فاعلون وخبراء ومختصون يشخصون أعطاب النموذج التنموي المغربي ويقترحون البدائل
- محور البطالة والتشغيل
محمد بوطاطا أستاذ جامعي والكاتب العام لوزارة التشغيل سابقا:
الشغل في القطاع المهيكل يتركز لدى المقاولات الكبرى و60 في المائة من اليد العاملة تشتغل بدون عقود
سجل محمد بوطاطا الأستاذ الجامعي والكاتب العام لوزارة التشغيل سابقا، أن هناك ارتفاعا بنيويا في معدل البطالة والعمل الناقص، وأوضح بوطاطا خلال تدخله ضمن محور «البطالة والتشغيل والعمل اللائق» في أشغال الجامعة السنوية لحزب التقدم والاشتراكية حول موضوع « أي نموذج تنموي للمغرب»، أنه في سنة 2018 بلغ عدد العاطلين مليون و272 ألف شخص، 63.7 في المائة منهم تصل أعمارهم ما بين 15 و29 سنة. وأضاف أن 810 ألف شاب من العاطلين يتواجدون في الوسط الحضري.
ومن بين العوامل التي تعمق ظاهرة البطالة بالمغرب، هو أن نسبة مهمة من العاطلين من الحاصلين على شواهد عليا، بحيث تصل نسبتهم نحو 38.1 في المائة.
وإذا كان معدل البطالة المسجل في صفوف العاطلين الذين لا يتوفرون على شواهد يصل إلى 4 في المائة، فإن المعدل المسجل في صفوف الحاصلين على شواهد متوسطة المستوى يبلغ 14.5 في المائة، فيما يصل إلى 22.7 في المائة في صفوف العاطلين الحاصلين على شواهد مهنية متخصصة، و25.4 في المائة في صفوف الحاصلين على شواهد عليا ضمنهم 27.8 في المائة من العاطلين المتخرجين من الجامعة المغربية.
وبخصوص توزيع البطالة فإن ست جهات بالمغرب تتركز فيها النسبة العالية من العاطلين، بحيث إن 82 في المائة من هؤلاء الأشخاص يتمركزون في جهات الدار البيضاء سطات التي تأتي في المرتبة الأولى بنسبة 24.5 في المائة، ثم جهة الرباط سلا القنيطرة بنسبة 17 في المائة، وجهة الشرق وجهة فاس مكناس بنسبة 11.2 في المائة ثم مراكش أسفي بنسبة 9.7 في المائة وجهة طنجة تطوان بنسبة 8.3 في المائة.
أما معدل الشغل الناقص فقد انتقل من 9.8 في المائة في سنة 2017 إلى 10 في المائة في سنة 2018 على المستوى الوطني، فيما انتقل السكان النشيطين الذين يوجدون في وضعية شغل ناقص من مليون و57 ألف شخص إلى مليون و90 ألف شخص. ويظل قطاع البناء والأشغال العمومية وقطاع الفلاحة من القطاعات التي تشهد أكبر معدلات الشغل النقص وذلك بنسبة 16 و9.8 في المائة على التوالي.
وأوضح بوطاطا أن خلق مناصب الشغل ليس كافيا حتى يستوعب النمو الديمغرافي في سن الشغل، مشيرا إلى أن نمو الساكنة التي في سن الشغل (من 15 سنة فما فوق) شهدت نموا سنويا بنسبة 1.2 في المائة ما بين سنتي 2000 و2016، وهو يمثل خلق مناصب شغل صافية ب 106 ألاف منصب سنويا.
وقال بوطاطا إن القطاع الخاص بشقيه المهيكل وغير المهيكل يبقى القطاع الأساسي للتشغيل حيث يخلق تسعة من أصل 10 مناصب بنسبة 90.4 في المائة في سنة 2014 بعدما كانت النسبة 88 في المائة في سنة 2000.
وقال إن الشغل في القطاع المهيكل يتركز في صف المقاولات الذي عمرت كثيرا والمقاولات الكبرى، فيما تعاني المقاولات المتوسطة من عدد من الاكراهات، من بينها البيروقراطية، اليد العاملة غير المؤهلة بالشكل الكافي، وضعف التنافسية، والمنافسة من قبل القطاع غير المهيكل. وهي عوامل تؤدي إلى تباطؤ النمو وتحد قدرتها على خلق مناصب الشغل، وأوضح أنه خلال الفترة ما بين 2004 و2014 تم خلق 1.66 مليون منصب شغل منها أكثر من الثلث، أي ما يعادل 570 ألف منصب) تم خلقها في قطاعين فقط وهما قطاع البناء وقطاع الفندقة والمطعمة.
في جانب أخر، أوضح بوطاطا أن بالرغم من الجهود التي تتم بخصوص تعميم التمدرس، فإن الولوج إلى الشواهد يبقى ضعيفا ومحدودا بالنسبة لبعض التخصصات. وأشار إلى أن حاملي الشواهد من المستوى المتوسط يمثلون 27.2 في المائة فيما يمثل حاملو الشواهد العليا 12.4 في المائة. وحسب القطاعات المشغلة فإن نسبة حاملي الشواهد انتقل في سنة 2016 إلى 17.5 في المائة في قطاع الفلاحة، وإلى 31.1 في المائة في قطاع البناء والأشغال العمومية، ثم إلى 49.7 في المائة في قطاع الصناعة، و58.5 في قطاع الخدمات. وأكد بوطاطا أن كل هذه العوامل تبين عراقيل اندماج اليد العاملة وهو ما يعرقل الاقتصاد لاستغلال المؤهلات المتوفرة. من العراقيل القائمة كذلك، هي أن سوق الشغل يهمين عليه القطاع المهيكل، حيث إن نحو نصف العاملين الذكور من يتوفرون على عقود عمل، فيما نحو نصف العاملات يشتغلن في الأشغال المنزلية غير المؤداة عنها. حصة الشغل في القطاع غير المهيكل في القطاع غير الفلاحي تمثل 36.3 في المائة. كما أن أزيد من ست مناصب من أصل عشرة تتم خارج أي تعاقد.
***
هشام زوانات رئيس لجنة العلاقات مع الشركاء بالاتحاد العام لمقاولات المغرب:
المغرب راكم عجزا في 53 اتفاقا للتبادل الحر
قال هشام زوانات رئيس لجنة العلاقات مع الشركاء بالاتحاد العام لمقاولات، إن القطاع العام في الدول المجاورة كتونس والجزائر ومصر على سبيل المثال، يخلق نحو 35 في المائة من مناصب الشغل، بينما في المغرب نجد أن 9 من أصل 10 مناصب يخلقها القطاع الخاص أي ما يعادل 90 في المائة من مناصب الشغل يخلقها القطاع الخاص. وأشار إلى أن 92 في المائة من النسيج الاقتصادي المغربي تكونه المقاولات الصغرى.
وعرج زوانات على وضعية القطاع الخاص بالمغرب، حيث أكد أن من أصل 54 اتفاق للتبادل الحر راكم المغرب عجزا في 53 اتفاق، وبالرغم من المغرب اختار الانفتاح عبر اتفاقيات التبادل الحر، لكنه طريقة الانفتاح تمت بطريقة غير مدروسة.
وشخص رئيس لجنة العلاقات مع الشركاء بالاتحاد العام لمقاولات، وضعية القطاع الخاص الذي يعتبر قطاع يخلق الشغل، في كونه محاصرا من جانبين، الجانب الأول من خلال اتفاقيات التبادل الحر الذي أثرت على تنافسية المقاولات المغربية، وكذا عدم تأهيلها لمواكبة هذا الانفتاح حيث وإن كانت الأسواق الدولية مفتوحة في وجهها، فإنها ذلك لم تصل إلى مستوى التصدير وتلبية حاجيات المستهلكين في هذه الأسواق هذا بالإضافة إلى أن كلفة الإنتاج في المغرب مرتفعة بالمقارنة مع البلدان الأخرى. أما الجانب الثاني فيتعلق بمنافسة القطاع غير المهيكل، حيث يشتغل في القطاع غير المهيكل نحو 2.9 مليون عامل.
أما بخصوص عرض اليد العاملة في سوق الشغل بالمغرب سنويا، فأوضح أنه يصل إلى حوالي 600 ألف خريج من بينها 200 ألف خريج من التعليم العالي و200 ألف خريج من التكوين المهني، في حين أن المغرب لا يخلق سوى 120 ألف منصب شغل سنويا، وهو ما يعني عجزا بأزيد 400 ألف منصب شغل سنويا. وتحدث زوانات عن التنافسية التي يجب أن تستحضر بنية الكلفة والإنتاجية والإطار القانوني، وأوضح أنه فيما يتعلق بالكلفة من الطبيعي أن ترتفع حيث إن المغرب ليس منتجا للنفط، ثم وسائل التمويل والجبايات التي تشكل هي الأخرى عوامل تؤثر على التنافسية.
ومن بين الأمور التي تشكل تحملات على القطاع الخاص، بحسب زوانات، كلفة التحملات الاجتماعية المرتفعة حيث تصل إلى حوالي 22 في المائة.
ولمحاولة تجاوز هذه الإكراهات، أكد أن الحل يكمن في التعليم، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمارات الخارجية في ترحيل الخدمات، والخدمات المعلوماتية، ثم التوجه نحو الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الأزرق والاقتصاد التضامني، وكذا والفلاحة التي تتوفر على العديد من الفرص التي يجب استثمارها.
*******
- محور متطلبات التصنيع
- محمد شيكر رئيس مركز عزيز بلال للدراسات والأبحاث: إلى أين يتجه المغرب؟
من جانبه تساءل محمد شيكر رئيس مركز عزيز بلال للدراسات والأبحاث عن الاتجاه الذي يسير فيه المغرب وأي نموذج تنموي يطمح إليه.
وقال شيكر إن المشكل الذي تخبط فيه المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم يكمن في غياب التخطيط، بالإضافة إلى أن التشخيص الذي ظل المغرب يقوم به بشأن بنيته الاقتصادية مغلوط، مبرزا في مداخلته حول محور “المتطلبات لتصنيع حقيقي، تدبير الموارد الطبيعية وإشكالية الأمن الغذائي” من الجامعة السنوية التي نظمها حزب التقدم والاشتراكية السبت الماضي بالرباط، أن جميع المخططات التي جاء بها المغرب منذ الخمسينيات إلى غاية المرحلة الحالية، لم تساهم في تنمية الاقتصاد وإقرار عدالة اجتماعية ومجالية حقيقة، باستثناء حكومة عبد الله إبراهيم التي جاءت بالمخطط الخماسي الذي وضع أسسه عبد الرحيم بوعبيد، لكن هذه الحكومة لم تدم طويلا، يشير المتحدث.
وأوضح الخبير في الاقتصاد أن المغرب يواجه سلسلة من أنماط الإنتاج، وليس نموذجا واحدا للتنمية، مشيرا إلى أن هذه الأنماط أدت إلى “طغيان” التوازنات الاقتصادية على التوازنات الاجتماعية، والذي أدى بدوره إلى بروز فوارق اجتماعية ومجالية كبيرة.
وأبرز المتحدث أن النموذج التنموي يجب أن يقوم، إلى جانب تحريره من التبعية، على سياسة اجتماعية تضع الإنسان في صلبها، بالإضافة إلى التوزيع العادل للثروة مجاليا، والعمل على النهوض بالقطاع العمومي والخدمات الاجتماعية.
وإلى جانب حديثه عن ضرورة الاستفادة من الجهوية المتقدمة من أجل نموذج تنموي قوي، أكد شيكر على ضرورة النهوض بالبحث العلمي باعتباره رافعة للتنمية والذي له دور أساسي في إقرار نموذج تنموي “مغربي” قوي.
وفي حديثه عن النموذج التنموي الحالي، أكد شيكر على ضرورة العمل على التخلص من عدد من الإشكاليات التي تبطئ إفراز نموذج تنموي جديد، مشيرا إلى أن إفراز نموذج تنموي جديد يحتاج إلى تقوية البنية الثقافية والعلمية والتعليم بشكل عام من جهة، وكذلك تقوية الوساطة الحزبية التي يجب أن تكون حاملة لهذا النموذج.
وشدد المتحدث على أن الإصلاح يحتاج إلى “الإرادة الحقيقية” و”الرغبة”، من أجل التأسيس لمرحلة جديدة بنموذج اقتصادي جديد قوامه التنمية والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
***
عمر علوي خبير اقتصادي: النموذج التنموي يجب أن يتميز بإعادة التوزيع العادل للثروات
وتعقيبا على مداخلة محمد شيكر، في ذات المحور المخصص لمتطلبات التصنيع وتدبير الموارد الطبيعية، قال الخبير الاقتصادي عمر علوي إن النموذج التنموي، من منظوره الخاص، يجب أن يتميز بإعادة التوزيع العادل للثروات وعوامل الإنتاج.
وأشار علوي إلى أن المؤسسات عرفت القطع مع ما جاءت به الحماية الفرنسية خلال استعمارها للمغرب، والتي فرضت قواعد تتيح الاشتغال بالرأسمالية الكولونيالية أو الاستعمارية، مقابل تنظيمها للأشكال ما قبل الرأسمالية لخلق نوع من التوازن الاجتماعي كالصناعة التقليدية، وتربية المواشي وتخطيط المدن، على وجه الخصوص. مشيرا إلى أن التحليلات التي قامت بها مجموعة من الخبراء في الاقتصاد حول التنمية أكدت أن التطور الكبير لإنتاج الثروة بالدول المستعمرة يرجع بالأساس إلى قيام الدولة الاستعمارية بإرساء أنظمة لحقوق الملكية لتطوير الرأسمالية بهذه البلدان عبر مجموعة من الآليات التي فسرها عدد من الخبراء، معتبرا أن هذا “الأداء” للنموذج المزدوج أدي إلى تشكيل تحالفات سياسية مواتية مكنت الدول الاستعمارية من الاستفادة من إمكانات النمو التي قدمتها للدول مقابل إتاحتها للريع الموجه للطبقات المتحكمة في السلطة.
الخبير الاقتصادي الذي شخص الاقتصاد المغربي خلال الاستعمار، أوضح أن هذا التاريخ الذي عاشه المغرب خلال الاستعمار، توارثته طبقة السلطة إلى حدود أزمة السبعينات، حيث استمر العمل بنفس النظام الثنائي القائم على الملكية والرأسمال والريع أيضا، مشيرا إلى أن الخروج من هذه الأزمة أدى إلى تغيير المخططات وتغير النمو الاقتصادي تدريجياً ليقود اليوم إلى نموذج يستند بشكل أكبر على التحول الهيكلي داخل كل قطاع من القطاعات الأساسية للاقتصاد “الزراعة والصناعة والطاقة والخدمات بالإضافة إلى قطاع الاتصالات والخدمات اللوجستية”، مضيفا أن هناك جهات استفادت من هذا النمو مقابل جهات أخرى لم تستفد، الشيء الذي يفسر الفوارق المجالية بالنسبة للتراب المغربي، وكذلك الفوارق المجالية.
وخلص علوي إلى أن مسألة أزمة النموذج هي أزمة تدبير هذا التحول الهيكلي للاقتصاد والذي يترجم بدوره فشل النخبة السياسية في التفكير وفي التدبير، قائلا “إن الأمر يبدو كما لو أن البعض يريد تحويل كل القطاعات نحو مزيد من الدينامية والتكامل العالمي، مع الحفاظ على أدوات النموذج الثنائي الموروث الذي يسمح بالتحكم في وظيفية السوق، الأرض، رأس المال والعمل، من أجل مصلحتهم”، معتبرا أن هذه الازدواجية في الأهداف تفسر إلى حد كبير إخفاقات ديناميكية هذا التحول الذي انطلق في المغرب، وكذا نتائجه المخيبة للآمال، والنقاش حول أزمتها، والتي هي في الواقع مجرد انعكاس لأزمة النموذج السياسي.
> تغطية: حسن أنفلوس – محمد حجيوي – توفيق أمزيان > تصوير: عقيل مكاو – رضوان موسى