يندرج الفن تحت قائمة الثقافة التي تتمتّع بها الشعوب والحضارات المختلفة، وهو الوسيلة التي يعبّر بواسطتها الأشخاص عن أنفسهم وواقعهم.. بالإضافة إلى أنّه أسلوب للتعبير عن حاجات الإنسان ومتطلّباته. وبين التجريديات والانطباعيات تكمن المسافة اللونية ضمن عدد من اللوحات للفنانة المبدعة كاميليا القباج المزدادة سنة 1989 بمدينة تازة، لوحات فنية تجاه الذات والآخرين في كون تبعثره الهواجس والرغبات.. والفنانة هذه الطفلة التي تمضي مع الكائنات تنشد بثها شيئا من نزف الروح حيث الرسم تلك العبارة المقيمة بين الماضي والحاضر بزخم يحمل في ثناياه عراقة تاريخ يسمو بين الأمل والإحباط وبين الفرح والخوف..
كاميليا هي العاشقة الحالمة بشغف ريشة الإبداع في عالم الفن التشكيلي بتراجيدياته وتمثلاته، المهووسة بالركح المسرحي والسينمائي حيث تولد وتتجدد لتسمو بمعاني الإبداع الإنساني، من خلال الألوان المستوحاة من عمق الطبيعة، ومن خلال الحرف العربي الذي يزين بعضا من لوحاتها في تشابك بين معنى الانتماء العربي الأصيل وبين طبيعة المرأة العربية التواقة في كل لحظة وحين إلى تفتق مواهبها وصقلها وإبراز الهوية والذات في عوالم الزمن والحياة.
تلوينات متعددة ولوحات فيها السفر نحو الآخر، إذ تسافر بنا كاميليا تجاه المعالم والمواقع والأمكنة بعيدا عن مرارة الواقع ومثبطاته، لتكشف حيزا من التاريخ وعراقة المكان في واقع متغير يهمه تثبيت ما هو أصيل وترميم ما تداعى منه ومن عوالم الذات.
أشكال أخرى في هذه اللوحات تشي بما يحيل على “الانفجار” و”الحيرة” و”العاصفة “والأنوثة وما تلاقيه من جلد في الواقع المحمل بكل سمات الذكورية المهووسة بتغييب المرأة، جلد بمعناه الواقعي والمجازي الذي تتعرض له في مختلف مناحي الحياة، وبذلك تثور بريشتها في وجه هذا الواقع المحموم مدافعة عن أنوثتها وإنسيتها وإنسانيتها ووجودها ووجوديتها، إنها كاميليا هذا الإسم العربي الذي يمزج بين العلم المؤنث اللاتيني CAMILLAوالإنكليزي CAMILLE ومعناه: النقية، البريئة. وهو في الأصل اسم زهرة وشجيرة دائمة الخضرة، أزهارها حمراء أو وردية اللون.
إذن كيف استطاعت كاميليا أن تمزج بين الإبداع التشكيلي والتمثيل المسرحي والسينمائي وتخلق لنفسها موقعا بين هذه الفنون التي تسمو بحياة الإنسان إلى عالم الحلم والمتخيل بشكل متكامل قادر على الانصهار في عوالم الفن بكل تجلياته.
فقد تبعث الأعمال الفنية عند المبدعة المغربية كاميليا على الدهشة أو السخرية، الأمل أو اليأس، الإعجاب أو النفور؛ قد يبدو العمل الفني مباشرًا أو معقدا، غامضًا أو جليا، واضحًا أو عبثيا، لكن المقاربات والمواضيع التي أفضت إلى خلق العمل الفني ترتبط بمخيلة الفنان وحده. وبالتالي، فأنا لا أومن أن تحديد الفن وفقا لمحتواه هو أمر محكوم بالفشل.
فكل نظرة تأملية في لوحة من لوحاتها المتعددة والمختلفة من حيث المواضيع المطروحة للمقاربة والمناقشة قبل الملاحظة البصرية تحمل دلالات عميقة ومتعددة، لونا وموضوعا، وتحيلنا على البعد النفسي لكاميليا في تعاطيها مع الرسالة المراد منها تبليغها للمتلقي.
إن الفارق الجوهري بين الجمال والفن يكمن في أن الفن يتعلق بمن يقدّمه، بينما يتعلق الجمال بالناظر إليه.. مما لا شك فيه، أن ثمة معايير للجمال، ما نراه جميلا ”بشكل تقليدي” لكن ثمة من غيروا قوانين اللعب، فلنقل إنهم المتميزون، وهم أولئك الذين رأوا المعايير التقليدية للجمال وقرروا الوقوف ضدّها خصيصًا، ربما فقط لإثبات وجهة نظرهم لدينا.
لذلك فإن الفن لدى كاميليا هو وسيلة للتصريح برأي أو إحساس، أو التأسيس لرؤية أخرى للعالم، سواء كانت مُستلهمة من أعمال الآخرين أو من شيء مبتكر وجديد كليا. غير أن الجمال جانب من ذلك أو فلنقل إنه كل ما يبعث على السعادة والإيجابية في الأشخاص. الجمال وحده ليس فنا، لكن الفن يمكن أن يُصنع من أجل الأشياء الجميلة. يمكن العثور على الجمال في منظر جبلي: لكنّ الفن هو صورة هذا الجبل حينما نعرضها للمشاهدين، أو تنفيذ المنظر على لوحة زيتية وعرضها في معرض فني، أو التسجيل الموسيقي الذي يعيد خلق هذا المشهد بالنزوات والمشاعر والاختلاجات الأولى.
> عبد الهادي بريويك