انطلقت يوم الاثنين في فرنسا حملة انتخابية «خاطفة» هزت المشهد السياسي الفرنسي، والتي ستستمر ثلاثة أسابيع قبل موعد التصويت للانتخابات التشريعية في 30 يونيو، والتي أعلن عنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مجازفة رئاسية كبيرة، حيث قرر الأخير حل الجمعية الوطنية والدعوة لانتخابات تشريعية تضع اليمين المتطرف في موقع قوة وتغرق البلاد في غموض سياسي.
يأتي ذلك عقب اكتساح حزب التجمع الوطني اليميني انتخابات البرلمان الأوروبي في فرنسا، محرزا 31.4% من الأصوات، ومتفوقا على حزب النهضة الرئاسي الذي حل ثانيا بنسبة 14.60% من الأصوات، في حين احتلت قوائم اليسار المركزين الثالث والرابع.
مباشرة بعد هذا الفوز الكاسح، أعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في خطاب موجه للشعب الفرنسي حل الجمعية الوطنية، وإقامة انتخابات تشريعية خلال 3 أسابيع.
ورغم الصعود القوي لليمين المتطرف في السنوات التي تلت وصول ماكرون، فإن الاكتساح الكبير لحزب مارين لوبان للانتخابات الأوروبية شكل صدمة في الأوساط السياسية والإعلامية في فرنسا، وما زاد من الصدمة هو إقدام ماكرون على حل البرلمان الفرنسي رغم التوقعات التي كانت تشير إلى عكس ذلك، حتى في حالة تلقي حزبه هزيمة في هذا الاستحقاق الانتخابي.
لقد فجر ماكرون مفاجأة من العيار الثقيل عندما أشهر هذا السلاح الدستوري الذي نادرا ما يستخدم في فرنسا بعد الفوز الكاسح للتجمع الوطني اليميني المتطرف في الانتخابات البرلمانية الأوروبية بحصوله على عدد أصوات يفوق ما جمعه حزب «النهضة» الرئاسي بمرتين، مع 31.36 بالمئة و 14.60 بالمئة على التوالي.
لقد استطاع حزب اليمين المتطرف، يقول الأستاذ عمرالمرابط خبير في الشأن الفرنسي، ونائب عمدة سابق بجنوب باريس، «التحول من حزب معارض صغير إلى تشكيلة سياسية محورية في المشهد الفرنسي باستطاعتها تولي السلطة».
فتصويت الأشخاص على هذا الحزب خاصة بفرنسا، يقول الأستاذ عمر المرابط، في حديث لبيان اليوم، راجع إلى دفاعه القوي على مصالح فرنسا في الاتحاد الاوروبي أكثر من الأحزاب الأخرى، مضيفا أنها «ضربة استباقية لليمين المتطرف في فرنسا خاصة أمام حزب النهضة الرئاسي والذي عرف خسارة 81 مقعدا على الأقل».
وأشار المرابط إلى الاستطلاع الذي سجله «الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد،» والذي يضم حزب «فرنسا الأبية» و«الحزب الشيوعي» و«الحزب الاشتراكي» و«الخضر»، موضحا أنه في دول أخرى أوروبية، تأكد الزخم الذي يحضى به اليمين المتطرف، لا سيما في ألمانيا حيث صعد حزب البديل من أجل ألمانيا إلى المركز الثاني متقدما على الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة المستشار إولاف شولتس، دون الإخلال بالتوازنات الرئيسية.
من جانبه، يرى الدكتور محمد الغالي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن تصاعد اليمين المتطرف في الاتحاد الأوروبي، راجع بالأساس إلى ظهور مؤشرات عدم قدرة الاتحاد على التحكم في مجموعة من المخاطر المتعلقة بالأمن القومي الأوروبي، كالأزمة الروسية الأوكرانية، وتصاعد حملات الهجرة السرية، وإخفاق الاتحاد الأوروبي في تحقيق معدلات متقدمة على مستوى النهوض بالأوضاع الإنسان الأوروبي، وزيادة مجموعة من الأزمات التي توالت والتي عرفها العالم، سواء على شكل حروب وصراعات ونزاعات أثرت على مستوى أسعار الطاقة، وإدارة وتدبير جائحة كورونا وتداعياتها على الأزمة العالمية.
وأوضح الدكتور محمد الغالي أن صعود اليمين المتطرف في كل من ألمانيا والسويد وهنغاريا وسلوفاكيا، وبالخصوص إيطاليا والتي استطاع فيها اليمين المتطرف رئاسة الحكومة مع جورجينا فيلوني، أفرز تصاعدا مضطردا لليمين في دول أخرى كفرنسا والتي عرفت تصاعد اليمين المتطرف بقوة كبيرة، ومن الممكن أن لا يتجاوز هذا الصعود المضطرد 23 إلى 30 بالمئة، ولكن مع ذلك هناك قلق وحيرة من تصاعد اليمين المتطرف الذي له أيديولوجية فاشية، خاصة ضد المهاجرين أو الأجانب ومحاولة الرجوع للجذور المحافظة في الاتحاد.
فخروج بريطانيا من خلال البريكسيت شجع مجموعة من الأصوات اليمينية المتطرفة داخل مجموعة من دول الاتحاد أن تختار مصيرا آخر غير مسار الاتحاد الاوروبي، وبالتالي يرى الغالي أن هذا التصاعد المضطرد لليمين المتطرف له بدون شك تأثيرات جيوسياسية استراتيجية ليس فقط على العلاقات الداخلية بين دول الاتحاد ولكن في علاقات الاتحاد الاوروبي مع الاتحادات العالمية الأخرى وبالتكتلات الاقتصادية سواء في قواها العظمى (أمريكا، الصين …..) وغيرها من التكتلات الأخرى.
>هاجر العزوزي