ماستر السرد والثقافة بالمغرب يناقش بكلية الآداب بني ملال: “مشتركات الموروث الثقافي في الحضارتين العربية والغربية”

احتضنت كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، يوم الاثنين الماضي 4 نونبر الجاري، درسا افتتاحيا حول مشتركات الموروث الثقافي في الحضارتين العربية والغربية، قدمه الأكاديمي والمفكر والأديب الإيطالي الدكتور ألدو نيقوسيا، أستاذ اللغة العربية بكلية العلوم الإنسانية بجامعة باري الإيطالية.
واشاد محمد بالأشهب عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، في كلمته الترحيبية، بالاطلاع الواسع لضيف اللقاء الأكاديمي ألدو نيقوسيا على الثقافة المغربية في كثير من مفاصلها، مشيرا إلى أنه يمثل ثروة وخبرة في التجربة المغربية، خصوصا فيما يرتبط بالماستر.
من جهته، تطرق عبد العزيز القاسمي أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بني ملال، عن أهمية الأعراف والتقاليد في الثقافة المغربية خاصة، وفي الثقافة العالمية عامة، مبرزا أن هذا الدرس الافتتاحي جاء ليقف عند أصول التقاليد المغربية، مشددا على أن التكامل والتثاقف والتلاقح هو الإطار العام الذي ينبغي أن يفتح لنا آفاقا في البحث الأكاديمي.
وفي سياق متصل، تقدمت الطالبة الباحثة هند الراضي عن الفوج الخامس للماستر بكلمة عبرت من خلالها عن أهمية هذه اللقاءات التي تحتضنها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال، مشيرة إلى العناية التي يوليها المختبر والماستر لمثل هذه اللقاءات الأكاديمية باستضافة الأيقونات الأدبية والفكرية من المغرب وخارجه.
ومن جهة أخرى، عبر عبد الرحمان غانمي منسق الماستر ومدير مختبر السرد والأشكال الثقافية، عن كون ضيف هذا اللقاء، الأكاديمي ألدو نيقوسيا، هو ضيف استثنائي باعتباره يتحدث عن الثقافة المغربية باللغة العربية، وهو مهتم أيضا باللهجات المغربية، وأن أطروحته لنيل درجة الدكتوراه قد تضمنت جزءا مهما باللغة العربية، فضلا عن اهتمامه بكثير من المتون المغربية التي تناولها بالترجمة والتحليل، وكان له شغف وعشق اللغة العربية منذ سن مبكر.
وفي سياق آخر، أشار عبد الرحمان غانمي إلى أن جينات الثقافة المغربية هي جينات منفتحة، وفي ذات الوقت متجذرة وراسخة تكشف عن العمق الثقافي المغربي، مؤكدا على أن اللغة العربية لم ترتبط أبدا بالعرق، والدليل على ذلك كون العديد من العلماء والأدباء لم يكن أصلهم عربي بالمعنى العرقي، لكنهم أبدعوا باللغة العربية.
وفي الصدد ذاته، أضاف أن الكثير من الجامعات الغربية كانت تدرس علومها باللغة العربية، والعديد من المسيحيين كان لهم الأثر الكبير في تطوير اللغة العربية، منتقلا إلى الحديث عن أن المختبر فتح العديد من القنوات في إيطاليا وإسبانيا، وهذا كله يخدم التلاقح الثقافي والحضاري ويعزز الفائدة لصالح الطلبة والباحثين.
واختار الأكاديمي ألدو نيقوسيا الحديث في بداية مداخلته عن أصله الذي يعود إلى صقلية وعن ارتباط هذه الجزيرة الإيطالية بالتطريزة الصقلية المعروفة في مدينة فاس، وأيضا عن عائلة الصقلي المعروفة بالمغرب، يقول الأكاديمي ألدو في هذا السياق: “أنا من جزيرة صقلية، وسكان فاس يعرفون التطريزة الصقلية، ولقب الصقلي الذي أثار استغرابي في أول مرة سمعته، راجع إلى أن عددا من سكان المغرب لهم أصول صقلية ربما كانوا مطرودين منذ القرون الوسطى بسبب محاكم التفتيش، والتاريخ مليء بهذه الوقائع المؤلمة، وعندما أتحدث مع سكان شمال إيطاليا وأخبرهم بأنني من الجنوب يقولون أنت لست من الجنوب بل من الشمال، عندما أسألهم كيف ذلك؟ يردون بأنني من شمال إفريقيا، مبررين ذلك بمجموعة من العناصر الثقافية التي تتميز بها صقلية، منها ملامح الوجه، فنحن في جنوب إيطاليا قريبون جدا في السمات الثقافية من بلدان شمال إفريقيا، كما أن جزءا كبيرا من الثقافة الصقلية هو عربي، وقد كان هناك شعراء صقليون عرب منهم ابن حامديس في القرن الحادي عشر الميلادي، وأيضا رحالة مغاربة منهم ابن جبير الذي وصف العديد من المدن الصقلية”.
وبشأن اللهجة الصقلية، يقول ألدو نيقوسيا: “أثبتت دراسة علمية في الثمانينات في بحث سوسيولساني أن اللهجة الصقلية تتضمن أكثر من ستمائة وخمسين كلمة من أصل عربي، وأحد جيراني في صقلية اسمه مولاي، وأيضا هناك اسم مرابطو التي أصلها مرابط، كما أن هناك موروثا عربيا في أسماء الأماكن والمدن الإيطالية التي تبدأ بكلمة مرسى مثل: مرسالا، مرسا ميمي وأيضا كلمة قلعة، كالطا بالإيطالية، فكل يوم نمتص الحضور العربي العريق منذ قرون”.
وأكد الأكاديمي الإيطالي على اعتزازه باللغة العربية كونه يتحدث بها دائما عندما تتم استضافته من قبل البلدان العربية: “في كل المؤتمرات العربية أفضل أن أتكلم باللغة العربية عوض التكلم بالإنجليزية أو بالفرنسية وهذا اختيار مبدئي، يعكس تكريمي للبلد الذي يستضيفني، وهذا شيء من أساسيات الأخلاق والآداب”.
وفي الشأن ذاته، تحدث ألدو نيقوسيا عن الموروث الثقافي المشترك في الحضارتين العربية والغربية، معرفا كلا من المفهومين الثقافة والحضارة، وفي هذا الباب يقول: “هناك ثلاثة مفاهيم معقدة وصعبة جدا في عنوان هذا اللقاء، المفهوم الأول هو الثقافة، ما هي الثقافة؟ بالنسبة لي الثقافة هي كل ما تبقى لنا بعدما نسيناه في المدرسة، نحن ناسين والنسيان أحيانا يبقى ضروريا لتجنب الجنون، كما أن الذاكرة أيضا ضرورية فهي حافظة للهويات والانتماءات، نحن لا ننتمي إلى بلد واحد بل ننتمي إلى بلدان وثقافات كثيرة، ونتكلم لغات مختلفة، ونحن نتماهى مع هذه اللغات ومع هذه الثقافات، ما هي الحضارة؟ الحضارة هي ما تبقى في قلوبنا وفي وجداننا من أخلاق وآداب بعد أن دهستنا ظروف الحياة، فالحضارة ليست مجرد آثار، فكل السياح الذين يزورون المغرب يذهبون إلى المآثر التاريخية وينسون الأشخاص والسكان البادين أمامهم وهذا يعكس أحيانا نظرة متكبرة، فكما يقول باولو كويلو: “السائح إنسان غير أخلاقي”، لأن السائح يهتم بالصخور بالهياكل وينسى كل ما يدور حول الصخور”.
وأبرز ألدو نيقوسيا في معرض حديثه جانبا من الثقافة المغربية من خلال فيلم مغربي قصير يروج لهذه الثقافة بشكل فني: “أتذكر فيلما مغربيا من الثمانينات عنوانه L’exposé للمخرج إسماعيل فروخي، هذا الفيلم يقدم مفهوم الثقافة والحضارة المغربية بشكل ملموس ومتعدد الأبعاد، يتحدث الفيلم عن طفل من أصل مغربي مقيم في فرنسا تكلفه المعلمة بإنجاز عرض يصف من خلاله بلده الأصلي، يطلب التلميذ من والدته الأمية أن تساعده فتهتدي إلى حل مفاده أن تطبخ له طبق كسكس ويقدمه أمام زملائه في المدرسة”.
ثم عرج الأكاديمي الإيطالي المهتم بالثقافة المغربية بعد ذلك على التحديات الثقافية التي صارت تواجه الجيل الحالي والأجيال القادمة مع ظهور نزعة واضحة إلى عولمة العادات وتنميط الثقافة، خصوصا مع انتشار الحضارة الرقمية والافتراضية التي أفرزت تواصلا سطحيا باردا، لذا صارت الضرورة ملحة على أن ندافع على ثقافتنا ضد كل أشكال الطمس، يقول في هذا السياق: “نحن نعيش حضارة رقمية وافتراضية خطيرة جدا، نحن منغلقين على أنفسنا ونتفرج على شاشاتنا كل الوقت وهذا هو التواصل الافتراضي، أو ما يعرف بشبكات التواصل الاجتماعي، في نظري هذه التسمية زائفة، لا يوجد تواصل بالنظر إلى الشاشة، هذا تواصل سطحي لا يصل إلى العمق، التواصل يتحقق عن طريق العلاقة الفعلية الحضورية، وقد وجدت في المغرب أن هناك نزعة إلى عولمة العادات، كل الأشخاص يتصرفون بنفس الطريقة، ممكن قبل ثلاثين أو أربعين سنة كان الناس يتصرفون بشكل مختلف بمعنى كانت هناك فروقات بين بلد وآخر، وهذه الظاهرة خطيرة تكشف عن فقدان الهوية وغياب أية ملامح خاصة، فالتحدي الكبير خاصة بالنسبة للأجيال الجديدة هو أن نفهم الحضارة الحية والحضور الحي، لذلك أقول ينبغي على كل مواطن أن يدافع عن ثقافته، عن حضارته ضد الطمس والدهس القادم من الثقافات الأخرى، مثلا نحن في إيطاليا نستعمل كلمات إنجليزية خاصة في مجال الإعلانات والإشهار وكذلك في السياسة، لأن الكلمة الإنجليزية يكون لها وقع ناعم وخفيف ومحبَّب لدى المتلقي عوض استعمال الكلمات الإيطالية التي لها وقع صارم وقوي، في الواقع نحن نعيش باللغة في إطار من الكلمات، وكل أفكارنا تقود تصرفاتنا حسب الكلمات، لكن الكلمات تصف الواقع بطريقة سطحية، نحن نحتاج ثقافة متعددة الأبعاد”.

Top