محمود عبد الغني.. كاتب وباحث يواصل تجديد الأدب المغربي المعاصر

من بين أبرز المفاجآت التي طبعت المشهد الثقافي والإبداعي المغربي في الفترة الأخيرة، كونه مشهدا بدا زاخرا بعديد من الإصدارات الجديدة، فكرية وإبداعية ونقدية وترجمية، لكتاب وباحثين مغاربة من أجيال مختلفة، فقد صدر لبعضهم، دفعة واحدة، أكثر من إصدار في مجالات مختلفة، ويكفي أن نذكر من بينهم، على سبيل المثال، الكاتب والباحث الدكتور محمود عبد الغني، الذي تمكن في زمن قياسي، من فرض نفسه بقوة، في الساحة الإبداعية والنقدية والبحثية والترجمية محليا وعربيا، هو الذي يواصل إثراء المكتبة العربية، بإصداراته المتنوعة والمتواصلة، فقد صدرت له مع بداية شهر ماي 2024، ثلاثة كتب دفعة واحدة، في انتمائها لمجالات تعبيرية مختلفة، هي: “البورخيسة” (رواية، دار المتوسط)، و”تربية النحل حسب صمويل بيكيت” (ترجمة، دار المتوسط)، و”الذات والمحبرة” (دراسة وتحقيق، دار توبقال للنشر) …

من هنا، فإن أي حديث عن الكاتب محمود عبد الغني، هو، في الأصل، حديث عن تجربة إنسانية ورمزية وثقافية متفردة، وعن محطة كتابية متميزة، في امتداداتها المضيئة في المشهد الثقافي المغربي والعربي، بل وأضحت مؤثرة فيه، ما يجعل من محمود عبد الغني، اليوم، اسما مضيئا ومنتجا في المجالات المختلفة التي ينشغل بها، باعتبار تعدد صور حضوره، بين شاعر وروائي وكاتب يوميات ورحلة ومترجم وناقد وباحث…

وتكمن أهمية تجربة محمود عبد الغني، اليوم، بأبعادها وتلويناتها الثقافية المختلفة، في كونها تجربة مطبوعة بالزخم والإضافة، من محطة لأخرى، ناهيك عن كون صاحبها قد تمكن من تشييدها في زمن ثقافي وإبداعي قياسي، مقارنة بغيرها من تجارب أقرانه وبعض من سبقوه إلى الكتابة والتأليف، وقد استغرقت لديهم زمنا أطول وأنتجت تراكما أقل، لكن محمود، خلافا لهؤلاء، قد تمكن من ترسيخ اسمه، بشكل متواصل، في حقل الكتابة والتأليف والنشر، ومن تحقيق تراكم لافت ومثير للاهتمام، مطبوع بالتنوع والامتداد في أجيال المتلقين المتعاقبين…

قد يبدو هذا الكلام، بالنسبة للبعض، مبالغا فيه، أو أنه يدخل في باب المجاملة التي تفرضها عادة علاقات الصداقة والود والإعجاب، لكن من يتمعن في الوضع الاعتباري، اليوم، لمحمود عبد الغني، سيدرك مدى ما يميز تجربة هذا الكاتب، عطاء وتراكما، عبر ما يحققه من حضور وانتشار لافتين، في مجالات مختلفة، يواصل الكتابة فيها وإثراءها بنصوصه المتجددة، في الشعر والرواية والرحلة والمقالة والبحث والترجمة، وغيرها، في تزايد تراكمها وأشكال انتشارها وتلقيها، داخل المغرب وخارجه…

غلاف أول رواية لمحمود عبد الغني

لقد برز محمود عبد الغني، منذ بداية علاقته بالكتابة عموما، شاعرا مغربيا طموحا، طالعا إلينا من جيل شعراء ثمانينيات القرن الماضي في المغرب، فواصل العمل، بكل رغبة، على إغناء تجربته الشعرية وتطويرها والإضافة إليها، بما يلزم من تأن وحماس وإصرار وإصدارات، بشكل أضفى عليها مسحة إبداعية وتجريبية خاصة، بمثل ما برز كاتبا حريصا على اقتحام فضاءات إبداعية جديدة، وخصوصا على مستوى انعطافه الذي رحب به الجميع، نحو كتابة الرواية، وهما مجالان (الشعر والرواية) ظل محمود عبد الغني وفيا لهما معا، فكتب فيهما، لحد الآن، مجموعة من النصوص الشعرية والروائية، المتجددة في أشكالها ومضامينها على حد سواء، دون أن يفرط في أحدهما لصالح الآخر، خلافا لشعراء آخرين، مغاربة وغيرهم، ممن أغرتهم موضة الرواية وجوائزها، فولوا ظهورهم للقصيدة، مغلبين الانتصار لكتابة الرواية على حساب الشعر والقصة القصيرة، ولربما نجد لهؤلاء بعض المبررات الموازية، منها أن الرواية اليوم، هي التي تستجيب، ربما أكثر من غيرها من الأجناس التعبيرية الأخرى، للمتغيرات وللأسئلة المجتمعية الكبرى ولمجموع التفاصيل والتحولات سريعة الإيقاع التي تميز عالم اليوم…

وما يزكي جانبا من هذا الحضور الوازن والمضيء للكاتب محمود عبد الغني، في المشهد الثقافي العام، كون خطواته الأولى في درب كتابة السرد، قد تجسدت في كتابته لروايته الأولى، الصادرة بعنوان “الهدية الأخيرة” (2012)، والتي حظيت بترحيب لافت بها منذ لحظة صدورها، وبتتويجها بـ “جائزة المغرب للكتاب” (صنف السرد) سنة 2013، وهو إجراء قليلا ما يحدث في مجال تتويج نصوص الأدب المغربي؛ إذ نادرا ما يفوز أول عمل لكاتبه، في جنس أدبي معين، بجائزة المغرب للكتاب، أي قبل أن يتكرس اسم هذا الكاتب أو ذاك، في المجال الإبداعي الذي فاز فيه نصه، ومن غير أن يكون قد حقق فيه تراكما خاصا، مع الإشارة، هنا، إلى أن “جائزة المغرب للكتاب”، هي أصلا موجهة لتتويج الكِتَاب، في مختلف أصناف الجائزة المتبارى فيها، ولا تستهدف تتويج تراكم معين في مجال محدد، ما يفهم منه أن الكاتب عبد الغني قد اقتحم مجال الرواية من منطلق امتلاء إبداعي مرجعي مشتهى ومن إدراك خاص ومتواصل لصنعة الرواية ولأسئلتها النظرية والنقدية، كما يواصل محمود، اليوم، ملاحقتها في كتاباته وقراءاته وأبحاثه وترجماته ودروسه الجامعية، وليس ذلك الاقتحام نابعا لديه من فراغ أو هرولة مقصودة ومفتعلة نحو جاذبية كتابة الرواية وما تفرضه اليوم من إغراء.

وبمثل هذا التنويع في أشكال الكتابة لدى محمود عبد الغني، ما حظيت به، كذلك، كتاباته الأخرى، من تنويع وتعديد في جغرافيات دور نشرها، وهو ما تزكيه دور النشر الكبيرة وذات المصداقية والصيت، التي اعتادت الترحيب بكتابات محمود المختلفة، من قبيل: “دار توبقال” بالمغرب، و”دار الجمل” بألمانيا، و”دار النهضة” بلبنان، و”المركز الثقافي العربي” بالمغرب ولبنان، و”دار العين” و”الهيئة المصرية العامة للكتاب” بمصر، و”دار المتوسط” بإيطاليا، و”دار نثر” بسلطنة عمان، و”الآن ناشرون وموزعون” و”دار خطوط وظلال” بالأردن، وغيرها…

وفي خضم هذا المسار الثقافي والإبداعي  الحافل، نجد الكاتب محمود عبد الغني، دائما في بحث متواصل عن تجديد لغاته، وتنويع كتاباته، الشعرية والنثرية والنقدية والترجمية والصحفية، وغيرها، وعن إثراء تجربته الإبداعية وتنويعها بالأخيلة والثيمات والمفاهيم والرؤى والإيحاءات والرموز والدلالات، وذلك وفق أشكال تركيبية بديعة، وصوغ فني وتمازج خلاق بين عديد من المكونات والتفاصيل المؤطرة للعملية الإبداعية لديه، في أبعادها الشعرية والسردية، بمثل ما نجده في رهان متواصل على ركوب أشكال جديدة من المغامرات، من الشعر، مرورا بالرواية والرحلة واليوميات والبحث والترجمة، وصولا إلى مغامرة بحث جديدة، كما هي الحال في وضعه لأنطولوجيا “قصيدة النثر المغربية”، بعنوان دال “من حامل المواسم إلى أيامنا”، في أول عمل أنطولوجي من نوعه، من حيث كونه عملا مصاحبا لتطور قصيدة النثر في المغرب، ولديناميتها وصيرورتها.

 

من مؤلفات محمود عبد الغني

وبمثل حضور محمود عبد الغني إبداعيا، نجده لا يتوانى عن مواصلة ركوب مزيد من المغامرات، وكل مغامرة لا تقل أهمية ومتعة وصعوبة من سابقاتها، عبر إقباله الموازي على مغامرة الترجمة، بكل وعي ومعرفة وتمكن وإدراك، على مستوى اختياراته المفكر فيها والمدروسة والمنتقاة بعناية ومرجعية، ليواصل محمود بناء مشروعه الترجمي المتنور، بما أضحى يمتلكه من خبرة ومعارف ويتقنه من لغات، وما ينجزه من ترجمات، في مجالات الشعر والرواية والرحلة والنظريات، متوسلا في ذلك بإضاءاته الترجمية الموازية، لمعاجم نظرية ومصطلحية، تسند مشروعه وتضيئه، هو الذي يدرك جيدا مدى أهمية الترجمة في الانفتاح على مدارك وعوالم إبداعية وبحثية عالمية مغايرة، كما هي الحال، على سبيل المثال، بالنسبة لترجمته لرواية “مزرعة الحيوان” للروائي العالمي جورج أورويل، بما تمثله هذه الرواية من قيمة إبداعية تاريخية، في نقدها للأنظمة الشمولية ولإنسان السلطة وانحرافاته. وقد تمت ترجمته لهذه الرواية، كضرورة أدبية قصوى، وذلك بعد ترجمتين سابقتين لها إلى العربية، بما طالهما، حسب محمود، من تعسف وهنات وأخطاء…

وموازاة مع إبداع محمود في جنس الرحلة، اهتم بترجمة الرحلة، بشكل ينوع من نصوص ترجماته النظرية والأدبية، كما في ترجمته لكتاب “رحلة إلى الجزائر وتونس” لأندريه جيد (دار خطوط، 2024)، بشكل يبدو معه أن محمود قد تعود على تنويع مغامراته وتطوير أفقها، في اقتحامه لعديد من المجالات، تعكسها طبيعة إصداراته، وهو اقتحام مؤطر بإدراك خاص لكل مجال بعينه، بأسراره وتفاصيله ومعانيه، كما هو الشأن، على سبيل المثال، بالنسبة للترجمة كما يمارسها محمود ويفكر فيها اليوم بعمق وإدراك مرجعي، في اقتناعه الخاص بمدى أهميتها في عالم اليوم، في صلتها بعلوم وحقول معرفية متنوعة، كما تَجسد ذلك في كتبه المعجمية: “معجم المصطلحات الأساسية في الترجمة الأدبية”، و”معجم تمهيدي لنظرية التحليل النفسي”، ثم “معجم (ألف ليلة وليلة)”، وفيه يسلط محمود عبد الغني الضوء على “أهم القضايا التي شغلت كل فئات الباحثين والفنانين والأدباء الذين اهتموا بكتاب – حكايات (ألف ليلة وليلة) عبر القرون والجغرافيات”، ناهيك عن ترجمات أخرى أنجزها محمود لنصوص إبداعية ونظرية أساسية، لكل من جورج أورويل وأندريه جيد وفيرديناند فيرهيسن وألينا رايس ولبيلز ساندرار وكريستوف شفاردون، وغيرها من الترجمات التي رسخت محمود، اليوم، مترجما محترفا ومتمكنا في مشهدنا الثقافي العام …

ولم يفت الدكتور محمود عبد الغني، الاهتمام بتوسيع مجال دراساته الأدبية، كما انشغل بها منذ مدة، وخصوصا على مستوى اهتمامه اللافت والمتزايد بدراسة سرديات الـ “أنا”، في مجموعة من كتبه المنشورة، من قبيل كتابه “يعترفن أحسن”، (دراسة في سرد الـ “أنا” في الكتابة الذاتية النسائية العربية)، في محاولة منه فهم النص الذاتي النسائي، وكتابيه “ذخيرة الذات: نصوص السيرة الذاتية في الأدب العربي القديم”، و”فن الذات: دراسة في السيرة الذاتية لابن خلدون”…

إلى جانب ذلك، لا يهمل محمود عبد الغني توظيف كل ما يمكن أن يشكل مادة لكتاب، من مثل إقباله على نشر بعض دروسه التي شرحها لطلبته، كما في كتابيه “الترجمة كما شرحتها لطلبتي” و”الشعرية كما شرحتها لطلبتي”، متوخيا من خلالهما تقريب طلبته من نظرية الترجمة ومن مفهوم الشعرية وقضاياها، ومن أسسهما النظرية، بما يبرز محمود مترجما متمكنا من مادته، نظريا وممارسة…

موازاة مع هذا الحضور كله، يمارس الكاتب محمود عبد الغني شغبا ثقافيا آخر، خلافا لشعراء آخرين ممن يكتفون باستدفائهم، في عزلة تامة، بقصائدهم، فنجد محمود دائما في توق إلى تحريك المياه الراكدة، بما يصدر عنه من آراء وبما يجهر به من مواقف، دون أن يخشى في ذلك لومة لائم. ويبدو محمود، في هذا السياق، كاتب مقالة من الطراز الجيد، باختياراته الذكية لموضوعاتها، وبحرصه على تنويع نشرها في عديد من المنابر الثقافية العربية، من المحيط إلى الخليج، متوسلا في كتابتها بما يتميز به أفقه المعرفي من بعد نظر ورؤى ثاقبة، وأيضا بما يوظفه في كتابتها من معارف ومرجعيات مختلفة وجديدة.

وبالعودة إلى اهتمامات محمود عبد الغني الروائية، نجد أنه قد ظل حريصا، في هذا المقام، على تنويع مواضيع رواياته وثيماتها وأسئلتها وفضاءاتها ودلالاتها، بما هو اهتمام يقف وراءه اليوم كاتب متمرس، أيضا، بكتابة الرواية وخبير بأسرارها وأشكالها السردية والتخييلية. فإذا كانت مدينة “طنجة”، على سبيل المثال، قد حظيت بنصيب وافر من الاهتمام الإبداعي بها، سردا وشعرا وفنونا، على مستوى استيحائها في عديد من النصوص والأعمال الأدبية والفنية، المغربية والأجنبية، فإن محمود عبد الغني، بحكم فطنته الإبداعية، قد انتبه إلى ما لهذه المدينة الكسموبوليتية، من إغراء متعدد، فاستوحاها في واحدة من أجمل رواياته، بعنوان لافت هو “معجم طنجة” (دار المتوسط، 2016)، في بادرة إبداعية جميلة، توخى محمود من خلالها، وفي الوقت نفسه، استعادة ماض مشرق من تاريخ هذه المدينة الدولية، الملآى بالأساطير وبالكثير من النوستالجيا والأسرار والحكايات والروائح والجنون والفتنة والأصوات والدهشة، بمثل امتلائها بالأجواء الثقافية والأدبية والفنية التي ميزتها على مدى فترات تاريخية ماضية، ناهيك عن كونها رواية تستلهم حيوات ويوميات ومحكيات أتوبيوغرافية لمجموعة من الأدباء والفنانين الكبار، المغاربة والأجانب، ممن أقاموا في طنجة أو زاروها، وكتبوا عنها واستوحوها في أعمالهم ولوحاتهم، من قبيل بول بولز وتينيسي وليامز وجين بولز وجيرترودستاين ووليامز بوروز ومحمد شكري ومحمد المرابط، وغيرهم من الكتاب والفنانين والرسامين والسينمائيين والإثنوغرافيين، الذين تركوا بصماتهم الإنسانية والإبداعية في هذه المدينة الأسطورية.

 هكذا، إذن، تبرز غيرة الروائي محمود عبد الغني على متخيلنا الجماعي، وعلى مدننا الروائية، وخصوصا مدينة طنجة، التي ظلت في نظره جسما مريضا ينتظر من يكتب عنه من الروائيين، رغم ما كتبه عنها محمد شكري وعن فضاءاتها الملعونة والمجروحة، وهو ما جعل محمود يحث الكتاب المغاربة على الكتابة عن مدن بلادهم، بعد أن تناولها الأجانب بـ “سطحية”، منتقدا كتابات هؤلاء وأعمالهم الفنية عن المدينة، وهو ما دفع بمحمود، ربما، لمواصلة استيحاء مدينة طنجة في عمل روائي ثان، بعنوان “في الصيف والخريف فقط” (دار المتوسط،2019)، فقام الكاتب بجمع العملين معا في مجلد واحد، بعنوان “مغاربة في بيت أمريكي” في 340 صفحة (الآن ناشرون وموزعون، 2022).

وكما توفق الروائي محمود عبد الغني في اختيار موضوع روايته عن طنجة، تفوق أيضا في تنويع موضوعات رواياته الأخرى، في سرديات جديدة، في روايته “أكتب إليك من دمشق”، بموضوعها الطريف وغير المطروق بمثل ذلك المستوى التخييلي الآسر، وهي عن مدينة “دمشق” وعن “فن الوراقة في المغرب”، في القرن الثاني عشر الميلادي، كما في روايته الأولى “الهدية الأخيرة”، في احتفائها بالتصوير الفوتوغرافي والفوتوغرافيا وبتحويل العالم إلى صور، وكذلك الحال في روايته “أوسكار”، بموضوعها عن السينما، وهي تحكي عن مخرج سينمائي شاب، يرغب في إنجاز فيلم سينمائي يرشحه للفوز بجائزة أوسكار السينمائية، ومحمود في مجموع رواياته، يظهر أنه يقتفي في صوغها أثر الروائيين الكبار في العالم، من قبيل ألبرتو إيكو، وغيره…

هكذا، يظهر مما سبق، أن محمود عبد الغني يحسن، على التوالي،اختيار فضاءات أعماله، ونصوص ترجماته، وموضوعات مقالاته، ومجال كتاباته النقدية، بمثل ما يتقن اختيار عناوين كتبه، بشكل يثير شهية القراء والنقاد والناشرين على حد سواء، بما يجعلها عناوين مختلفة ومبدعة، بنزعتها السوريالية المثيرة، نذكر منها عناوين دواوينه الشعرية ونصوصه الروائية: “حجرة وراء الأرض”، “نحن النوافذ”، “عودة صانع الكمان”، “ما قلته للمحلل النفسي”، “معجم طنجة”، “أوسكار”، “كم يبعد دون كيشوت؟”، “الجولة الأولى من مؤتمر الرياح البورخيسية”، “في الصيف والخريف فقط”، “الناسخ المغربي”، “متحف النسيان”، “أرض الصباح”، “البورخيسة”، وهو ما يجعل منها عناوين بمثابة عتبات أساسية ومداخل مغرية لقراءة أعماله الإبداعية، قبل النفاذ إلى أشكالها ومضامينها ودلالاتها، الأكثر إغراء وجاذبية ومتعة.

ما فتئ محمود عبد الغني يواصل إغناء تجربته، في أبعادها النصية المختلفة والمتنوعة، وثمة كوة ضوء أخرى، لا تقل أهمية وفائدة من غيرها، في أبعادها الأكاديمية المستنيرة، أخذا بعين الاعتبار، هنا، لما أشرنا إليه، من قبل، بالوضع الاعتباري لمحمود عبد الغني، باعتباره أكاديميا ذا حضور لافت في المحافل الجامعية، داخل الوطن وخارجه، حيث يواصل محمود ممارسة أنشطته الجامعية والتأطيرية الموازية، مع طلبته ومع ضيوف وحدته ومجموعته البحثية، كما هي الحال بالنسبة لحضوره في جامعة بيكين، إبان زيارته لها للتدريس فيها وإلقاء محاضراته بها، وفي هذا الإطار، نجد أن محمود لا يفوت فرص ترحاله في الأمكنة ليحولها إلى نصوص، كما في كتابته ليومياته الاستكشافية إبان إقامته في بكين، في كتابه بعنوان “الأبدية في بكين” (2023، دار نثر للنشر).

وكان لا بد لكل هذا الحضور الكبير والمؤثر للكاتب محمود عبد الغني، في الساحة الأدبية والبحثية والترجمية والأكاديمية، من وفاء مواز، من لدن مجموعة من النقاد والباحثين، من المغرب وخارجه، ممن تناولوا كتاباته الإبداعية بالدراسة والتحليل، ناهيك عن إقبال “مختبر تحليل الخطاب وأنساق المعارف”، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة القاضي عياض بمراكش، على إعداد كتاب احتفائي بتجربة هذا الكاتب المتعدد، صدر بعنوان “محمود عبد الغني، المهاجر بين فنون الكتابة” (2022، دار أيام بالعراق)، بمشاركة ثلة من الباحثين والكتاب…

بقلم: د. عبد الرحيم العلام

Top