اختتمت الألعاب الأولمبية الشتوية الـ 23 ببيونغ تشانغ، بعد 16 يوما من المنافسات وأشهر عدة من المساومات الدبلوماسية أول أمس الأحد، وذلك في حفل لخص بشكل كامل “ألعاب السلام” إذ أقيم بحضور وفد رفيع المستوى من كوريا الشمالية وإيفانكا ترامب، الابنة الأكبر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكن من دون العلم الروسي.
واختتم رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، الألماني توماس باخ ألعاب بيونغ تشانغ 2018 الشتوية، معتبرا أنها “ألعاب الآفاق الجديدة”.
وقال باخ في كلمته الختامية “التقنية الرقمية سمحت للمزيد من الناس في عدد كبير من الدول برؤية ألعاب الشتاء بطرق متعددة”.
وأضاف “نتيجة لذلك، أستطيع القول إن الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغ تشانغ 2018 هي العاب الآفاق الجديدة” قبل أن يعلن “اختتام” الألعاب رسميا حسبما يقتضي التقليد.
اللجنة الأولمبية الدولية تبقي إيقاف روسيا
كان آخر فصول الإثارة في هذه الألعاب صباح الأحد من خلال تصويت اللجنة الأولمبية الدولية على إبقاء إيقاف روسيا، ما يعني أن العلم الروسي لن يرفرف في الملعب الأولمبي خلال الحفل الختامي، وهو ما حدث.
وتم التصويت بالإجماع على إبقاء إيقاف روسيا التي تأثرت بحالتي التنشط اللتين كشفتا خلال الألعاب، في حين كانت روسيا تأمل ولو بعودة جزئية إلى الحضن الرياضي الأولمبي.
لكن الروس حرموا من السير خلف علم بلادهم بل اضطروا لرفع علم اللجنة الأولمبية الذي حمله أحد المتطوعين بسبب إيقاف بلادهم على خلفية التنشط الممنهج.
ورغم ذلك، كان وفد “الرياضيون الأولمبيون من روسيا” بحسب التسمية التي منحت لهم، أحد أكبر الفرق في بيونغ تشانغ (168 رياضيا).
وبعد توزيع آخر أربع ميداليات في الألعاب، انطلق الحفل الختامي عند الساعة 20,00 بالتوقيت المحلي (11,00 صباحا توقيت غرينتش)، معلنا انتهاء ألعاب بيونغ تشانغ وبدء الاستعداد لألعاب بكين 2022.
وفي كل الأحوال، ستبقى الألعاب الأولمبية في آسيا خلال الفترة المقبلة حيث تستضيف طوكيو أولمبياد 2020 الصيفي قبل عودتها إلى أوروبا عام 2024 في باريس.
مجرم حرب بحفل الافتتاح وعلم كوري موحد
وخلال الاستعراض الختامي في المساء، تردد آخر صدى في “ألعاب السلام” كما أرادتها الدولة المضيفة كوريا الجنوبية.
وحضر الحفل الختامي وفد كوري شمالي من ثمانية أشخاص بقيادة الجنرال المثير للجدل كيم يونغ تشول بعد أن تم استعراض وفد مشترك من الكوريتين في حفل الافتتاح في 9 فبراير، وتشكيل منتخب مشترك في الهوكي على الجليد، وكذلك الحضور المميز لشقيقة الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون والمشجعات الكوريات الشماليات اللواتي واكبن الفعاليات التي امتدت على مدى أسبوعين.
وشكل وجود كيم يونغ تشول الذي وصل صباح الأحد إلى الشطر الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية، جدلا في الدولة المضيفة حيث يعتبره البعض مجرم حرب يستحق الموت.
ويشك في أن كيم يونغ تشول أدار في وقت من الأوقات المكتب العام للاستطلاع المكلف بإدارة عمليات التجسس الكورية الشمالية ضد جارتها الجنوبية، وأنه أمر بشكل خاص نسف السفينة الحربية الكورية الجنوبية “تشيونان” عام 2010 ما أدى إلى وقوع 46 قتيلا.
وليس بعيدا عن الوفد الكوري الشمالي في المنصة المخصصة للشخصيات المهمة في الملعب الأولمبي، تواجدت إيفانكا ترامب الابنة الكبرى ومستشارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تم اختيارها لتمثيل بلدها في هذا الاحتفال.
وألمح مسؤول أمريكي إلى أن أي اتصال بين إيفانكا والوفد الكوري الشمالي ليس واردا في هذه المناسبة، بعد 24 ساعة من إعلان الرئيس ترامب عن فرض عقوبات قاسية على كوريا الشمالية.
وكان الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي-ان قد افتتح الألعاب بعد أن صافح مرتين كيم يو-جونغ، أول عضو من العائلة الشمالية الحاكمة يزور الجنوب منذ نهاية الحرب في شبه الجزيرة الكورية عام 1953.
وسار رياضيو الكوريتين سويا بثياب بيضاء وراء علم كوريا الموحدة الأزرق والأبيض وسط حماس كبير في الملعب الاولمبي أمام 35 ألف متفرج. وكتب على ظهر الرياضيين كلمة “كوريا”، وتقدمهم الكوري الجنوبي وون يون-جونغ الذي شارك في منافسات الزلاجات والكورية الشمالية هوانغ تشونغ غوم التي لعبت مع فريق هوكي الجليد الموحد.
بعد حفل الافتتاح والسير معا خلف علم كوريا الموحدة، توجهت الأنظار إلى المباراة الأولى للفريق الموحد المشارك في منافسات هوكي الجليد للسيدات ضد سويسرا والذي انتهى بخسارة قاسية 0-8. لكن النتيجة الرياضية كانت هامشية تماما في ظل البعد الدبلوماسي والتقارب بين الجارتين.
وتجسد هذا التقارب بحضور الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي-ان، إضافة إلى كيم يو جونغ، شقيقة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، والتي نقلت دعوة إلى الرئيس الجنوبي لزيارة بيونغ يانغ.
وجاء أبلغ تعليق على المباراة من المواطنة الجنوبية لي تاي-هوان، الموظفة في بلدية سيول، والتي قالت “سنتحد بعد 10 سنوات”، مضيفة “إنه حدث تاريخي. يجب على الكوريتين البقاء معا. كوريا هي واحدة. انها لحظة مهمة لمستقبلنا”.
وسيقول المستقبل ما إذا كان هذا التقارب التاريخي بين الكوريتين اللتين ما زالتا رسميا في حالة حرب منذ 1953، تاريخ انتهاء الحرب في شبه الجزيرة الكورية، مجرد هدنة أولمبية أو عبارة عن أول مدماك صلب باتجاه تخفيض التوترات في المنطقة.
النرويجية ماريت بيورغن إمبراطورة في التزلج الطويل
ووزعت على مر الأيام الـ 16 من المنافسات 102 ميدالية ذهبية، وتمخضت عنها صور قوية ستبقى في الذاكرة، منها على سبيل المثال منتخب سيدات كوريا الجنوبية الذي خسر صباح الأحد في نهائي مسابقة الكيرلينغ أمام السويد، رغم أن وجوه لاعباته الخمس وجميعهن باسم “كيم” كانت غير معروفة قبل الانطلاق لكنها ستبقى من العلامات الفارقة في ألعاب بيونغ تشانغ 2018.
وكان آخر فصول الإثارة فوز منتخب روسيا للهوكي على نظيره الألماني الذي خاض أول نهائي في تاريخه، 4-3 بعد التمديد، فبلسم قلوب أعضاء الوفد الروسي.
وسيبقى اسم النرويجية ماريت بيورغن إلى الأبد في التاريخ، بعدما أحرزت “إمبراطورة” التزلج الطويل في اليوم الأخير ميداليتها الأولمبية الـ15 من خلال فوزها بسباق 30 كلم، لتكون بذلك صاحبة آخر ذهبية في ألعاب بيونغ تشانغ.
كما باتت الرياضية الأكثر تتويجا مع 8 ألقاب وسمحت لبلادها بتصدر جدول الميداليات مع رقم قياسي بمجموع 39 ميدالية بفارق ميداليتين عن الرقم السابق للولايات المتحدة في فانكوفر الكندية 2010.
وسمحت بيورغن البالغة 37 عاما للنرويج بتصدر جدول الميداليات برصيد 14 ذهبية ومجموع 39 ميدالية، أمام ألمانيا الثانية.
وعادلت بيورغن الرقم القياسي في عدد الالقاب الموجود بحوزة مواطنيها اينار بيورندالن (بياتلون) وبيورن داهلي الاختصاصي في تزلج المسافات الطويلة واللذين أحرز كل منهما 8 ذهبيات.
ووصلت بيورغن إلى بيونغ تشانغ وفي جعبتها 10 ميداليات أولمبية منذ مشاركتها الأولى في سولت لايك سيتي الأمريكية 2002، أضافت إليها في الألعاب الحالية لقبا في تتابع التزلج الطويل وفضية في مطاردة الانحدار، وبرونزيتين في البرنامج الحر 10 كلم وسباق السرعة للفرق، وأخيرا ذهبية سباق 30 كلم.
ورفع الفرنسي مارتن فوكارد رصيده إلى ثلاث ذهبيات في بيونغ تشانغ بالتساوي مع نجم تزلج المسافات الطويلة النرويجي يوهانيس كلايبو، لكنه يتميز عن الأخير بأن اثنتين من ذهبياته كانت في المسابقات الفردية مقابل واحدة للنرويجي البالغ 21 عاما.
وحصد فوكارد بالمجمل ذهبيته الأولمبية الخامسة (أحرز ذهبيتين في ألعاب سوتشي عام 2014).
وكان على روسيا الموقوفة الانتظار حتى اليوم الرابع عشر من الألعاب من أجل أن تظهر قدرتها على المنافسة رغم “التضييق” المفروض عليها، وذلك عندما منحتها الواعدة ألينا زاجيتوفا الذهبية الأولى عبر مسابقة التزحلق الفني قبل ثلاثة أيام من اختتام الألعاب.
وتفوقت زاجيتوفا البالغة 15 عاما ونصف على مواطنتها يفغينيا مدفيديفا (18 عاما)، لتصبح ثاني أصغر متزحلقة تفوز بذهبية أولمبية، خلف الأميركية تارا ليبينسكي التي كانت تصغرها ببضعة أسابيع عندما نالت اللقب الأولمبي في ناغانو عام 1998.
وارتدى تتويج زاجيتوفا أهمية كبرى بالنسبة لها في ظل الظروف التي تمر بها الرياضة الروسية، لاسيما أن الرياضيين الروس لم ينالوا سوى ذهبية أخرى كانت الأحد في اليوم الأخير ضمن مسابقة الهوكي على الجليد للرجال.