قول الحقيقة للوطن..

يفضل القائمون على القطاع الفلاحي، إلى جانب المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، نهج سياسة غوغائية بعيدة عن المنطق والواقع، في تدبير الملفات المتعلقة بالسلامة الصحية للمواطنين، وعدد من الظواهر المرتبطة بالمجال الفلاحي.
يتبعون سياسة، لا تزيد الطين إلا بلة، والأمر إلا تعقيدا، حيث بدل وضع الأصبع على مكامن الخلل، والبحث عن الحلول الجدية لإنهاء الإشكالات المطروحة، يلجؤون إلى المراوغة، ومحاولة تزييف الحقائق، متذرعين بـ”مصلحة الوطن” -هذه الورقة التي أمست غير مفهومة ترفعها عدد من المؤسسات والجهات كلما وجدت نفسها في ضائقة-.
وزارة الفلاحة والإصلاح الزراعي -وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات حاليا-، اعترفت ببساطة، في نهاية الثمانينيات، بوجود فيروس “الجناح المشوه” الذي أصاب النحل حينها، والمعروف اختصارا بفيروس “DWV”، الذي ينقله طفيل الفاروا، واتخذت قرارا رسميا في شأن التدابير الواجب اتخاذها لمحاربة ما أسمته حينها داء “لقاع النحل”، كما رصد وزير الفلاحة والإصلاح الزراعي آنذاك، بعد استطلاع رأي وزير المالية، تعويضا ماليا يمنح للنحالين الذين أتلفت خلايا نحلهم عصرية كانت أو تقليدية، وهي التفاصيل المنشورة بالصفحة 718، من الجريدة الرسمية رقم 4042 بتاريخ 18 أبريل 1990، وتم تجاوز الأمر واستمرت دورة الحياة الطبيعية.
بخلاف وزارتنا اليوم، والمؤسسات التي تعمل تحت وصايتها، لا تنهج سياسة تشخيص الخلل، وتقدم الحلول اللازمة والجدرية، وإنما يختبئون تحت “مصلحة الوطن”، لتبقى ظاهرة انهيار طوائف النحل نتيجة المرض -رغم أن الظاهرة عادية جدا ويمكن التعامل معها-، بعيدة عن حقيقتها، في خطوة غير مفهومة، رافعين الورقة الحمراء، التي تثير سؤال: أي مصلحة للوطن في التغريد خارج السرب وإبعاد الأمور عن حقيقتها رغم بساطتها وسلاستها ؟!
ربما يعتبرون أنفسهم “هم الوطن”، وبهذا يقصدون أن مصالحهم ستمس، ولا غرو أن من وقع عقد برنامج سنة 2011، بقيمة 1.48 مليار درهم، لرفع إنتاج العسل من 3500 طن في السنة إلى 16 مليون طن سنويا، على مدى 10 سنوات، انتهت مع نهاية 2021، لن يقبل بحقيقة الوضع المزري الذي لا زال يعيشه القطاع -يعني فشل البرنامج-، والإفصاح عن حقيقة مفادها أن انهيار طوائف النحل يضر بمصلحته، ومن ثم اختيار الحل الأسهل، وهو رفع ورقة “مصلحة الوطن”، وربط الأمر الواقع بالطبيعة -الجفاف-، في انتظار نتائج إيجابية ينسبونها إلى أنفسهم.
إن هذه السياسة التي تم نهجها في تدبير ملف النحل، ليست بالغريبة، ففي الوقت الذي يتساءل فيه المغاربة منذ أيام عن مدى صلاحية البرتقال المعروض في السوق للاستهلاك، في ظل منع هولندا بيع وتسويق البرتقال المستورد من المغرب لاحتوائه على مبيد مسرطن، لم تكلف المصالح المعنية نفسها عناء تقديم أية توضيحات، باستثناء جواب يتيم عن سؤال لإحدى الجرائد في الموضوع، حاولت من خلاله إظهار أن الأمر عادي، وأن المغرب لا يشكل استثناء، مبرزة أن “النظام المعروف اختصارا بــ”RASSF” سنة 2021، أصدر 952 إخطارا بشأن الفواكه والخضر، 17 منها فقط تتعلق بالمغرب، أي 1.8 ٪. وعام 2022، تم إصدار 200 إخطار بشأن الفاكهة والخضروات، فيما يعنى المغرب بإخطار واحد فقط، أي 0.5٪”.
وسجل مكتب ONSSA في جوابه الصحفي، أنه “على مستوى السوق المحلية يضع سنويا برنامجا لمراقبة ورصد بقايا مبيدات الآفات الزراعية في الخضر والفواكه، يغطي جميع جهات المغرب، وذلك لضمان سلامة المنتجات المسوقة”.
وهذه الأجوبة السياسوية، التي غالبا ما تكون بعيدة عن الحقيقة والواقع، اللذين أصبحا كل المواطنين يعُونها، لا تختلف عن تلك المنتهجة خلال أعياد الأضحى للسنوات الماضية، بخصوص ازرقاق اللحوم، الذي تم ربطه بأساليب التجميد، وتم رصد مبالغ مهمة لتعليم المغاربة -الذين يعلمون جميعا حقيقة الأعلاف المسببة في الظاهرة-كيفية تخزين اللحوم في المبردات، كأنها السنوات الأولى التي يضحون فيها في فصل الصيف، أو أنهم لا يعرفون كيفية التعامل مع المبردات.
فمتى يتم القطع مع هذه السياسات التي تضر بمصلحة الوطن وصورته، ولا تخدم إلا مصالح جهات ولوبيات خاصة، ونهج سياسة عمومية حقيقية للتعامل مع مختلف الظواهر الطبيعية، وحماية صحة المواطن؟ ثم يجب الوعي بأن لا إشكال في الاعتراف بفشل سياسات عمومية مع الوقوف عند مكامن الخلل ومحاولة الإصلاح، بدل ذر الرماد على الحقيقة والاستمرار في طريق غير ناجعة، تؤدي إلى فشل كل المشاريع وعلى رأسها المغرب الأخضر الذي نحلم به، وقد سئل حكيم قديما: كيف أخدم وطني؟ فأجاب: قل له الحقيقة، لذا فالوطنية الحقة هي أن نقول الحقيقة رغم مراراتها.
وأخيرا، لقد سبق لألبرت أينشتاين أن قال يوما ما: “لا يمكن حل مشكلة بنفس العقلية التي أوجدتها”.

 عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top