فاعلون سياسيون وحقوقيون وأساتذة جامعيون يقاربون أزمة العمل السياسي بالمغرب

أجمع عدد من السياسيين والأكاديميين والحقوقيين على أن المغرب في الفترة الراهنة يعيش أزمة في العمل السياسي ومشاكل كبيرة على مستوى الثقة بين المواطنات والمواطنين من جهة والمؤسسات الوطنية والأحزاب والفعل السياسي من جهة أخرى.
وقارب عدد من المتدخلين في الجامعة السنوية التي نظمها حزب التقدم والاشتراكية، أول أمس السبت بالرباط تحت شعار “السياسية أولا.. لإنجاح المشروع الديمقراطي التنموي”، (قاربوا) أسباب الضعف الذي أضحى يسيطر على المشهد السياسي في المغرب وكذا أزمة الثقة المتواصلة في العمل السياسي.
وتوقف المتدخلون عند مجموعة من المسؤوليات المشتركة التي تقع على الدولة والأحزاب السياسية والفاعلين السياسيين، وكذا مسؤولية المواطنين، مشيرين إلى أن هذا الوضع يحتاج إلى رجة من أجل إنقاذ الوضع وإعادة الثقة.
وأردف المتدخلون أن أزمة العمل السياسي أو الثقة في الأحزاب السياسية لا تتعلق بالأساس بالمغرب فقط، وإنما تندرج ضمن إطار عالمي وفترة تعرف ترددا في المشهد السياسي العالمي بتجاربه المختلفة، مشيرين إلى وجود مشاكل على مستوى الآليات وتطوير الخطاب من أجل الاستمرار في التأطير.
وتوقف المتدخلون عند التجربة المغربية، التي قالوا إنها عرفت مدا وجزرا في البناء الديمقراطي، بدون أن تصل بالفعل إلى المشهد الديمقراطي الذي تطمح إليه البلاد، مردفين أن هناك عددا من المكتسبات التي تحققت، والتقدم الكبير بالمقارنة مع فترات سابقة، إلا أن المرحلة الحالية تعرف نكوصا وتراجعا غير مسبوق في الثقة والاهتمام بالفعل السياسين ما يؤثر على مسار البناء الديمقراطي.
في هذا السياق، أكد محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، خلال افتتاح الجامعة السنوية للحزب، أن المغرب شهد طفرة إصلاحية منذ التسعينيات، كانت نتيجة توافق سياسي بين إرادتين ملكية وحزبية تسعيان للتحديث. وشدد على أن استمرار التقدم الديمقراطي يتطلب تجديد العقد السياسي للحفاظ على المكتسبات.


وأشار بنعبد الله إلى أن هناك أزمة ثقة في العمل السياسي اليوم، وضعف في أداء المؤسسات وغياب الكفاءات، مما أدى إلى عزوف الشباب عن المشاركة السياسية. وأوضح أن المغرب يعيش تحديات داخلية تتزامن مع ضغوط خارجية، وأن تأخر الإصلاح يفتح الباب أمام انحرافات وتدخلات غير بناءة.
إلى ذلك، دعا زعيم حزب “الكتاب” إلى إصلاحات جديدة تركز على تعزيز الديمقراطية وتفعيل الدستور المغربي بشكل كامل، مؤكدًا على ضرورة التوجه نحو ملكية برلمانية تمنح الحكومة المنتخبة صلاحيات حقيقية، وتضمن ممارسة الرقابة البرلمانية على السياسات العامة. وأشار إلى أهمية وجود كفاءات سياسية مؤهلة قادرة على تلبية تطلعات المواطنين وتفعيل مبادئ الشفافية والمساءلة.
كما تطرق بنعبد الله إلى ضرورة تفعيل اللامركزية، بحيث تتمكن المؤسسات الترابية المنتخبة من أداء دورها بشكل مستقل، بعيدًا عن الفساد، مما يسهم في تحسين الخدمات للمواطنين ويعزز ثقتهم في النظام السياسي.
هذا، وشدد بنعبد الله على أهمية دعم المجتمع المدني وتعزيز دوره في التوعية والتعبئة، مؤكدا أن الإعلام الحر والمستقل يلعب دورًا محوريا في بناء مجتمع ديمقراطي واع ومتفاعل.
إلى ذلك، كانت الأرضية التي وضعها حزب التقدم والاشتراكية للنقاش، قد خلصت إلى لفتت إلى أن السياسات الحالية تفتقر إلى التواصل مع نبض المجتمع ومقترحات الفاعلين، مبرزة أن المقاربات التقنوقراطية أدت إلى إقصاء الأصوات النشطة داخل المجتمع.
وحسب أرضية النقاش، التي قدمها كريم تاج عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، فإن هذا النهج يعمق الإحباط واليأس ويبعد المواطنين عن المشاركة السياسية، مما يستدعي تغييرا جذريا في السياسات المتبعة لضمان تفاعل فعال بين الدولة والمجتمع.


وبعدما قدمت مجموعة من التساؤلات والإشكالات المرتبطة بالعمل السياسي وبالمشروع الديمقراطي، وما يتعلق بأدوار الأحزاب السياسية وكذا مسألة الثقة بين الفاعلين السياسيين والمواطنات والمواطنين، جاءت الأرضية لتؤكد على أهمية المبادرة إلى إصلاحات عاجلة تركز على بناء دولة حديثة تعمق الديمقراطية، حيث شدد تاج على أن هذه الإصلاحات ضرورية لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية وضمان الاستقرار السياسي، داعيا إلى توافق وطني يسهم في تحقيق هذه الأهداف الحيوية.
إلى ذلك، وبعد استعراضه لأرضية النقاش التي تطرقت، أيضا، لأوجه القصور الحالية، مثل مقاطعة المواطنين للانتخابات وتفشي ممارسات فاسدة تؤثر على نزاهة العمل السياسي. دعا حزب التقدم والاشتراكية إلى ضرورة تنزيل مقتضيات دستور 2011 بفاعلية، وتشجيع مشاركة المواطنين من خلال سياسات شفافة تدعم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
هذا، ويشار إلى أن الجامعة السنوية لحزب التقدم والاشتراكية، التي احتضنها المقر الوطني للحزب بالرباط، كانت عد عرفت نقاشا واسعا، من خلال جلستين فكريتين أطرهما عدد من القياديين الحزبيين، والفاعلين السياسيين والحقوقيين وكذا أساتذة جامعيين، حيث جرى خلالهما مقاربة أزمة العمل السياسي وسؤال البناء الديمقراطي، وكذا التنمية.
كما توقف المتدخلون في الجلستين معا على التمثلات التي تهم المسار الديمقراطي والسياسي لدى المواطنات والمواطنين، وكذا ما يتعلق بالممارسة السياسة وسبل إعادة الثقة وجعل السياسية أولا من أجل مواصلة البناء الديمقراطي والوصول غلى النموذج التي تطمح إليه البلاد لإنجاح المشروع الديمقراطي التنموي.

التفاصيل في عدد الغد

< محمد توفيق أمزيان
< تصوير: رضوان موسى

Top