< بداية، لابد أن نتحدث عن تنظيم هذا المحفل الدولي والوطني في ظل الظروف الصحية الراهنة الحالية، كيف استطعتم مجابهة هذه التحديات وتنظيم هذه الدورة؟
>> في الحقيقة لم يكن الأمر سهلا، ولم نستطع السنة الماضية تنظيم منتدى على غرار السنوات السابقة، نظمنا فقط تظاهرة فنية طالت الفنون التشكيلية، حتى لا نقول إنه لم يكن هناك أي نشاط طوال العام.
هذا العام بفضل رعاية جلالة الملك، وما تعطينا من قوة وحماسا وتشجعنا على المضي قدما فيما نحن بصدده، لذلك هذا الموسم بدأنا نتحمس له بفضل التحسن الذي نلاحظه ويلاحظه العالم بأجمعه في الطريقة التي يعالج بها المغرب الجائحة وتموقع المغرب الآن في المنطقة الخضراء، ثانيا سمعة المغرب كبلد آمن مستقر وكبلد في طريق النمو، هو نمو يفوق النمو التقليدي المتعارف عليه،حيث هناك طفرة في المملكة المغربية في جميع الميادين، وهنا الرغبة في ركوب كوكب آخر أكثر تقدما وأكثر تطورا، ومن تم عندما وجهنا الدعوات إلى كثير من الأكادميين والباحثين والسياسيين أيضا، والقيادات التي تهتم بقضايا التنمية والأمن وقضايا الاستقرار، كانت الاستجابة جيدة جدا، مما شجعنا أن نمضي قدما في التحضير لهذا الموسم.
واخيرا قررنا أن نقسم الموسم إلى دورتين، باعتبار أنه ستكون هناك كثافة كبير في موسم واحد من المواد في الفنون وفي العلوم وفي مختلف الجوانب التي يتناولها الموسم كل عام… هذه العوامل دفعتنا إلى أن ننظم الموسم الذي تراه الآن. واعتقد أن الموسم لا يختلف عن السابق إلا في حجم الحضور، قبل الآن كنا نستقبل 400 إلى 500 مشارك خلال شهر كامل، هذا العام نستقبل حوالي 300 مشارك خلال الثلاث أسابيع فقط.
< كسياسي ووزير سابق، في رأيكم كيف تقيمون إستقرار المملكة المغربية، وما هي سبل الاستقرار بالمنطقة؟
>> الاستقرار في المغرب هو حصيلة رؤية وسياسة وتوقعات، المغرب دخل منذ أمد غير قصير وخاصة في العشرين سنة الأخيرة في ممارسة ديموقراطية هي الأساس ربما في تأمين الأمن والاستقرار، ويساهم في هذه الحركية الديموقراطية كل الفاعلين في البلاد من سياسيين واقتصاديين وجمعويين وكل المنظمات الأخرى.. هذا في حد ذاته أحد العوامل الرئيسية في ضمان الاستقرار في أي بلد.
ثانيا هناك وفق ما نسمعه وما نقرأه في كل المنابر الاقليمية والدولية وطبعا الوطنية؛ المغرب في تقدم مستمر، هناك انتقادات توجه هنا وهناك لجماعات سياسية ولكن الواقع لا يرتفع، المحصول الزراعي هذا العام كان استثنائيا مثلا، الطريقة التي قام بها المغرب في إنجاز البنيات التحتية في البلاد كانت هي كذلك استثنائية، التجارة التي تطال مختلف القطاعات في تطور، أنا لا أقول بأننا وصلنا القمة ولكننا في تطور، أي هناك دينامية هناك حركية هناك أيضا طموح.. أنت تعلم أن أساس التطور والتقدم يبدأ بالأمل والطموح والتفاؤل وهذا متوفر الحمد لله وموجود وقائم…
< أي دور للثقافة ومثل هذه المبادرات بالذات في محاربة التطرف والإرهاب؟
>> أعتقد أن عدو التطرف الأول هو الحرية، البلد الحر لا مكان فيه للتطرف، فهو يأتي من خلال العصبيات سواء السياسية أو الإثنية أو الطبقية، ومن خلال صدام الآخر مع الآخر.
عندما تكون هناك حرية ويكون هناك تعليم، وتكون هناك وسائل لتحسين الذات لا أعتقد أن التطرف حينها يستطيع أن يترعرع، هو موجود في كل مكان، فأنا أعتبره مظهرا من مظاهر الضعف مثل الطفل الصغير حينما يحب مواجهة الإنسان الكبير يحاول أن يضربه بحجرة مثلا، يستعمل هذه القوة التي هي أكبر منه لأنه ضعيف، وكذلك الأمر في كل السلوكات الأخرى حينما لا نستطيع أن نعبر وأن نمارس ما نود ممارسته بصراحة وبأمن وبسلام نلجأ إلى العنف والتطرف والوسائل التي تؤدي إلى ما نشاهده الآن في كثير من بقاع العالم.
< أي تأثير ووقع لهذا المحفل السنوي على مدينة أصيلة والوطن؟
>> المرحوم الفنان الكبير محمد المليحي وأنا حين جلسنا سنة 1978 وبدأنا نفكر في مختلف السبل التي قد تساعدنا على التغلب على ما كنا نعيشه في أصيلة التي كانت تحتاج لكل شيء.. لم يكن هناك ماء صالح للشرب، الكهرباء ضعيفة، الصرف الصحي كان غير موجود…
لم تكن هناك ثانوية بالمدينة، أنا أتكلم عن الثمانينات، بدأنا بمقولة لم يستصغها إلا قليلون، وهي توظيف الثقافة والفن من أجل التنمية، وبدأنا بإنجاز الجداريات ودعونا مجموعة من الفنانين الكبار، كثير منهم رحمهم الله “محمد شبعة، ميلود ابيض وغيرهم..”، فهذا المدخل لإيقاظ اهتمام الناس بأنفسهم، فهم يشاهدون صباغة الجداريات! شيء جديد! هذا دفعهم لطرح سؤال لماذا؟ قلنا لهم إن مدينتكم جميلة وتكون أجمل حين تكون نظيفة، فبدأ الناس ينظفون شوارعهم وأزقتهم…
هذه بداية، ثم انتقلنا من هذا المستوى إلى تنظيم ملتقى حقق لبلدنا المغرب أرضية للحوار مع النخب في كل أنحاء العالم، هذا لم يكن متوفرا حين إذن، ومن خلال ذلك نوفر لمدينتنا سبلا جديدة للعيش وللكسب كما لو كانت سياحية، إلا أنها سياحة ثقافية مفيدة، وطبعا استجابت الدولة وبدأت تتحسن الكثير من الهياكل الحياتية بالبلاد، ونحن أيضا بدأنا نتلقى الكثير من المساعدات وقليلا تغير البلد.
حين بدأنا كان في أصيلة 17000 من السكان أما الآن فهم 40000، ظروفهم المعيشية تغيرت، والأحسن من ذلك نوعية الحياة تغيرت، بيئة نظيفة، الأطفال يمشون على أرض نظيفة بل وفيها رسوم لفنانين، هناك إنارة عامة، ماء صالح للشرب، هناك الغذاء الكافي وهناك موارد للعيش تزداد… أنا بكل تواضع أقول أن سبب ذلك بالأساس هو تعبئة الوعي عند الإنسان، والوعي يأتي عن طريق التثقيف والإبداع والابتكار… بدأنا نزرعه عند الأطفال الذين تراهم الآن كبارا يدبرون نشاطات هذا الموسم، منهم أطباء وكبار صحفيين.. كان عمرهم آن ذاك 10 سنوات و8 سنوات، حين بدأنا وهذا كان غرضنا، أن نهيئ جيلا جديدا من الذين يحبون مدينتهم ويؤمنون بأن الثقافة والفن مورد مثله مثل النفط والذهب والفضة.