قساوة الظروف الطبيعية ومحدودية الإمكانيات بجماعة سيدي بوعل

بيان 24: سعيد ايت أومزيد

تقع جماعة سيدي بوعل بالأطلس الصغير في الجنوب الشرقي لمدينة تارودانت، وقد أحدثت هذه الجماعة التي يغلب عليها الطابع القروي منذ سنة 1992، تبلغ مساحتها 300 كلم مربع وعدد سكانها 4603 نسمة وعدد أسرها 948 أسرة موزعة على أربعة وعشرين دوارا، وذلك حسب إحصائيات 2004. فإلى جانب مناخها شبه الجاف تتميز جماعة سيدي بوعل بظروف طبيعية جد قاسية وبضعف الأراضي الزراعية، إلا أنه ورغم هذه القساوة فالفلاح بالمنطقة لم يستسلم لهذه الظروف، حيث قام بوضع مدرجات على طول السفوح الجبلية وذلك لتوسيع الأراضي الزراعية ومواجهة انجراف التربة. محدودية الإمكانيات لمزاولة النشاط الزراعي بهذه المنطقة، جعل معظم السكان يتعاطون لحرف أخرى مكملة كالتجارة والهجرة لتغطية النقص الكبير الذي يشكو منه القطاع الفلاحي الذي لا يدوم نشاطه سوى فترة الحرث والحصاد.
بيان اليوم رصدت وضعية هذه المنطقة، حيث الطبيعة القاسية والمناخ شبه الجاف  والأراضي والمحاصيل الزراعية الضعيفة تشكل فعلا تحديات حقيقية يجب رفعها، ووقفت على الآمال العريضة لسكان هذه الجماعة، لتطوير وتنمية وانتعاش المنطقة، وتطلعاتهم لجلب الاستثمار للحد من البطالة والهجرة القروية، والعمل على خلق فضاءات ثقافية ورياضية بالمنطقة (دار للشباب، ملعب كرة -القدم ومختلف الأنشطة الرياضية) – وإيجاد حل لمشكل الماء الصالح للشرب في بعض الدواوير- وإحداث نواد نسوية ووحدات لمحاربة الأمية بمختلف مداشر الجماعة.

في هذا السياق التقت  بيان اليوم مع محند المساوي رئيس فيدرالية تامونت للتنمية والتعاون بجماعة سيدي بوعل، فتحدث كفاعل جمعوي مهتم بالشأن المحلي، عما يخالجه ويخالج ساكنة المنطقة من فكر وتصورات للنهوض بالمنطقة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياحيا، وعن الإصلاحات التي يجب وضعها على درب مسار تنموي ينشد التقدم والازدهار للجماعة وأبنائها.

تاريخ.. حروب ومجاعة واستقرار بالجبال

تتكون الجماعة، يقول المساوي، من قبيلتين أمازيغيتين اداوكنسوس واداومرتني، وتتفرع اداوكنسوس إلى ايت اكارن وايت المكرت، مضيفا، أن التقسيم الإداري قسم قبيلة اداوكنسوس وأتبع كل من ايت اكارن وايت المكرت إلى جماعة سيدي بوعل وبقيت فخذة انزال بتراب بلدية أيغرم. وتابع الموساوي بمزيد من التفصيل عن الأحوال والأحداث التي مرت بها  القبيلتان، قائلا: إن تاريخ اداوكنسوس واداومرتني يرجع إلى عهد (خراب) مدينة تمدولت اوقا، حيث هاجر سكانها نحو الشمال واستقروا في بادئ الأمر بمنطقة اسافن لمدة قرنين، قبل أن تتعرض هذه الأخيرة إلى عدة حروب تسببت في المجاعة والأوبئة ليتفرق مرة أخرى السكان بالجبال التي يحتلونها حاليا.

نشاط فلاحي تقليدي في أراض جد ضعيفة

واستطرد المتحدث، أن منطقة سيدي بوعل تتموقع في وسط جبلي يتميز بمسالك وعرة و بظروف طبيعية جد قاسية ومناخ شبه جاف جعل منها منطقة فقيرة من كل العناصر الأساسية، موضحا، أن سكانها يمارسون نشاطا فلاحيا تقليديا في أراض زراعية جد ضعيفة تتكون بالخصوص من قطع ضيقة، بعضها يوجد على سفوح الجبال حيث بنى الإنسان مدرجات للحد من انجراف التربة والزيادة من الرقعة الزراعية التي تعتمد في سقيها على مياه الأمطار، وهي زراعة أساسها الشعير وأشجار اللوز، مبرزا، أن النشاط الفلاحي بتراب الجماعة يتميز بالتقلب بين مواسم جافة وأخرى رطبة لا تصل فيها التساقطات سوى 180 ملم، مما يؤثر بشكل سلبي على مصادر المياه التي تجسدها الشعاب والأودية التي لا تجري إلا في فترة قصيرة من فصل الشتاء. ونظرا لقلة الأمطار وتجفف التربة، يقول الموساوي، فإن تغذية الفرشاة الباطنية التي تظهر على شكل عيون أو آبار تبقى ضعيفة الأهمية، وهذا كله يؤثر على نضج المحاصيل ونمو النباتات. وأمام  صعوبة هذه الظروف الطبيعية، يضيف الموساوي، والتي تقف بالخصوص في وجه الفلاحين وضمان استقرارهم بالمنطقة، يتعاطى معظم السكان لحرف أخرى مكملة كالتجارة أو يلجئون إلى الهجرة نحو الأقاليم الأخرى لتغطية النقص الكبير في القطاع الفلاحي وتربية الماشية التي تعرف تراجعا ملحوظا نظرا لتزايد حدة الجفاف في السنوات الأخيرة.
إعداد مخطط للنهوض بالجماعة محوره الإنسان

Sans titre-10في مقابل هذا الخصاص، يقول رئيس فيدرالية تامونت للتنمية والتعاون: ” نعول كثيرا على إعداد مخطط للنهوض بجماعة سيدي بوعل يكون محوره الإنسان كفاعل في كل تنمية، مخطط بأبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية، يعتمد المقاربة التشاركية ومقاربة النوع الاجتماعي”، مبرزا في هذا السياق، الأمل العريض الذي تعلقه ساكنة المنطقة على التجربة الجماعية الحالية في الارتقاء بمستوى عيش السكان وتحسين ظروفهم الحياتية. ويضيف المساوي أنه رغم توفر المنطقة على تراث ثقافي إلا أن السياحة لا تزال ضعيفة، مشيرا في هذا الصدد، إلى الخصوصيات التي تتميز بها المنطقة منذ القدم، تتكون من أنشطة ثقافية وفنية متمثلة في أحواش الفتيات، وكذلك أحواش الرجال، ومما تتوفر عليه المنطقة من مبان تاريخية ومواقع ومعالم حضارية متجلية في المخازن (اكودار) وهي بنايات عمومية مشيدة بالتراب والحجارة والخشب توظف في تخزين الحبوب والغلال كما كانت فيما مضى توظف لتخزين الأسلحة والحلي والوثائق المهمة، هذا بالإضافة إلى المدارس العتيقة التي تلعب دورا مهما في تلقين العلوم القرآنية والفقهية وتساهم في تكوين فقهاء ووعاظ لترسيخ مبادئ الدين الإسلامي والحفاظ على التقاليد الدينية. بيد أنه ورغم كل هذه المؤهلات، يقول ذات المتحدث، هناك غياب شبه تام للبنية التحتية السياحية بالجماعة، حيث لا توجد لا فنادق ولا مآوي ولا مؤسسات التخييم، ولا مطاعم لتشجيع السياحة.
مشاريع هائلة لوضع الجماعة على سكة التنمية

وفي ظل هذه المعطيات، يضيف الموساوي، وضعت فيدرلية تامونت للتنمية والتعاون مجموعة من المقترحات بتنسيق وشراكة مع جماعة سيدي بوعل لانجاز مشاريع بهدف استثمار هذه المؤهلات، من بينها مشروع تأهيل وتقوية البنيات التحتية الطرقية وفك العزلة عن العديد من الدواوير بالمنطقة، وهو المشروع الذي قامت جماعة سيدي بوعل بالشروع في إنجاز الشطر الأول من الدراسة التقنية الخاصة به. وأضاف الموساوي، أن هناك تنسيقا بين الجامعة الوطنية للجمعيات التنموية وجماعات سيدي بوعل، وأضار، وتكموت، وبلدية اغرم، لانجاز الدراسة التقنية المتعلقة ببناء سد بمنطقة تايماوت، لوضع حد لفيضان وادي دوساون تاكموت والمساهمة في حماية واحة تكموت دوساون، وتوفير موارد مائية تفتح آفاقا واعدة للاستثمار الفلاحي بهذه الجماعات، بل ولإنعاش السياحة بهذه المناطق والاستثمار فيها.  وأشار المتحدث إلى الاتفاقية التي تم توقيعها لحماية المآثر التاريخية، بين المنظمة الألمانية دين دوم DIDUM  والجامعة الوطنية للجمعيات التنموية، مبرزا في هذا السياق، التنسيق بين فيدرالية تامونت للتنمية والتعاون وجماعة سيدي بوعل لوضع مخطط لهذا المشروع الذي يهدف لترميم هذه المآثر والحفاظ عليها. كما أشار ذات المتحدث إلى القافلة الطبية التي يجري الترتيب لها من قبل فيدرالية تامونت للتنمية والتعاون بتنسيق مع جماعة سيدي بوعل، وترمي هذه القافلة التضامنية حسب المتحدث، إلى إضفاء الدفء الإنساني والتخفيف من معاناة الأسر الفقيرة من سكان دواوير هذه المنطقة المعروفة بالبرودة الشديدة في فصل الشتاء، وذلك عبر تقديم خدمات واستشارات طبية في جميع التخصصات وتيسير العلاج لبعض المرضى من هذه الفئة المعوزة بالمنطقة.

*****

رئيس جماعة سيدي بوعل: مشروع التنمية المحلية الشاملة شكل لدي هاجسا كبيراSans titre-18

< تتولون تدبير الشأن المحلي كرئيس للمجلس، كيف ترون تحقيق النموذج التنموي المنشود؟
> بعد تحقيق النجاح في الانتخابات الجماعية الأخيرة كمرشح ومناضل لحزب التقدم والاشتراكية وتوليتي تدبير الشأن المحلي كرئيس لمجلس جماعة سيدي بوعل، شكل لدي مشروع التنمية المحلية الشاملة هاجسا كبيرا.
فمن أجل بلورة مخطط متكامل ومتوازن لتنمية مستدامة، قمنا أولا، برصد مختلف مؤهلات الجماعة والوقوف على مواطن الخصاص والمجالات التي تتطلب تدخلات آنية، وذلك كله في إطار مقاربة شمولية تروم إعطاء انطلاقة حقيقية لمسلسل التنمية بالمنطقة. فجماعة سيدي بوعل كفضاء قروي يعاني من عدة اختلالات في شتى المجالات، مما يتطلب منا جميعا شركاء ومتدخلين وفاعلين في التنمية إرساء تصور تشاركي لرصد مكامن الخصاص وإعطاء حلول عملية وواقعية لمختلف الإكراهات التي تعوق تنمية المنطقة وجعلها رافعة في تحقيق الإقلاع السوسيو اقتصادي المنشود بالجهة.

< تحدثتم عن معيقات التنمية في المنطقة، فهل من تفصيل لهذه الإكراهات؟
> نعم، أقول إن الجماعة تعرف خصاصا على مستوى البنيات التحتية والمنشآت الاجتماعية، ويتجلي هذا النقص بالخصوص، وهذا حسب التشخيص الذي قمنا لتحديد إمكانيات ومؤهلات الجماعة والتعرف على الحاجيات الأولية، في غياب مسلك طرقي يربط بين أجزاء الجماعة المشتتة بين منطقتي إذا أومارتيني وايت إكارن، هذه الأخيرة التي يبقى على سكانها الراغبين في الحصول على الوثائق الإدارية، أو التطبيب، قطع 20 كلمترا لبلوغ بلدية إغرم، واجتياز مسافة أخرى مماثلة للوصول إلى مقر الجماعة أو المستوصف الجماعي، هذا إضافة إلى المسافات المتراوحة ما بين ثلاثة إلى أحد عشر كلمترا التي  تفصل أغلب مداشر المنطقة عن الطرق المعبدة. في الواقع، هذا الفقر والحاجة على مستوى الطرق، يؤثر سلبا على التمدرس بصفة عامة، بحيث يصعب الحديث هنا عن مدرسة جماعاتية وعن نقل مدرسي موحد سواء بالنسبة للمراحل التأهيلية أو الثانوية. منذ أخذي بتدبير الشأن المحلي، قمنا بتشخيص دقيق ومفصل لوضعية الجماعة، حيث تبين أن هناك شبه انعدام للدورالتأطيري للمؤسسات الاجتماعية، إذ وجدنا أن الجماعة لا تتوفر على دور الشباب ولا دور الثقافة، ووقفنا على انعدام تام للمنشآت الرياضية، مما يحرم الشباب والأطفال من فضاءات لإقامة الأنشطة المتعلقة بالتكوين وكذا التحسيس والترفيه، ويحول دون تطوير قدراتهم الفردية والجماعية. كما رصدنا، المعاناة التي ترزح تحت نيرها المرأة، فباستثناء ناد نسوي واحد موجود، سجلنا غياب مثل هذه الدور التي تساهم في تكوين وتوعية المرأة والفتاة بدورها في المجتمع كأم، وكربة بيت، وكعنصر فاعل وإيجابي، وكمواطنة لها دور أساسي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية وذلك من خلال مجموعة من الأنشطة التي توجه لفائدة الفتيات والنساء من مختلف الشرائح والأعمار، كما وقفنا على غياب فضاءات الأطفال. أما بخصوص الجانب الصحي، فقد وقفنا على افتقار الجماعة إلى مركز صحي يلبي الحاجيات الضرورية للساكنة المحلية، حيث لا تتوفر الجماعة سوى على مستوصف تشغله ممرضة وحيدة. هذا الواقع يدفع بالمرضى ومن هم في أمس الحاجة للتطبيب، للانتقال إلى مركز إغرم الذي يفتقر بدوره إلى مستشفى إقليمي بل لا يتوفر سوى مركز صحي ينقصه الكثير على مستوى الموارد البشرية والتجهيزات الضرورية وتنعدم فيه مصلحة الديمومة. أما بخصوص القطاع الفلاحي، فقد سجلنا أن الواقع الجغرافي يفرض مجموعة من الإكراهات الطبيعية المتجلية أولا في شح التساقطات المطرية وقلة المياه الجوفية، إضافة إلى صعوبة التضاريس التي تجعل من استعمال الآليات الفلاحية أمرا مستحيلا، وهذا بالطبع يؤثرسلبا على الإنتاج الفلاحي وعلى تربية الماشية. والحالة هذه، نحن الآن نبدل كافة الجهود قصد الخروج بالجماعة من دوامة الارتجالية في اتخاذ القرارات، وعلى هذا الأساس قمنا بإعادة هيكلة الموارد البشرية المتوفرة كما قمنا بضبط أسلوب العمل بالشكل الذي يضمن الشفافية ويسهل التتبع والمواكبة اليومية للعمل الجماعي.

< كل تصور أو رؤية تنموية لابد لها من انفتاح وتكامل وتشارك، والتقائية فهل من تفعيل لهذه الآليات الضرورية في مخططاتكم؟.
> في الحقيقة، لدينا تصور شامل للتنمية في المنطقة وهو منفتح على كافة المتدخلين في المنظومة المحلية التي تعمل في هذا الإطار، وأقصد بالقول المنتخبين والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والمجتمع المدني ومغاربة العالم من أبناء المنطقة، من أجل إيجاد رؤية تنموية متوافق بشأنها تراعي خصوصيات المنطقة، وهي نفسها الرؤية التي تفرض علينا خوض كافة التحديات سواء المتعلقة منها بالجانب الطبيعي، أوالتي هي نتاج تراكمات الارتجالية في التدبير، من قبل من سبق لهم تسيير شؤون الجماعة. وفي هذا الإطار نحن بصدد البحث عن حلول للقضايا ذات الأولويات، إلا أن ترتيب هذه الاسبقيات ليس مطلقا على اعتبار الإمكانيات المتاحة عموما لتخطي كل معضلة على حذى. فرغم أن الحاجة ملحة لشق الطرقات وفك العزلة عن المناطق المحاصرة، والربط بين الأجزاء المكونة للجماعة وبين هذه الأخيرة وباقي المناطق الأخرى من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي، إلا أنه واعتبارا لمصادر التمويل والشراكات التي يمكن للجماعة أن تكون طرفا فيها، فإنه قد يحدث تقديم بعض المشاريع عن الأخرى داخل نفس الترتيب.
نعول كثيرا على النسيج الجمعوي وأطراف المجتمع المدني لإغناء مفهوم الديمقراطية التشاركية والحكامة الجيدة لتفعيل الأهداف السامية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية من أجل تقديم مشاريع من شأنها سد الحاجة لفضاءات السوسيو ثقافية. أما بخصوص القطاع الصحي، فإننا نأمل أن تستفيد المنطقة من الايجابيات التي يحملها مشروع الإصلاح الجدري الذي تضطلع به الوزارة الوصية . ونحن لا نملك في هذا الباب إلا الإلحاح على هذا المطلب لتوفير مؤسسة صحية في مستوى حجم وضروريات التطبيب بمنطقة إغرم ككل.

Related posts

Top