فيلم “جرادة مالحة” للمخرج إدريس الروخ يخرج للقاعات السينمائية بالمدن المغربية ابتداء من 31 غشت الجاري

بعد تألقه في العديد من المهرجانات العربية والعالمية، وبعد تتويجه وحصوله على عدة جوائز، سيتم توزيع فيلم “جرادة مالحة” للمخرج إدريس الروخ بالقاعات السينمائية بالمدن المغربية ابتداء من 31 غشت الجاري.

هذا وجاء هذا الخروج للقاعات السينمائية أسابيع قليلة قبل انعقاد المهرجان الوطني للفيلم الذي سينظم في الفترة ما بين 16 و24 شتنبر القادم بطنجة.

واستطاع هذا الفيلم بالفعل تسجيل حضور قوي ومتميز مباشرة بعد عودة الحياة لدور السينما بعد أزمة كوفيد، حيث حاز على جائزة أفضل فيلم بمهرجان تورنتو بكندا، فضلا عن مشاركته في مهرجان مونتريال للأفلام المستقلة، ومهرجان دوربان السينمائي الدولي في جنوب إفريقيا، ومهرجان بافالو السينمائي الدولي في الولايات المتحدة الأمريكية، ومهرجان أمستردام السينمائي، ومهرجان الرباط لسينما المؤلف، ومهرجان ابوجا بنيحيريا، وأيضا مشاركته في مهرجان مدريد بإسبانيا، إضافة إلى حصوله على جائزة أحسن إخراج بمهرجان الإسكندرية لسينما البحر الأبيض المتوسط.. حيث لقي استحسانا من طرف النقاد والسينمائيين بجمهورية مصر العربية.

كما ظهر فيلم “جرادة مالحة” في لائحة الأفلام المغربية المتنافسة بالمهرحان الوطني للفيلم بطنجة خلال شتنبر المقبل، ومن المنتظر توزيع الفيلم في 23 دولة عربية..

فيلم “جرادة مالحة” مدته 125 دقيقة، يحكي قصة “رانيا” وهي شابة تجد نفسها في قلب مؤامرة، وقد “تمت برمجتها” والتلاعب بها من قبل أعضاء منظمة غامضة، لتخدم في تجربة قام بها هؤلاء الأشخاص لغرض محدد للغاية. بعد تجريدها من ذكرياتها، قررت رانيا البحث عن حياتها الحقيقية المفقودة في مؤامرة لحكم العالم من خلال تكييف شخصيات رفيعة المستوى. نظام جيد التصميم للمراقبة والحكم والسيطرة.

الفيلم من بطولة: منى الرميقي – فاطمة الزهراء بناصر –  خنساء باطما – عدنان موحجة –  جليلة التلمسي عبد الرحيم المنياري – ادريس الروخ – محمد الورادي – محمود بلحسن – نادية العلمي – كريم بولمال – محمد بن علي – عبد الصمد مفتاح الخير – سلمى صلاح الدين – يحيى فندي – عبد الحق بلمجاهد – رشيد رفيق – زبير هلال.

الفيلم من إخراج: ادريس الروخ، وتأليف كل من ادريس الروخ وعدنان موحجة، إنتاج: شركة فولكس بوكس.

************

جرادة مالحة” 

عمل سينمائي يحسم صراع فقد الهوية في ثمان مراحل

بقلم: مرفت عمر*

في فيلم “جرادة مالحة” ينجح المخرج إدريس الروخ في خداع المشاهد منذ دقائقه الأولى حتى تيترات النهاية، وهو ما يعجز عنه عدد كبير من صناع السينما بعد أن تتطابق توقعات المشاهد مع أحداث الفيلم، فقد اقتنص المخرج مدخلا موفقا للأحداث ساهم في لفت الانتباه، رصدت خلاله الكاميرا حالة من الهروب تؤكد تعرض البطلة للمطاردة من مجهول، تتضح تفاصيلها تدريجيا دون الخروج عن الخط الدرامي التشويقي له، خاصة وأن عناصر الفيلم تكاتفت جميعا لهدف واحد هو محو ذاكرة “رانيا” (منى الرميقي)، إذ تجد نفسها مجبرة للتعامل مع واقع لا يمت لها بصلة، بينما تختزن ذاكرتها صورا غير مرتبة لأشخاص لا وجود لهم.. 

تستيقظ يوميا لتتأمل ما حولها كأنما لا تعرفه وتتعاطى طواعية بروتوكولا علاجيا دون تبرير لمشكلتها الصحية، مع رغبة عارمة للتدخين والكحوليات، ترتعش أطرافها ويثقل لسانها وتتهاوى جفونها ويشحب وجهها دون تعاطف ممن يعملون لديها، يغلب على المشهد تآمرا من خادمتها وحارس الفيلا دون التفكير في الاستغناء عنهم، تشعر طوال الوقت أنها تنفذ أوامرا تحت تهديد، تتأمل حولها فتجد أشخاصا اعتادت أن تشكو لهم عدم قدرتها على التركيز أو تذكر شيئا عن حياتها وأنها تجهل من تكون، بينما تكون الإجابة ضرورة الانتظام في العلاج وأن فقدها لوالدتها وراء ما هي عليه الآن.

“عمر” الزوج يبدو شخصية بلا ملامح تارة تظهره رانيا خائنا وتارة أخرى مهملا لها، دون إعطاء تبرير لاختفائه ثم عودته وعدم اكتراثه بسوء حالتها، أو اعتراض على نمط اعتاد أن يراها عليه، حياة باردة عاشتها أياما قبل أن تقتله ويوهمها الجميع أنها لم تتزوج يوما، حتى فارسها الذي تشعر معه بالأمان دون غيره تتعدد حواراتهما التي تؤكد أن شيئأ ما يربطهما، تستغيث به خشية انهيار ذاكرتها فيعمل على تهدئتها والمضي في علاقته بها خطوة للأمام.

العالم يتغير من حولها ولا تشعر أنها جزءا منه، لا تعرف من تكون أو من هؤلاء ولماذا يتآمرون عليها، كما لا تقوى على التصدي لهم أو إبعادهم عن حياتهم، إمرأة تتهاوى تماماً بعد فقدانها الأمان أو الرغبة في الحياة، صفقة لا تصلح لغيرها تم تجنيد الجميع للوصول بها للمرحلة الثامنة، فقد أختيرت لمنصب رئيس الدولة وكان عليها أن تتأهل لتلك المكانة المرموقة التي تنتظرها، فعلى القائد أن يولد من جديد بذاكرة تكافئ مهامه الجديدة، وتلك المراحل الثمانية ليست سوى خلق نموذج مثالي لحكم العالم.

الصفقة دفع ثمنها الباهظ مقدما وفشلها غير وارد، لذا كان مشروع “جرادة مالحة” بمثابة نقلة نوعية لحيوات تم تشكيلها بما يتناسب مع مهام مختلفة، والمرور بمراحلها الثمانية يضمن محوا كاملا للذاكرة الأم وتعبئة أخرى مغايرة تماما مع دفن كل ماله علاقة بماضي الشخصية، فقد تم استخدام التكنولوجيا والعقارات الطبية لتشكيل لوبي بناء الدولة العصرية، التجربة نجحت من خلال رانيا وأصبحت جاهزة للتطبيق الفوري على الجميع أو من يتم اختياره. 

الفيلم يطرح فكرة هيمنة العلم والطفرات التي تحدث يوما تلو الآخر، ويعزز من أهمية الذاكرة للحفاظ على التوازن النفسي، دون تحديد زمان أو مكان لأحداثه، عدد من الأماكن الداخلية تحقق الهدف المرجو، فيلا بأحد المناطق الراقية يقوم بحراستها “العياشي” (عبد الرحيم المنياري) رجل كبير السن يتمتع بدهاء وخبث، أما “ماريا” (فاطمة الزهراء بناصر) فهي مديرة المنزل التي تحفظ مواعيد العلاج لمخدومتها، حديثها مقتضب وملامحها جامدة، ومحطة وقود تلتقي فيه رانيا بشخص يدعي أنه طبيبها وناصحها الأمين، إلى جانب ضابط المرور الذي يحبها وينتظر موافقتها عليه ويمثل مصدر الأمان الوحيد لها، ولقاءاتهما لا تخرج عن موقع إشارة المرور أو محطة الوقود وصولا لمنزله، يضاف إلى ذلك مقر العمليات والرصد الذي يرأسه إدريس الروخ ومن خلاله يتابع حالة مريضته، الكاميرات تأمل الفيلا لتكون حياتها بالكامل على مرأى ومسمع من العاملين بالمقر.

مشهد عابر داخل الطائرة يؤصل نفوذ أصحاب الصفقة وأهميتها بالنسبة لهم، ثم الصلة التي تجمعها بإدريس وعنصر الوقت الذي بات يهدد العملية المتفق عليها، وصولا للقاء القمة في الصحراء لتسليم الكائن المستنسخ الجديد في القريب العاجل، مشاهد أخرى ارتبطت بملهى ليلي يعج بالسكارى تواجه فيه رانيا الراقصة “حفيظة” التي جسدتها (خنساء بطمة) بعلاقتها بزوجها عمر، مع نكران واضح لمعرفتها به ثم تأكيدا على أنها غير متزوجة من الأساس، وفي لحظة تعاطفت الراقصة مع رانيا وأرادت إبلاغها إلا أنها منعت جبريا. 

في هذا الإطار من الأجواء الغامضة نتكشف رويدا رويدا أنا رانيا أمام حالة تفقد هويتها تدريجيا لتصبح فريسة سهلة، وأن المراحل التي تمر بها لا تتصارع فيها مع نفسها فقط بل أيضا مع العالم الخارجي، لتصل في النهاية لعدم رغبتها العودة لمنزلها واستسلامها لما تجهله، حتى هروبها الكبير الذي أعقب وصولها للواقع الذي ينتظرها لم يجدي، خلال متابعتها لمخدومتها وجدت نفسها أمام حالات تخضع لجلسات كهرباء على المخ، وتتناطح ذاكرتها لترى نفسها قد مرت بتلك الخطوة قبل ذلك، وتتوالى العنابر والضحايا أمام عينيها، حتى تصل للغرفة التي تتضمن حياتها قبل خطفها من خلال الصور والملفات، الآن تعلم أنها ليست رانيا فتحتفظ بملفها الشخصي وتلجأ لصديقها الضابط، ليسلمها إليهم إعلانا بفشل كل محاولاتها للهروب، لتدخل المرحلة النهائية قبل الظهور في مشهد النهاية لمراسم تنصيبها رئيسة للبلاد. 

فالفيلم طرح قضية ليست جديدة وسبق تناولها في عدد من الأعمال الفنية، منها فيلم “الليلة الأخيرة” الذي قامت ببطولته فاتن حمامة ومحمود مرسي، وفيه تستيقظ ذات يوم لتجد أنها تعيش حياة شقيقتها بين أبنائها وزوجها، لا يسمعها أحد فتلجأ للبحث عن حياتها المسلوبة والوقوف على أسباب تلك النقلة، ربما فقدان الثقة في تلك الحالة لم يخضع لتدخل بشري، إذ تعرضت لحادث فقدت على إثره ذاكرتها وتم إحلالها مكان شقيقتها التي فارقت الحياة، إلا أن الصراع النفسي الذي عاشته البطلة بين واقع لا تتذكره وقشور من ذاكرة غير مهندمة ليس صراعا سهلا، وقد تصل ذروته لمحاولات التخلص من النفس أو الغير، أيضا فيلم “ألزهايمر” الذي قام ببطولته عادل إمام منذ 10 سنوات، ومحاولة أبنائه إقناعه بأنه فاقد للذاكرة للحجر على أمواله، في البداية يرفض الاستسلام لكل ما يراه ويرفض العلاج أيضا، ثم يبدأ رحلة البحث عن أصدقائه للوقوف معه، حتى يقرر الانتقام من أبنائه. 

الصراع النفسي الذي عاشته بطلة الفيلم قدمته باحترافية الممثلة منى الرميقي، بل يعد أبرز عناصر الفيلم مساهمة في نجاحه، فتعاملت مع أدواتها باحترافية شديدة مع الإشادة بماكيير الفيلم إذ أنها بدت منذ لحظاتها الأولى تعاني إجهادا وضحت أسبابه تدريجيا، فكان إدمانها الخمور والتدخين مدخلا مقنعا ثم جرعة علاجية كبيرة قبل تناول إفطارها، مرورا بالتخبط الذي تتأكد منه مشهدا تلو الآخر، فكانت موفقة لتقديم الشخصية بمراحلها المختلفة مع كوكبة من نجوم العمل استطاع كل منهم أن يحب شخصيته أمام الكاميرا، أما خلف الكاميرا فالأمر أكثر احترافية فقد استخدم المخرج “لونج شوت” خلال عدو بطلة الفيلم شعر معه المشاهد أنه يركض خلفها، التحكم في كادرات التصوير مع الإضاءة المناسبة واختيار أماكن التصوير والموسيقى المصاحبة للأحداث، كل العناصر تكاثفت لتقديم عمل مميز لمخرجه ومنتجه وأحد نجوم التمثيل إدريس الروخ، الذي شارك في الكتابة مع عدنان موحجة أحد نجوم العمل، إلى جانب عبد الرحيم المنياري وفاطمة الزهراء بناصر وخنساء بطمة.. الفيلم إنتاج العام 2021 وحصد جائزة أحسن إخراج في مسابقة نور الشريف للأفلام العربية المتوسطية بمهرجان الإسكندرية السينمائي في دورته السابعة والثلاثين.

* ناقدة وكاتبة سينمائية من مصر 

الوسوم
Top