع الكلام الوضيع والبذيء، مضيفا، أن هذه الممارسات تسيء الى سمعة هذا الحي الذي كان معروفا بجذبه السياح، وتابع كلامه، أن هذه الأسواق العشوائية تؤثر على الذوق العام للمواطنين، وتتسبب في شيوع الفوضى لغياب المراقبة من جانب السلطات المحلية التي غالبا ما تكتفي بدور المتفرج، هذا إضافة، يقول، إلى ما تتسبب فيه من أضرار للمستهلكين الذين قد يشترون موادا أو سلعا مغشوشة من هذه الأسواق العشوائية التي لا تخضع لأية رقابة أو متابعة من قبل السلطات المعنية.  ولم يغفل المتحدث الاشارة خلال كلامه، إلى ما ينجم عن الظاهرة من تلويث للبيئة والإضرار بالصحة العامة، عبر ترك مخلفات هذه الأسواق العشوائية من أزبال ونفايات في الفضاء العام، فضلاً عن زيادة حجم القمامة الناتجة عن هذه الأنشطة غير القانونية مما يشوه الوجه الحضاري للعاصمة الاقتصادية.
إن ارتباط عيش فئة اجتماعية عريضة بالبيع بالتجول، وإن كان يعني ذلك في جوهره حاجة هذه الفئة إلى كسب قوت يومها، فلا يجب أن يكون عملها ونشاطها على حساب الملك العمومي وراحة السكان البيضاويين.
فهذه الظاهرة التي تجد مبررها في الفقر وبطالة الشباب، لا يعبأ أصحابها بما تلحقه من إساءة وتشويه برونق وجمالية العاصمة الاقتصادية، ولا حتى بسكانها الذين يضطرون في الشوارع العمومية المكتظة عن آخرها بـ”الفراشة”، للسير إلى جانب وسائل النقل من سيارات وحافلات، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من حوادث سير خطيرة، هذا فضلا عما قد تتسبب فيه السلع والمواد الغذائية التي تعرض في الأسواق العشوائية والتي قد تكون غير محمية أو متلفة، من أضرار صحية للمواطنين الذين يقبلون على شرائها.
إن القضاء على ظاهرة الباعة المتجولين التي أفرزها التدبير السيء الذي استمر طيلة عقود سابقة تخللتها سلوك وممارسات غير ديمقراطية لشؤون البيضاويين، كان من بين نتائجه الوخيمة ارتفاع معدل البطالة وقلة فرص الشغل، الأمية، مما يستدعي اليوم تضافر جهود جميع الفاعلين من مجلس حضري وسلطات محلية ومجتمع مدني لتطويق الظاهرة التي تتعمق وتتجدر كل يوم، وإحداث مشاريع مدرة للدخل لصالح الفئات المهمشة وإعطاء الأولية في ذلك للباعة المتجولين في المدينة وذلك كله في إطار ثقافة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تعد مرجعا أساسيا في مجال محاربة الفقر والهشاشة في شتى الميادين.
من هنا، يجب العمل على تحرير الشوارع الرئيسية في المدينة والحد من ظاهرة الباعة المتجولين التي صارت تلقى نوعا من التثبيت من قبل من يتعاطونها، هؤلاء من بينهم من يشغل أماكن متعددة في نفس الشارع يعرض فيها سلعه المختلفة، ومنهم ميسورون يحولون الشوارع العامة إلى بقرة حلوب تدر عليهم أموالا باهضه معفية من أية ضرائب.
هذا إضافة إلى أن بعض المسؤولين الذين يجدون في الظاهرة مصدرا للربح يقومون  بـ”كراء” الأماكن بالشوارع العامة للباعة المتجولين.

سعيد أيت اومزيد

Related posts

*

*

Top