لوبيات النقل بالجديدة ترهق الساكنة وسط صمت السلطات

على مدى ثلاثة عقود من الزمن، بالجديدة، وبشكل غير مفهوم، يلفه الكثير من الغموض، وتثار حوله عشرات الأسئلة، يعيش سكان مدينة الجديدة إحدى أهم أقطاب السياحة والاقتصاد الوطنيين، جحيما يوميا مع وسائل النقل، وعلى رأسها سيارات الأجرة الصغيرة.

معاناة سكان هذه المدينة التي تحيط بجنباتها شركات ومؤسسات اقتصادية عالمية تروج ملايير الدراهم سنويا، ويتموقع في ترابها أكبر مركب سياحي على مستوى القارة الإفريقية، وتشهد زحفا إسمنتيا متسارعا، لا تنتهي، فكل شيء يتطور ويتحول فيها (الجديدة) إلا قطاع النقل الذي يزداد كل سنة تراجعا بشكل مخيف، حيث لا زالت سيارات الأجرة من الصنف الأول بدون عدادات، وحافلات النقل الحضري محدودة جدا وأسطول بمعايير لا تواكب المكانة الاستراتيجية للمدينة وحجم النمو الديمغرافي الذي تعرفه، إضافة إلى غياب كلي لسيارات الأجرة من الصنف الثاني داخل المدينة بخلاف باقي المدن  المغربية الأخرى.

فبعد أن استبشر سكان المدينة وأهلها خيرا، خلال أبريل الماضي بتحديد شهر يونيو الفائت لبداية اعتماد العداد بسيارات الأجرة، تبخر الحلم، ولم يكن الخبر إلا سرابا انضاف إلى سابقيه في هذا الشأن، قبل أن يتم الإعلان من جديد أن أكتوبر القادم سيكون الموعد النهائي لمواطني المدينة مع العداد، لعله يخفف من معاناتهم مع سائقي هذه الصنف وأثمنتهم المزاجية بشكل يومي.

 

ولو عدنا إلى تاريخ قصة العداد هاته، أو بالأحرى قصة سيارات الأجرة من الصنف الأول، فإنها تطرح الكثير من التساؤلات، حيث إنه منذ سنة 1992 تقرر اعتماد العداد، ورغم ذلك لم يتم تنزيل القرار، ولا تم تطبيق مقتضيات القرار الولائي رقم 4740 الذي وقعه والي جهة الدار البيضاء- سطات، لتنظيم عمل قطاع سيارات الأجرة بالجهة، وذلك لتفادي المشاكل التي أصبح يعاني منها كل من السائق والزبون، رغم ما عرفته المدينة من تغير لرجال السلطة والمنتخبين من كل الأطياف والألوان السياسية، خلال هذه المدة الطويلة، أي حوالي 30 سنة من قرار لم ير النور.

تثير قضية سيارات الأجرة التي لم يكتب لها بعد حلا، كثيرا من الأسئلة على كل القائمين على المدينة، سلطات ومنتخبين، عن أسباب رضوخهم جميعهم لرغبة أصحاب المأذونيات طيلة هذه العقود، من خلال عدم اعتمادهم العداد، ونهج المسؤولين سياسة اللامبالاة تجاه ما يحدث بالقطاع من تجاوزات خطيرة من طرف سائقي سيارات الأجرة من قبيل اعتماد تسعيرة عشوائية تتراوح من 10 حتى 30 درهما، مثلا ليتنقل زبون من أمام محطة القطار ينبغي أن يؤدي 10 دراهم للفرد الواحد حتى ولو كانت عائلة واحدة من ثلاث أفراد يتم احتساب التسعيرة ذاتها للفرد الواحد أي بمجموع 30 درهما، رغم أن المسافة قد لا تزيد عن 3 كيلومترات..

فبعد اجتماعات ماراطونية لأصحاب سيارات الأجرة مع السلطات، فرض المهنيون كل شروطهم لاعتماد العداد خلال الأيام القادمة، وبقي الأمر معلقا حتى الآن على شرط واحد رفضته السلطات ويلح عليه أصحاب سيارات الأجرة، ويتمثل في تحديد الحد الأدنى للتسعيرة في 9 دراهم لأي تنقل، في حين قررت السلطات أن يكون بين سبع دراهم وسبعة دراهم ونصف أسوة بباقي المدن المغربية، فهل سترضخ السلطات من جديد لجشع لوبيات سيارات الأجرة؟ هل تقبل بمطلبهم المجانب للصواب والاستثنائي على صعيد كافة التراب الوطني؟ هل قررت أخيرا القطع مع جشع هذه اللوبيات ورد الاعتبار للمواطن البسيط الذي سئم الدخول في نزاعات يومية مع السائقين؟ وهل فعلا سيطبق قرار إلزامية العداد ووفق الأنظمة الجاري بها العمل؟ أم إنه سيؤجل من جديد إلى تاريخ غير معلوم؟ هل يمكن تطبيقه وفق أهواء وجشع هؤلاء؟  

أسئلة وأخرى يطرحها كل مواطن جديدي وكل زائر لها.. وأخيرا، وفي إطار الاستجابة  لمطالب السكان المعقولة، هل ستتدخل السلطات والمنتخبون للتجاوب مع مطالب السكان المعقولة، للرقي بقطاع النقل الحضري إلى مكانة المدينة، وما بات يفرضه التطور الحضاري الكبير الذي بات يشهده الوطن، من خلال توفير وسائل نقل مختلفة بمستوى لائق تشتغل في إطار قانوني منظم، تلبي رغبات المواطن وتستجيب لاختياراته وقدرته الشرائية، بدءا من اعتماد أسطول حافلات للنقل الحضري بعدد كاف يربط كافة نقاط المدينة، ثم السماح لسيارات الأجرة من الصنف الثاني بالدخول للمدار الحضري للربط بين نقط بعيدة ومحددة على غرار باقي المدن (البيضاء، الرباط، سلا، مراكش…)، ومن ثمة تنظيم قطاع سيارات الأجرة من الصنف الأول، والرفع من عددها الحالي الذي لا يتجاوب مع حجم الكثافة السكانية بالمدينة -لا يتعدى عددها حاليا 500 مأذونية-، حتى يتم القطع مع كل التجاوزات اليومية وغير القانونية التي يقوم بها بعض أرباب هذا القطاع أمام أعين السلطات، والتي يسهل على أي مسؤول إثباتها من خلال زيارة خفيفة لمحطة القطار، ليعاين ماذا يحدث؛ وأول إشارة للقطع مع هذا اللوبي هو التعامل بحزم في تنزيل مقتضيات العداد وفق ما يجري به العمل بكافة المدن، والضرب بيد من حديد على كل من تجاوز القانون. فهل ومتى سيتم الكف عن حماية لوبي سيارات الأجرة والنقل والقطع مع الفساد بالجديدة؟

***

الحرشي بوشعيب عضو مكتب فدرالية جمعيات الأحياء السكنية بالجديدة : القطاع يعرف تسيبا ويجب وضع حد للفوضى

قال الحرشي بوشعيب، عضو مكتب فدرالية جمعيات الأحياء السكنية بالجديدة، إنه من ضمن الإشكالات المطروحة داخل مدينة الجديدة مشكل النقل الحضري، سواء على مستوى سيارات الأجرة من الصنف الأول (الطاكسي الصغير) أو وسائل النقل العمومية بكافة أشكالها بما فيها الحافلات.

وأكد الإطار المدني نفسه، الذي يشتغل على جودة الحياة داخل المدينة، في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن المواطنين والمواطنات بمدينة الجديدة، يعيشون معاناة حقيقية مع سيارات الأجرة الصغيرة، مبرزا أن الوضع يكون صعبا جدا خلال العطلة الصيفية حيث يتعذر التنقل داخل المدينة لفردين، حيث يمتنع أغلب السائقون عن التوقف للزبناء إن كانوا شخصين أو ثلاث.

وأضاف الحرشي، أن القطاع يعرف تسيبا على مستوى الأسعار، مشيرا أن أغلب سيارات الأجرة يختارون الأثمنة التي يريدون والوجهة التي يريدون، في غياب إطارات مرجعية، وعدم ترتيب الجزاءات اللازمة في حالة تقديم شكايات “وبالتالي هناك نوع من الفوضى في القطاع”.

واستنكر الفاعل الجمعوي ذاته، تعامل سائقي سيارات الأجرة على أساس أنهم يمتلكون المأذونيات، في الوقت التي لا تعدو أن تكون امتياز للنقل العمومي، لتقديم خدمة عمومية، “لكنها للأسف لا تلعب هذا الدور بل تلعب دورا مخالفا، يجعل المواطن رهينة لهذا القطاع” يقول الحرشي.

وعبر المتحدث نفسه، عن استنكاره لاستمرار سائقي سيارات الأجرة في اعتماد أسعار مرتفعة، بحجة أزمة ارتفاع المحروقات رغم الدعم الذي خصصته الدولة، مشيرا إلى أن السائقين يقولون بأن “الدعم يستفيد منه صاحب المأذونية فقط وليس السائق المهني، وبالتالي يفرض أثمنة على الزبون كأنه هو من شن الحرب في أوكرانيا ورفع من أثمنة البنزين والغازوال، وكأن الزبون حصل في ظل هذه الأزمة على زيادة في الأجور، فإن كانت الأزمة فهي أزمة على الجميع مواطنين ومواطنات بجميع أصنافهم”.

وأعرب بوشعيب الحرشي عن آماله بتجويد خدمات النقل العمومي، داعيا إلى اعتماد لباس موحد وتحسين السلوك، مشيرا إلى أن “هناك نوعا من الفوضى، وهناك أناسا داخل القطاع يرغبون فقط في الدخول في نزاعات مع الزبناء، وأن يفرضوا عليه الأثمنة التي يريدون”.

***

عبد القادر بلغيت الكاتب العام المحلي للنقابة الوطنية لسائقي سيارات الأجرة الصغيرة بالجديدة: التسعيرة الحالية في خدمة المواطن والعداد يجب أن يكون بشروط

 

تفاعلا مع سؤال عدم تفعيل العداد منذ إقراره سنة 1992 حتى الآن، وما يثيره من فرضيات شائكة، قال عبد القادر بلغيت الكاتب العام المحلي للنقابة الوطنية لسائقي سيارات الأجرة الصغيرة بالجديدة، إنه “منذ تعيين عامل جلالة الملك الحالي، في مدينة الجديدة سنة 2017، كان في حواراته واجتماعاته يركز على ضرورة تفعيل العداد في مدينة الجديدة، واستمرت المفاوضات طيلة هذه المدة، ثم جاءت جائحة كوفيد، ثم بعدها أزمة المحروقات، فكلما حددنا تاريخا ما لتفعيله يحدث عائق ما، أولا كوفيد ثم بعدها أعطينا وعدا بتطبيقه، وآخر اجتماع كان في رمضان الماضي، وقال لنا عامل الإقليم إنه في أواخر شهر يونيو يكون العداد موضوعا في سيارات الأجرة، والتزمنا معه بذلك”.

وأضاف النقابي بلغيت، والعضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل ورئيس الاتحاد النقابي والجمعوي لقطاع الطاكسيات الصغيرة بالجديدة، في تصريح لجريدة بيان اليوم، أنه: “بعدها دخلنا في أزمة ارتفاع الغازوال، واتفقنا في اجتماع أن يكون في شهر أكتوبر، حيث تم مناداتنا من جديد للحوار، وأخبرونا أنه يجب تفعيله في شهر أكتوبر، قلنا مرحبا لا يوجد أي مشكل، واتفقنا على التسعيرة حيث طالبوا منا أن نعتمد تسعيرة جهة الدار البيضاء سطات”.

وتابع المتحدث نفسه، أنه في جهة الدار البيضاء سطات يتحدد الحد الأدنى للتسعيرة في 7 دراهم ونصف، مبررا أنهم على مستوى مدينة الجديدة يطالبون بتحديد تسعيرة الحد الأدنى في 9 دراهم، مرجعا ذلك إلى ارتفاع أسعار الغازوال الذي يبلغ 15 درهم؛ وأكد بلغيت أن 7 دراهم ونصف لن تناسبهم إطلاقا، مشددا أنهم يختلفون إلى الآن مع السلطات في نقطة التسعيرة “أعطينا الموافقة المبدئية كي يكون العداد، لكننا نختلف في التسعيرة”.

وأوضح المتحدث نفسه أن تسعيرة الدار البيضاء تم تحديدها سنة 2012، حيث كان سعر الغازوال لا يتجاوز 7 أو 8 دراهم، أما الآن فيصل إلى 15 درهم، مؤكدا أنه بشكل شخصي”يشتغل بـ 8 دراهم للفرد، و10 لفردين، و3 أفراد بـ 15 درهم”.

وعن سؤال إن كانت التسعيرة التي أكد أنه يعمل بها هي المعتمدة من طرف الجميع، والتأكيد له بأن الجريدة عاينت بشكل مباشر اعتماد تسعيرات تصل إلى 30 درهما للأفراد الثلاث من أمام محطة القطار ولمسافة لا تتجاوز 3 كلم أحيانا، وأن أغلب سائقي السيارات الذين التقت بهم الجريدة يعتمدون سعر يتراوح بين 10 و15 درهما ويصل إلى 30 درهما من أمام المحطة، شدد النقابي بلغيت على أنه بشكل شخصي وإلى جانب العديد من زملائه يعتمد التسعيرة التي كشف عنها، معبرا عن عدم اتفاقهم داخل النقابة مع “فئة خاصة بمحطات القطار وإن كانت تبرر تسعيرتها بانطلاقها من مركز المدينة نحو المحطة دون أن تنقل أي زبون، وأحيانا يتأخر القطار ولا يأتي في الموعد وأحيانا يتأخر لمدة ساعة”، مضيفا: “لا نوافقهم في هذا الطرح، نقول لهم يمكن أن تحددوا التسعيرة في 15 درهم لثلاث أشخاص”.

وقال بلغيت: “من تجربتي الشخصية، أنا سائق مهني ممارس، أشتغل بالطريفة العادية، 8 دراهم و10 و15 درهم، وأحيانا ثلاث أشخاص في مركز المدينة يمكن أن أستخلص منهم 12 درهم فقط، وفي المسافات الطويلة 15 درهم، وفئة عريضة تشتغل بهذه الطريفة، لكن يوجد بالفعل متجاوزن، ففي أي قطاع يوجد الصالح والطالح، أتفق معك، هناك فئة قليلة تبالغ، فتطالب بـ 20 درهم و30 درهم، فهذه من بين الأسباب التي أثارت مشكلة ضرورة استخدام العداد، فنحن سنقطع مع هذه المسائل، مع العداد القانوني، بشروطنا، فنحن لدينا شروط من بينها أولا أن يعطونا ضمانات أنهم سيحاربون الطاكسي الكبير لأنه “يتجول داخل المدينة”، فعندما سيسجل العداد على الزبون الثمن العادي سيلجأ حينها (الزبون) للطاكسي الكبيرة، وتوجد ساحة أحفير قرب الملاح، توجد فيها محطة طاكسيات كبيرة، سيتوجه لها المواطنون، فنطالب بإزالة محطة أحفير من ذلك المكان، بالإضافة إلى وضع تسعيرة تلائم ثمن الكازوال الجديد”.

واعتبر بلغيت، أن “التسعيرة الحالية في خدمة المواطن، إلا أن بعض الإخوة الذين شوهوا الحرفة، ففئة تدفع بدلا عن فئة أخرى، فمثلا وأنت تقل شخصا إلى مكان ما بـ 15 درهم، فأنت تنقل معه اثنين بـ 10 دراهم، هذا العداد تم تفعيله في 1991، لكن رفضه المواطن،  فعندما تقف لتحمله يتساءل هل بالعداد أم بدون عداد، فإذا قلت له العداد يغلق الباب ولا يركب، وينطلق وهو يراقب العداد”.

وكشف بلغيت، أنهم قاموا أول أمس الأربعاء باجتماع مع باشا مدينة الجديدة، مبرزا أن آخر المستجدات هي إصرار العامل على تفعيل العداد في أكتوبر، وأن هذه التسعير قابلة للنقاش، “يمكن أن نخفض منها قليلا، فطالبنا بمهلة لنعقد اجتماعا مع الإخوة ونرى بما سنخرج”.

وقال بلغيت: “نحن نريد أن تساعدنا الحافلات، فلماذا يوجد كل هذا اللغط حول الطاكسي الصغيرة؟، لأننا حاليا نتوفر على 520 طاكسي فقط، والمدينة اتسعت، فهذا العدد لا يكفي لتغطية المدينة ككل، ففي الصيف كان لغط كثير حول الطاكسي الصغيرة، لأنه لا توجد شركة حافلات عمومية قوية لتساعد… خاصة في النواحي، فالجديدة تحيط بها مناطق عديدة، كدوار الشهب ودوار الطاجين والغربة والحي الصناعي، فمن يقطن هناك؟ المستوى المادي هناك منخفض، ويطالبك بأن تنقله لـ 8 كيلومتر بـ 10 وهو أمر صعب جدا”.

وشدد بلغيت على رفضهم وجود سيارات الأجرة من الصنف الثاني داخل المدار الحضري بشكل مطلق، معتبرا أن المدينة لا تسمح بذلك، “فالطاكسيات الكبيرة إذا ما منحتها خطا ما سيضيع لك كل الزبناء، هم الآن يشتغلون في حي المطار وحي السلام بشكل غير قانوني، وعندما ستمنحهم خطا قانونيا سترى حينها إلى ما سيؤول إليه الوضع، نحن نرفضهم بشكل بات، لأنهم إذا ما دخلوا المدينة سيضيع عملنا نحن”.

 

Related posts

Top