قد يمر بنا قطار العمر بمحطات وأماكن لا نشعر بجمالها إلا عندما نبتعد عنها.. وقد يؤثث مشهد حياتنا فنانون فرضوا علينا الاحترام بأدائهم و مشاعره الإنسانية الجميلة. وفي أكثر الأحيان لا نشعر بقيمتهم ومدى تأثيرهم في حياتنا إلا بعد أن يغادروننا ويصبحون مجرد ذكرى فيتركون ذكريات قد تثير فينا الشجن والحزن والفرح والابتسامة أو الألم والحسرة.. ولكن تبقى ذكرياتهم محفورة داخلنا، تذهب بنا إلى العالم جميل نستنشق من خلاله عبق المحبة والحنين إلى الماضي حيث نتذكر فيهم وبهم أجمل اللحظات برونق خاص وغصة بالقلب…
رحلوا عنا الغوالي وتركوا لنا ذكريات نتعايش معها وتنبض الحياة في أعضائنا، وصورهم مازالت ماثلة أمام أعينينا..
هكذا هي الحياة، كما هي الممات، لقاء وفراق، دمعة وابتسامة.. فبالأمس رحل عنا العظماء ممن كنا نحبهم لأنهم تركوا بصمات على دركنا وفهمنا للحياة من علماء وشعراء وأدباء وفنانون فهم شخصيات عامة إلا أنهم أناس عاشوا وتعايشوا معنا ليرحلوا بهدوء دون أن ترحل آثارهم وتأثيراتهم..
الحلقة 21
الفنانة الراحل أمينة رشيد
تعتبر أمينة رشيد من رائدات المسرح والتلفزيون والسينما في المغرب؛ حيث قدمت أكثر من 3000 عمل إذاعي بين مسرحيات وتمثيليات ومسلسلات وغيرها، وأكثر من 600 عمل تلفزيوني.
وولدت أمينة في الرباط يوم 11 أبريل 1936، وبدأت مسيرتها الفنية بالمسرح والإذاعة الوطنية في أوائل الستينيات.
وتوفيت مساء يوم الاثنين 26 غشت 2019، عن عمر يناهز 83 سنة، بعد صراع طويل مع المرض.
وتجسدت انطلاقتها الفنية الأولى من خلال عمل إذاعي بعنوان “خليهم في قهوتهم” وفي برنامج “مشاكل وحلول” لتتلوها أعمال متنوعة وغزيرة.
كانت انطلاقة مسيرة أمينة رشيد السينمائية عام 1955 بفيلم “طبيب بالعافية” وهو انتاج فرنسي مصري مغربي مشترك.
كما شاركت في عدد من الأعمال السينمائية من أشهرها “البحث عن زوج امراتي” لمحمد عبد الرحمان التازي عام 1993، و”للا حبي” لنفس المخرج 1996 و”مصير امرأة” لحكيم نوري 1998، و”فيها الملح والسكر وما بغاتش تموت” لحكيم نوري 2000، و”ملائكة الشيطان” لأحمد بولان، و”القلوب المحترقة” لأحمد المعنوني 2007.
وتعتبر الراحلة من رواد المسرح والدراما والسينما في المغرب، إذ تنتمي إلى جيل التأسيس، وإلى نخبة قليلة جداً من الممثلات اللاتي صعدن الخشبة ووقفن أمام الكاميرا في زمن صعب، لم تكن غالبية المجتمع المغربي فيه تقبل آنذاك بوجود امرأة ممثلة، وكان الذكور ينوبون عنهن عبر تقديمهم لأدوار نسائية بدلا منهن، أمثال الفنانين الراحلين البيضاوي والزياني ومحمد الدغمي.
وبدأت أمينة رشيد حياتها الفنية عبر التمثيل المسرحي الإذاعي منذ بداية الخمسينات، حيث دخلت وهي في عامها الرابع عشر مقر الإذاعة برفقة صديقتها الفنانة حبيبة المذكوري للمشاركة بصوتها في تمثيلية إذاعية، هي التي اعتادت على تقديم البرامج الثقافية في مدرستها الابتدائية والإعدادية. وكانت أول مشاركة سينمائية لها سنة 1955 في فيلم “دكتور بالعافية” وهو عمل فرنسي مغربي مصري، شارك فيه من المغرب العربي الدغمي والبشير لعلج والطيب الصديقي إلى جانب كمال الشناوي وأميرة أمير من مصر. والفيلم عمل مقتبس من مسرحية موليير “طبيب رغماً عنه”. ثم تعاقبت أعمالها السينمائية التي كانت تؤدي فيها أدواراً متميزة اشتهرت لدى المغاربة: “غداً لن تتبدل الأرض” لعبد الله المصباحي سنة 1975، “إبراهيم ياش؟” لنبيل لحلو سنة 1982، “البحث عن زوج امرأتي” لمحمد عبد الرحمان التازي 1993، “سارق الأحلام” لحكيم نوري 1995، “للّا حبي” لمحمد عبد الرحمان التازي، “سوزانا” للمخرج الإسباني أنطونيو تشافارياس 1996، “مصير امرأة” لحكيم نوري و”زنقة القاهرة” لعبد الكريم محمد الدرقاوي 1998، “كيد النساء” لفريدة بنليزيد 1999، “قصة وردة” لمجيد رشيش 2000، “ملائكة الشيطان” لأحمد بولان و”القلوب المحترقة” لأحمد المعنوني 2007، “وداعا أمهات” لمحمد إسماعيل و”حجاب الحب” لعزيز السالمي 2008، “القدس باب المغاربة” لعبد الله المصباحي 2010، “أياد خشنة” لمحمد عسلي 2011، “زينب، زهرة أغمات” لفريدة بورقية سنة 2013، “عايدة” لإدريس المريني سنة 2014 وغيرها.
أما أعمالها المسرحية فقد تجازوت 60 عملا، فضلا عن عدد كبير من التمثيليات الإذاعية. غير أن الراحلة عُرفت بشخصية تكاد تكون متكررة في معظم أعمالها، وهي صورة المرأة المتسلطة، هذه الشخصية التي كانت تظهر غالبا في دور الحماة.