فلسطين، امتحان أخلاقي للعالم

اليوم الجمعة، من المقرر أن يقدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن في نيويورك طلبا للاعتراف بعضوية فلسطين في الأمم المتحدة، وبذلك ستتوجه الأنظار من كل جهات الكون نحو هذه اللحظة المثيرة من أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأساسا نحو ردود فعل أعضاء المنظمة الأممية.
الخطوة الفلسطينية وضعت المجتمع الدولي اليوم أمام امتحان أخلاقي وسياسي، وهو ما فشلت فيه الإدارة الأمريكية، التي عبرت عن رفضها منذ البداية، وقد توج الرئيس أوباما ذلك في خطابه أمام الجمعية العامة، حيث نسي كل وعوده والتزاماته تجاه قيام دولة فلسطينية على حدود 1967.
ومقابل تأييد عدد من الدول للطلب الفلسطيني، وإجماع البلدان العربية، رضخت الدول العظمى للضغوط الإسرائيلية، وكشف المجتمع الدولي مرة أخرى أنه ساهم من جديد في تضييع فرصة للتقدم على طريق السلام، وزاد من ظلم الفلسطينيين بحرمانهم من حقهم المشروع في دولة مستقلة ذات سيادة.
وإن القيادة الفلسطينية، من جهتها، لا تعتبر مبادرتها الحالية اختيارا بين الربح والخسارة، إنما هي محطة جديدة في المسار النضالي الوطني للشعب الفلسطيني، وأن الشعب الذي صمد لعقود سيواصل المقاومة بمختلف الأشكال إصرارا منه على حقوقه المشروعة، ومقابل ذلك، فإن الإدارة الأمريكية وأوروبا هما اللذان يجب أن يستحضرا عواقب مواقفهما المخجلة تجاه الحق الفلسطيني، ويستعدان لما سيخلفه ذلك في أوساط الشعوب العربية من خيبة وإحباط واستياء.
من غير المقبول اليوم أن تشهد عديد دول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحولات تاريخية وثورات تغيرت بموجبها أنظمة، ووحدها إسرائيل تبقى على تعنتها وعجرفتها، وهي التي لم يتردد وزير خارجيتها المتطرف في تهديد زعيم حكومته بحل تحالفهما الحاكم، ما لم تقدم الحكومة على معاقبة الشعب الفلسطيني جراء توجهه إلى الأمم المتحدة، ومن غير المقبول أيضا أن يدعو الرئيس الأمريكي إلى جعل هيئة الأمم المتحدة الفضاء المناسب لحل المشكلات الدولية وتدارس مختلف قضايا السياسة العالمية، وفي ذات الآن يرفع الفيتو ليحول دون أن تقرر هذه المنظمة نفسها قبول دولة فلسطين عضوا كامل العضوية في صفوفها، وكأن قضية الشعب الفلسطيني وحدها التي لا يجب أن تحل إلا على حساب هذا الشعب نفسه، ويعيدا عن أية شرعية دولية.
إن السلام الحقيقي والشامل في الشرق الأوسط لن يتحقق إلا بعد أن يستعيد الشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة، وعلى رأس ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، ومن دون ذلك لن يتحقق التغيير الحقيقي في هذه المنطقة الأكثر سخونة وحساسية في العالم اليوم.
في عز الثورات العربية، تطرح القضية الفلسطينية اليوم على الإدارة الأمريكية وعلى العالم برمته سؤالا أخلاقيا جوهريا، الجواب عنه هو الذي يحدد اتجاه العالم والعلاقات الدولية غدا.

Top