في سياق تخليد الذكرى 80 لتأسيس حزب التقدم والاشتراكية .. مؤسسة علي يعته تعيد قراءة البدايات مع إسماعيل العلوي

قال اسماعيل العلوي الرئيس المؤسس لمؤسسة علي يعته ورئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، “إن الحزب الشيوعي المغربي، كان يعتبر منذ البداية أن الحركة الصهيونية هي أولا حركة تضليلية، وهي أكثر من ذلك حركة استعمارية، وأن هذا الموقف ظل مستمرا إلى اليوم، مع وريثه حزب التقدم والاشتراكية”.
وأضاف اسماعيل العلوي الذي كان يتحدث في لقاء مفتوح مع مؤسسة علي يعته، مساء الجمعة الماضي بالرباط، أن الحزب ظل يعتبر إلى اليوم، أن إسرائيل ما هي إلا تجل للحركة الاستعمارية في العالم، وتحديدا الحركة الاستعمارية الأوروبية، وهذا يفسر في نظره، موقف الدول الغربية وأمريكا مما يجري الآن في فلسطين، حيث تساند بشكل مطلق ما تقوم به إسرائيل من مجازر في حق الشعب الفلسطيني.
ويرى رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، أن فلسطين تم احتلالها في إطار عمل استعماري أوروبي، وهو ما يكتبه ويؤكد عليه بعض الأوروبيين الآن، في خضم هذه المأساة التي تحياها غزة وفلسطين عموما، حيث يقرون أن النظام الصهيوني الإسرائيلي هو نظام عنصري ونظام أبارتايد، وهو مبني على الخرافات، وأن اليهود لا علاقة لهم بأرض فلسطين، لأنهم جاؤوا من مناطق مختلفة من العالم منها اليمن ومنها الأمازيغ وفق ما أكده الكاتب المسيحي اليهودي ألكسان كوهين الذي أكد على أن مجموعة من القبائل الأمازيغية تم تهويدها من قبل المبشرين اليهود.
وفي موضوع آخر، خلال هذا اللقاء المفتوح الذي أداره سعيد سيحيدة نائب رئيس مؤسسة علي يعته، وشارك في تنشيطه الزملاء الصحفيون عبد الإله التهاني ويونس مسكين ومحمد حجيوي، حرص اسماعيل العلوي على تصحيح مغالطة تاريخية، ظل يرددها البعض والتي تقول بأن الحزب الشيوعي المغربي تأخر في المطالبة بالاستقلال، مؤكدا في هذا السياق، أن أول مرة استعملت فيها كلمة الاستقلال كانت سنة 1942 وظهرت في صحافة الشيوعيين بجريدة الأمل، وكان ذلك يضيف إسماعيل العلوي، بالتزامن مع وصول الأمريكيين إلى طنجة والدار البيضاء، وانهيار “نظام فيشي”، كما تزامن أيضا، مع انتصار الجيش الأحمر على الجيوش الألمانية.
وبحسب العلوي، فإن الإعلان الرسمي عن الح+زب الشيوعي في المغرب من قبل الفرنسيين كان شهر نونبر 1943 تزامن مع إنشاء حزب الاستقلال الذي كان في شهر يونيو 1943 بالتزامن مع عريضة الاستقلال، مبرزا بهذا الخصوص أن عدد من الأسماء، كعلي يعته وأحمد الماضي وعبد السلام بورقية، وقعوا على العرائض الشعبية المطالبة بالاستقلال والتي وقع عليها المغاربة بأعداد كبيرة في المدن والحواضر ومن كل أنحاء المغرب.
وعرج اسماعيل العلوي خلال هذا اللقاء، على مجموعة من المحطات الأساسية في تاريخ الحزب الشيوعي المغربي وحزب التقدم والاشتراكية، وقياداته التاريخية، مبرزا في هذا السياق أن ظهور الحركة الشيوعية بالمغرب، ارتبط بوجود الاستعمار وبمقاومته، مشيرا إلى مختلف الضغوطات العسكرية والسياسية والاقتصادية التي تعرض لها المغرب، والتي أدت إلى ظهور معارضة ومقاومة شرسة تنم عن إرادة الشعب المغربي الرافضة للوجود الأجنبي.


وذهب حكيم الشيوعيين المغاربة، إلى ربط ظروف النشأة بظهور الطبقة العاملة بالمغرب، ولو بشكل غير طبيعي، وذلك نتيجة تواجد الشركات الأجنبية والعمال الأجانب الذين جاؤوا للعمل في المغرب، وكان من بينهم من له وعي بطبيعة الرأسمالية وقرر النضال ضد الاستعمار، هؤلاء يضيف المتحدث، هم من أنشأ النقابات بالمغرب والتي كان أغلب العمال بها من المغاربة، كما أن هؤلاء العمال الأجانب كان من بينهم من يتبنى أفكارا ماركسية شيوعية واشتراكية.
ويبقى العمال الشيوعيون الفرنسيون والإسبانيون هم من أسس النقابات بالمغرب، وكانوا ينتمون إلى الأممية الثالثة، وهم أيضا، بحسب إسماعيل العلوي من أدخل الأفكار الاشتراكية إلى المغرب والتي تبناها في البداية مغاربة قليلون، من أمثال أحمد الماضي الذي كان يشتغل في الفلاحة في منطقة تادلة والتحق به فيما بعد عبد السلام بورقية، ثم في مرحلة لاحقة علي يعته.
وذكر رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، بالحملة المضللة التي كان يتعرض لها الحزب الشيوعي المغربي والتي كانت تصف مناضليه بالإلحاد، مشيرا في هذا السياق إلى الصعوبات التي كان يلاقيها المناضلون الشيوعيون في مجتمع محافظ ومتشبع بتصورات دينية لا تقبل النزاع في بعض الأشياء التي تهم الحياة اليومية، رغم أن القرآن نص على “المعروف” الذي هو مفهوم متطور.
وتحدث اسماعيل العلوي، عن بداياته الأولى في العمل السياسي الحزبي، وكيف تشكل وعيه بضرورة النضال إلى جانب المستضعفين من العمال والفلاحين الفقراء، مشيرا في هذا السياق إلى بداية تشكل الوعي لديه واهتمامه بالسياسية كان وعمره لا يتجاوز ثمان سنوات، بالإضافة إلى تلك الأحداث الكبرى التي عرفتها مدينة سلا خاصة المظاهرة العارمة ضد الاستعمار سنة 1944 والتي راح ضحيتها العديد من النساء والرجال وكانت الجيوش الفرنسية تستبيح البيوت دون استئذان، ضمنها بيت أسرة اسماعيل العلوي، الذي قال “إن الجيوش كانت تقتحم المنزل لتصعد إلى السطح دون اعتبار لحرمة البيت الذي تكون فيه النساء يعملن بالمطبخ أو بفناء البيت”، وهو ما كان يغضب اسماعيل العلوي الذي كان يعتبر ذلك نوعا من “الحكرة” والاعتداء على الحرمات.
وأضاف اسماعيل العلوي، أن وعيه السياسي، تشكل أيضا بارتباط مع كون مدينة سلا كانت مدينة وطنية وفيها تنظيمات كشفية، وبالتالي تولدت لديه في هذا الخضم قابلية الاهتمام بالمستضعفين، وكانت أول مسيرة احتجاجية شارك فيها هي التي خرجت للاحتجاج على اغتيال باتريس لومومبا، كما كان اهتمامه بالقراءة عاملا مساعد، خاصة كتاب بليخانوف الذي أدخل الماركسية إلى روسيا وهو أستاذ فلادميرلينين وتروتسكي وغيرهم.
وكان قرار محكمة الاستئناف القاضي بمنع الحزب الشيوعي المغربي سنة 1961 عاملا محفزا لالتحاق اسماعيل العلوي بالحزب الذي دخل حينها للعمل في ظروف السرية، موضحا في هذا الإطار أن المخرج حميد بناني هو من استقطبه للانضمام إلى خلية الطلبة الشيوعيين، التي كان بها آنذاك كل من عزيز بن زاكور والعلوي المدغري وغيرهم.
وعزا اسماعيل العلوي عدم تواجد الحزب الشيوعي بمناطق الاحتلال الإسباني وتحديدا طنجة ومناطق الريف إلى صعوبة التواصل التي كانت بين مناطق الاحتلال الفرنسي حيث كان يتواجد الشيوعيون المغاربة، والمناطق الخليفية، حيث كان هناك توزيع لمناطق النفوذ: طنجة منطقة للامبريالية كلها، لاعتبارات أساسا تهم بريطانيا، ثم في الشمال وفي الجنوب اسبانيا، وفرنسا فيما كان يعرف بالمغرب النافع، وكان التواصل بين هذه المناطق صعبا، حيث إذا أردت أن تنتقل تحتاج إلى ترخيص من الحماية الفرنسية أو من الحماية الاسبانية.
وعرج إسماعيل العلوي على فترة العمل البرلماني حيث كان نائبا برلمانيا إلى جانب رفيقه علي يعته. وتحدث عن تجربة حكومة التناوب التوافقي برئاسة الراحل عبد الرحمان اليوسفي وهي التجربة التي قال عنها إنها لم تعمر طويلا.
يشار إلى أن هذا اللقاء حضرته نخبة من المناضلين والقادة التاريخيين لحزب التقدم والاشتراكية، وأصدقاء اسماعيل العلوي وبعض الفعاليات الإعلامية والفكرية والمدنية.
وفي ختام اللقاء ذكر رشيد روكبان رئيس مؤسسة علي يعته، بالإطار الذي ينظم فيه هذا اللقاء الذي وصفه بـ”المتميز” والمتمثل في تخليد الذكرى الثمانين لتأسيس حزب التقدم والاشتراكية، مبرزا الأهمية التي يكتسيها اللقاء مع اسماعيل العلوي أحد القادة السياسيين الكبار والذين ساهموا في تاريخ المغرب السياسي الحديث.

< محمد حجيوي

< عدسة: رضوان موسى

Top