لقجع .. فكر متقد ورؤية دقيقة…

منذ أول خروج إعلامي له بمناسبة ترشيحه لرئاسة جامعة كرة القدم فوزي لقجع، خلفا لعلي الفاسي الفهري، لمسنا في ابن مدينة بركان قوة الأفكار ووضوح الاستراتيجية، وذكاء في ترتيب الأوليات، وفهم لخصوصيات المرحلة، مع تدقيق معمق في حيثيات الوضعية العامة لكرة القدم بصفة عامة.
اعتقدنا في البداية أنه مجرد كلام والسلام، كلام للاستهلاك الإعلامي ليس إلا، على غرار الخطب التي سمعناها منذ عشرات السنين، ومع ذلك تركنا مسافة معينة دون التسرع في إصدار الأحكام الجاهزة، وانتظرنا الدخول الفعلي في العمل، لنتمكن بعد ذلك إصدار حكم موضوعي دون اجحاف.
إلا أن صاحبنا الذي منحناه بعض الوقت إشفاقا عليه، وهو الداخل لمستنقع لا يرحم، لم يمهلنا هو بالذات الكثير من الوقت، ولم يترك لنا مجالا لاسترجاع الأنفاس بعد متابعة إعلامية مكثفة لفشل الجمع العام الأول، وما خلفه من صراعات وتداعيات وتطاحنات اعتبرت في الحقيقة إدانة صارخة للمشهد الكروي ككل.
صاحبنا القادم من عالم المال والأعمال والمهندس الزراعي الذي استهوته لغة الأرقام، دخل بسرعة في صلب الموضوع وشن هجومات مضادة مكثفة خلخلت واقعا جثم بكلكله على القطاع، وكأنه القدر الذي لا مفر منه .
هذا الرئيس الذي اكتشفه الكثيرون لأول مرة بمناسبة ترشيحه، لم يسبق له أن تحمل أي مسؤولية جامعية، كما أن خرجاته الإعلامية كانت قليلة رغم إقامته بالرباط، ظهر وكأنه تحمل مسؤولية هذا المرفق العمومي لسنوات طوال.
قدم تشريحا دقيقا للواقع، حدد الأولويات ومراحل الاشتغال، وخاطب الوسط بصراحة متناهية، من يريد الاشتغال بصدق فمرحبا، ومن يفضل الاستمرار بنفس النسق السابق، فعليه الانسحاب في صمت بأقل الخسائر .. صحيح أنه تعامل في البداية مع ما هو متوفر لديه نزولا عند أحكام الواقع ولعبة الديمقراطية، إلا أنها كانت مجرد مرحلة وتكتيك أجبر على اللجوء إليه، بحكم أن الوسط فقد المناعة أمام الانزلاقات والتلاعبات وباتت الحكامة آخر الاهتمامات.
لم يكن فوزي لقجع في حاجة إلى الكثير من الوقت، كما أن الالتزامات كانت ضاغطة ومنها جمع شتات المنتخب الأول، وضرورة تعيين مدرب جديد، وقرب احتضان نهائيات كأس إفريقيا للأمم، ومنح حوافز جديدة للبطولة الوطنية التي تحولت إلى مجرد منافسات شكلية لا طعم ولا مذاق لها، وغيرها من الالتزامات الكثيرة غير القابلة للتأجيل.
بعد ثلاث سنوات من العمل المسترسل والتعبئة الكاملة والانخراط الجدي والمتواصل، وقبل سنة من نهاية الولاية الأولى، استبق الأمور بوضع رصيده أمام الرأي العام، عبر جمع عام للمحاسبة والتقييم والتزكية المطلقة، وبالفعل جاء الجمع الاستثنائي كمحطة لكسب الثقة والمصداقية والصلاحيات الواسعة، سمحت له من إدخال تغييرات مهمة على فريق العمل الذي يشتغل معه، وذلك بالاعتماد على كفاءات خارج المجال بهدف منح الفعل الرياضي بعدا إضافيا وخبرة ضرورية ووزنا أثقل، وهذه مسألة كان من الضروري اللجوء إليها بالنظر لضعف الوسط ككل، وهجرة الكفاءات وعدم انخراط النخب في الفعل الرياضي لأسباب لا تخفى على أحد.
نجاح فوزي لقجع في مجموعة من الملفات القوية جعله محط ثقة غير مسبوقة من طرف الجميع وبدون استثناء تقريبا، لن نتحدث عن الأوراش المفتوحة والأعمال المنجزة في زمن قياسي، فهناك ملفات كانت فاصلة وحاسمة، لكنه خرج منها قويا وأكثر صلابة.
أولا النجاح في إلغاء عقوبة التوقيف القاسية في حق المغرب من طرف لوبي الرئيس السابق للاتحاد الإفريقي للعبة (الكاف) الكاميروني عيسى حياتو على خلفية طلب تأجيل “الكان”، وثانيا: النجاح في إحداث تغييرات كبيرة على جهاز (الكاف) وذلك بنسف لوبي حياتو وروراوة والمجيء برئيس جديد مع كسب أكبر عدد من الأصوات، و ضمان تواجد أكبر عدد من الأطر والمسيرين المغاربة بمختلف اللجان والمناصب المهمة، وثالثا: احتضان العائلة الكروية الإفريقية بالصخيرات عبر عقد مناظرة كرست هيمنة المغرب على (الكاف) ووضع تصورات ووجهة نظر حظيت بإجماع الأفارقة، وكان للمغرب اليد العليا في صياغتها، ورابعا: النجاح في التأهيل لكأس العالم بعد غياب دام عشرين سنة كاملة، وجعل الجميع ينخرط بكل قوة وراء الفريق الوطني حتى وهو يلعب وسط الأدغال الأفريقية.
المؤكد أن رهان لقجع القادم والمستقبلي، يتمثل في ضمان تمثيل يشرف المغاربة بأكبر محفل كروي عالمي وبطبيعة الحال هذا لن ينسيه المهام الأخرى المطروحة والعمل المستمر على أكثر من صعيد.
هذا هو فوزي لقجع البركاني الذي أظهر ذكاء غير مسبوق في تحويل موضوع كرة القدم إلى نقاش عمومي يهدف من خلاله، إلى جعل الجميع يؤمن بأن كرة القدم -كما تؤكد ذلك التجارب الناجحة دوليا- ليست مجرد لعبة وموعدا ينتهي بانتهاء 90 دقيقة، بل هي قطاع متكامل بأبعاد مختلفة مؤثرة ومساهم لا يستهان به في تحريك عجلة الاقتصاد، والأكثر من ذلك تحريك قوي للمشاعر ويمنح المواطن بمختلف الدرجات والشرائح لحظات الفرح والسعادة والافتخار بالانتماء لهذا الوطن.

محمد الروحلي

Related posts

Top