أجمع عدد من المتدخلين في لقاء نظمته سفارة فلسطين بالرباط الجمعة الماضي، على ضرورة بذل الجهود اللازمة لوقف العدوان الغاشم المستمر منذ أزيد من سنة على قطاع غزة، واستمرار حرب الإبادة الجماعية في حق أبناء الشعب الفلسطيني.
وندد المتدخلون من دبلوماسيين وسياسيين وفاعلين مغاربة وفلسطينين بالحرب الهمجية التي تخوضها قوات الاحتلال الإسرائيلي وكذا جرائم الحرب المستمرة منذ أزيد من 422 يوما بغزة بدون أي تدخل دولي أو إدانة دولية لهذه الانتهاكات المتواصلة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
وبعدما أشاروا إلى تواطؤ القوى الغربية مع جيش الاحتلال في توريد الأسلحة وإعطائه الشرعية والتغاضي عن جرائم الحرب التي يرتكبها باستمرار عبر استهداف المدنيين واستهداف النساء والأطفال بشكل ممنهج، شدد المتدخلون في الندوة التي احتضنتها المكتبة الوطنية للملكة المغربية على ضرورة تغيير الوضع من التفرج على انتهاكات الاحتلال إلى مقاطعته وعزله عن النظام الدولي ووقف التطبيع معه على كافة الأصعدة وإنزال عقوبات دولية شديدة به من أجل تحقيق العدالة ووقف العدوان على غزة.
إلى ذلك، توقف المتدخلون عند الجهود المبذولة من أجل الدفاع عن القضية الفلسطينية وكذا المساعدات المستمرة للمغرب في إغاثة الشعب الفلسطيني ودعم صموده عبر كثير من المبادرات التي يقودها الملك محمد السادس، معبرين عن أملهم في بلورة مبادرات جديدة من أجل وقف العدوان.
في هذا السياق، جدد محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية التأكيد على الموقف الثابت والداعم للقضية الفلسطينية، معربا عن تضامنه المطلق واللامشروط مع الشعب الفلسطيني الذي يواجه منذ عقود أبشع أشكال الظلم والاضطهاد.
وأكد بنعبد الله أن نضال الشعب الفلسطيني يمثل قضية عادلة متجذرة في وجدان أمة تنتهك حقوقها منذ 76 عاما، مشددا على أن المقاومة الفلسطينية ليست مجرد رد فعل، بل هي تعبير عن صمود شعبي يعكس إرادة قوية في مواجهة الاحتلال والعدوان.
وأشار بنعبد الله إلى أن الحرب الوحشية التي تشنها قوات الاحتلال لن تزيد الفلسطينيين إلا تمسكا بأرضهم وحقوقهم، مهما بلغت شدة العدوان. ووصف هذه الحرب بأنها “إبادة جماعية” و”جرائم ضد الإنسانية”، مؤكدًا أنها تُرتكب أمام مرأى ومسمع العالم، في ظل صمت دولي مخجل يشكل وصمة عار على جبين الإنسانية.
وفي كلمته خلال اللقاء، دعا بنعبد الله إلى استمرار النضال من أجل دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته، معتبرا أن القضية الفلسطينية ليست قضية تخص الفلسطينيين وحدهم، بل هي معركة إنسانية تهم جميع الشعوب الحرة. كما شدد على أهمية تكثيف الجهود الدولية لفضح الجرائم المرتكبة بحق المدنيين الأبرياء، الذين يدفعون يوميا ثمن الاحتلال الوحشي.
وبعث بنعبد الله برسالة تضامن ثابتة تعكس التزام حزب التقدم والاشتراكية الدائم بمساندة الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع لاستعادة حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، مؤكداً أن هذه القضية ستظل أولوية على أجندته الوطنية والدولية، وأن العدالة لا بد أن تنتصر مهما طال الزمن.
كما جدد التعبير عن تضامن الحزب مع نضالات وحقوق الشعب الفلسطيني إلى حين تحقيقها وفي مقدمتها ضمان حق العودة وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة وعاصمتها القدس.
إلى ذلك، أشاد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية بالرسالة التي وجهها الملك محمد السادس إلى رئيس لجنة الأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، معتبراً أنها تعبر عن موقف تضامني صادق ودعم لا مشروط للشعب الفلسطيني، وتدين العدوان المستمر عليه. كما تضمنت الرسالة دعوة واضحة للمجتمع الدولي للعمل على الإيقاف الفوري للحرب وتأكيد حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة.
وسلط بنعبد الله الضوء على المآسي الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون اليوم، خاصة في غزة، حيث تتعرض المدينة لتهجير وتقتيل وتجويع غير مسبوق، بالإضافة إلى تدمير منهجي وقصف همجي يطال المستشفيات والمدارس ومناطق اللجوء. معتبرا أن هذه الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين “جرائم حرب”، بما فيها حرق الناس وهم أحياء ومنع المساعدات الإنسانية، التي هي جرائم تتجاوز كل الحدود في انتهاك صارخ لأبسط قواعد القانون الدولي الإنساني.
وأكد المتحدث أن ما يحدث في غزة يمثل كارثة إنسانية وسياسية وأخلاقية لم يشهد لها العالم مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية، معتبراً أن السكوت الدولي، وخاصة من طرف الدول التي تزعم الدفاع عن الحرية والديمقراطية، هو تواطؤ مخزٍ. وانتقد بشكل حاد دعم بعض القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، للكيان الصهيوني، سواء عبر المال أو السلاح أو الترويج لروايات مضللة تبرر العدوان.
في هذا الصدد، دعا بنعبد الله إلى تفعيل القرارات الدولية التي تضمن العدالة للضحايا، مشددًا على ضرورة تنفيذ مذكرتيْ الاعتقال الصادرتين عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، كخطوة حاسمة لتكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب.
وشدد زعيم حزب التقدم والاشتراكية على أهمية تصعيد الضغط الدولي لعزل الكيان الصهيوني، بما في ذلك تجميد عضويته في الأمم المتحدة، وفرض عقوبات اقتصادية وتجارية مشددة عليه. كما دعا إلى وقف جميع أشكال التطبيع والدعم المالي والعسكري والإعلامي المقدم لهذا الكيان الذي يقوده مجرمو حرب، مؤكداً أن هذا الدعم يعد خيانة للمبادئ الإنسانية والعدالة.
كما طالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته الفورية في حماية الشعب الفلسطيني الأعزل، والعمل على إيقاف المجازر والجرائم التي يرتكبها الاحتلال بشكل ممنهج. مشيرا إلى أن استمرار صمت العالم أو دعمه لهذه الانتهاكات يعد مشاركة ضمنية في تلك الجرائم، ومخالفة للقيم الإنسانية والقانون الدولي.
وفي السياق ذاته، شدد بنعبد الله على ضرورة التزام الكيان الصهيوني باحترام السيادة اللبنانية واتفاق وقف إطلاق النار الذي فُرض بعد العدوان الأخير. وأكد أن الاحتلال لن ينجح في تحقيق أهدافه العدوانية، لا في لبنان ولا في فلسطين، مهما طال أمد الصراع.
وخلص المتحدث إلى أن الصمت الدولي لم يعد مقبولاً، وأن التاريخ سيسجل مواقف الجميع، محذراً من أن استمرار التواطؤ أو التخاذل أمام هذه الجرائم البشعة سيُدان من قبل الأجيال القادمة. وشدد على أن الوقت قد حان لاتخاذ خطوات جريئة وعملية من أجل إنهاء حرب الإبادة الجماعية وضمان الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.
من جانبه، وفي رسالة وجهها للمشاركين في اللقاء، تلاها مدير مركز الأمم المتحدة للإعلام بالمغرب، فتحي الدبابي، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن التضامن مع الشعب الفلسطيني وحقوقه غير القابلة للتصرف في العيش بسلام وأمن وكرامة سيتواصل، مشيرا إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل يومي، و”هذا أمر مروع لا يمكن تبريره”.
وزاد غوتيريش في نص رسالته بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، إنه بعد مرور أكثر من عام، أصبحت غزة بحالة خراب، وتزداد الأزمة الإنسانية سوءا يوميا، وهذا أمر مروع.
وتابع الأمين العام للأمم المتحدة أن الوضع الإنساني في غزة قد بلغ مستويات كارثية، مشيراً إلى تقارير تفيد بمقتل أكثر من 43 ألف فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال، وتفاقم الأزمة الإنسانية بشكل يومي.
كما لفت إلى استمرار معاناة كما الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة بسبب التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، وعمليات الهدم والإخلاء، وعنف المستوطنين. حيث جدد تأكيده على ضرورة وقف العدوان قائلا في هذا الصدد “آن الأوان لوقف فوري لإطلاق النار بقطاع غزة، وإنهاء الاحتلال غير القانوني للأرض الفلسطينية، بحسب ما أكدته محكمة العدل الدولية والجمعية العامة”.
وخلص غوتيريش “في هذا اليوم من كل عام، يقف المجتمع الدولي متضامنا مع كرامة الشعب الفلسطيني وحقوقه وعدالة قضيته وتقرير مصيره، إلا أن إحياء الذكرى هذا العام مؤلم لأن تلك الأهداف الأساسية أصبحت بعيدة المنال عما كانت عليه في أي وقت مضى”.
بدوره، قال جمال الشوبكي سفير دولة فلسطين لدى الرباط إن ما يحدث من غزة من انتهاكات متواصلة وتقتيل “جرائم حرب” تكشف عن نية الاحتلال الإسرائيلي في إبادة الشعب الفلسطيني والتطهير العرقي بقطاع غزة.
ولفت الشوبكي إلى أن ما يحدث بغزة إبادة وتطهير عرقي في حق الشعب الفلسطيني، مشيرا إلى أن العدوان الغاشم للاحتلال بغزة وكذا انتهاكات المستوطنين بالضفة الغربية أظهرت من جانب تواطؤ القوى الكبرى، وأسقطت من جانب آخر كل الأقنعة عن “المنتظم الدولي” والقوانين الدولية وحقوق الإنسان.
وبعدما أدان جرائم الحرب التي يقترفها الاحتلال الإسرائيلي في حق أبناء الشعب الفلسطيني بغزة والضفة والقدس، وغيرها من المناطق المحتلة، جدد الشوبكي دعوته إلى ضرورة الضغط على الاحتلال من أجل أن يوقف عدوانه على غزة وانتهاكاته بالضفة، وأن يعمل المنتظم الدولي على توفير الحماية للشعب الفلسطيني وضمان حقوقه العادلة والمشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
إلى ذلك، جدد الشوبكي التأكيد أن هذا اليوم العالمي الذي يخلد هذه السنة في الـ26 نونبر، يمثل مناسبة للتذكير بالحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، والتي ذكر بكونها هذه السنة تأتي في ظل استمرار العدوان وفي ظل الظروف العصيبة التي تمر منها القضية الفلسطينية.
وأشاد الشوبكي، بالدور الذي يضطلع به المغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس، في دعم القضية الفلسطينية ووضع حد للاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
كما نوه بالجهود التي تبذلها وكالة بيت مال القدس الشريف من أجل دعم صمود المقدسيين وكافة الشعب الفلسطيني من خلال مشاريع تهم، على الخصوص، السكن والشغل وحماية تراث المدينة المقدسة.
من جهة أخرى، أشاد الشوبكي بما ورد في رسالة جلالة الملك إلى رئيس اللجنة الأممية المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، شيخ نيانغ، والتي عبرت عن مواقف حازمة للمغرب حيال القضية الفلسطينية.
من جهته، أشاد نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، بقرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت، مؤكدًا التضامن المطلق للحزب مع الشعبين الفلسطيني واللبناني، ومعبّرًا عن تخوفه من اتساع دائرة الصراع في المنطقة.
وأكد بركة أن القضية الفلسطينية تتمتع بنفس قدسية الوحدة الترابية للمغرب، مشيرًا إلى أن تنامي الوعي الدولي بعدالة القضية الفلسطينية مبعث أمل، وداعيًا مجلس الأمن للاعتراف بدولة فلسطين. وأشاد بمواقف المغرب الراسخة في دعم القضية الفلسطينية تحت قيادة الملك محمد السادس، الذي أكد في رسالته الأخيرة ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
ودعا بركة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، مشيدًا بالتضامن الشعبي والرسمي المغربي مع فلسطين، وبتاريخ حزب الاستقلال في نصرة القضية الفلسطينية منذ عهد زعيمه علال الفاسي. كما ثمّن التطورات الدولية في الاعتراف بدولة فلسطين، آخرها من إسبانيا وهولندا، وحث الدول الأخرى على السير في الاتجاه ذاته.
من جهتها، وفي كلمة بالنيابة عن ادريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، جددت فتيحة سداس إدانة الجرائم المتواصلة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في حق أبناء الشعب الفلسطيني.
وعبرت سداس عن إدانة حزب الاتحاد الاشتراكي للحرب التي يخوضها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني والانتهاكات المتواصلة من خلال استهداف المدنيين خصوصا النساء والأطفال في ظل استمرار المنتظم الدولي في التغاضي عن هذه الجرائم التي ترقى إلى جرائم جرب.
وجددت بدورها التأكيد والإشادة بالدور الذي يلعبه المغرب في القضية الفلسطينية باعتبارها قضية وطنية وأساسية، منوه في هذا الصدد بالمجهودات التي يقوم بها جلالة الملك ومواقفه الثابتة والمتواصلة، وآخرها ما ورد في رسالة جلالة الملك إلى رئيس اللجنة الأممية المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف.
كما جددت المتحدثة تضامنها مع الفلسطينيين الصامدين الذين قالت إنهم يتعرضون، منذ شهر أكتوبر من السنة الماضیة وما قبله، لحملة إبادة جماعية وتدمير شامل أمام صمت رهیب للمنتظم الدولي، وأمام عجز الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظماتها الدولیة الحقوقیة والإنسانیة لوقف العدوان الإسرائیلي الغاشم.
يشار إلى أن اللقاء حضرته عدد من الفعاليات السياسية والدبلوماسية، وعدد من المفكرين والباحثين وفاعلين حقوقيين وممثلين وسفراء من دول مختلفة، حيث عبرت عدد من المداخلات عن الإدانة القوية لجرائم الحرب المتواصلة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي.
< محمد توفيق أمزيان
< تصوير: رضوان موسى