كشفت حلقة أخيرة من برنامج «تحقيق» الذي يعده ويقدمه الزميل المبدع محمد خاتم على القناة الثانية، وقبله برنامج «45 دقيقة» الذي يقدمه الزميل غفور دهشور على القناة الأولى، عن واقع صادم لفتيات قاصرات يتم تزويجهن «بما في ذلك لمدة أسبوع وتعود الطفلة بعده إلى بيت أهلها»…
لقد رسمت الحكايات والقصص الواقعية جدا عبر التلفزيون صورة فضيحة حقيقية، يجب أن تثير غضبنا كلنا، وغيرتنا على مناطق واسعة من بلادنا ترزح تحت ثقل بؤس مقزز.
إن ما شاهده المغاربة، خصوصا مؤخرا على شاشة (دوزيم)، يجسد اغتيالا حقيقيا للطفولة، ودوسا على أبسط حقوق طفلات بريئات مكانهن الطبيعي هو المدرسة وحضن العائلة، ويستدعي استنفار كل الجهات المعنية.
لقد صرح وزير العدل قبل أيام بأن تجريم زواج القاصرات ليس هو الحل الأمثل لمنعه، بل إن الأمر، في رأيه، يتطلب تغييرا من لدن المجتمع المدني.
وإن كان الأمر لا يخلو على كل حال من صحة بخصوص أهمية تطوير العقليات وتعزيز التحسيس والتوعية في مسلسل الحد من مثل هذه المآسي، فإن دور السلطات العمومية والقضاء يبقى أيضا في غاية الأهمية.
الجمعيات النسائية والمنظمات الحقوقية والتربوية طالما دعت إلى توحيد العمل القضائي على هذا الصعيد، وبلورة معايير محددة لمنح الإذن بزواج القاصر، مع مراعاة تقارب السن بين الزوجين، وتحديد سن أدنى لزواج الفتاة لا يمكن النزول عنه، ثم التشدد في إجبارية الخبرة والبحث الاجتماعي قبل الإذن بالزواج…
وبالحرص فقط على تطبيق مثل هذه المقتضيات بصرامة، مع متابعة سير التنفيذ، وتوعية القضاة بأهمية ذلك، واتخاذ إجراءات زجرية في حق الولي الذي يزوج ابنته دون إذن القاضي، فإن هذا سيدفع تدريجيا في اتجاه جعل زواج القاصر بالفعل استثناء، وسيقوي توجه بلادنا نحو القضاء عليه نهائيا.
لقد مثلت مدونة الأسرة خطوة جبارة إلى الأمام على طريق المساواة وتعزيز حقوق النساء والأطفال، لكن استمرار ظاهرة زواج القاصرات في عدد من مناطق البلاد، وما يخلفه ذلك من مآسي، يجعلنا نخاف على بلادنا أن تبقى تراوح مكانها، بل وتتراجع على صعيد واقع النساء والأطفال.
إن الظاهرة تجسد اليوم عنفا حقيقيا وقاسيا في حق عدد كبير من فتياتنا، وفي غمرة «الحملة الوطنية الثامنة للعنف ضد النساء» التي انطلقت أمس، فإن تعبئة كل الجهود للحد من ظاهرة زواج القاصرات في أفق القضاء عليها، تعتبر تحديا رئيسيا أمامنا كلنا.