مزاجات متعثرة

حاولت أن أترك اللحظات المشروخة خلفي أن أعبر إلى غروب طويل بعيدا عن كل التداعيات والحكايا التي اِنعقدت من ثقوب روحي العليلة،

أبحث عنّي في قصائد الشعراء وانعكاس المرايا في لحظة ما من ربيع العمر، بين رهافة السطور ونايات الفضول في ذاكرة المعجزات ومواكب الأمسيات،

أحمل بين كفيّ أملا وشعورا أتكئ عليه كلما أسهبتُ في الارتقاء إلى الدروب ذاتها التي أخذت مني الكثير.

بداخِلي شعور أعجز عن وصفِه.. أجهَل أسبابُه.. يجعلُني أغادر كل مكان تطَأَهُ قدَمي.. أشعر بأنني ثقيلة على كل من حولي..

لا أدري أينَ أذهب أو إلى أينَ أمضي.. وحدي أمشي في دربي.. تساقَطَ كل رفاق عمري تِباعاً.. صامتة وصمتي في ازدِياد.. لا أقوَى على اللوم أو حتى العِتاب.. أستَعيرُ ابتسامة تُناسِب أيامي..

وحيدةٌ أسيرُ في الدربِ الكئيب..

لا أحد يعرفُ داءَ روحي.. ولا أحد يعرِفُني.. غارقةٌ في الضياعِ والتّيه.. ليسَ لأنني لا أعرفُ الطريق.. بل لأنّ كل الطرقات التي أعرِفُها خانَتني… شعورٌ ثقيل.. أوَد الرحيل ولكن إلى أين لستُ أدري.

أيام تترنح معتذرة على كل ما مضى وأخرى تتخللها رياح الوحشة كلما حاولتُ الإفلات  تسحبني إلى الداخل بطريقة غريبة،

أيام أهرب منها لأنقذ ما تبقى مني وكثيرة هي الأيام الملّحة على جعلي أعيش كما تريد الظروف وليس كما أريد أنا وأخرى لا تكترث لأمري البتّة

ثمة أشياء تحارب لأجلها وثمة أخرى تحاربك لأجل لا شيء، خسارات فادحة تدركك وأفكار غزيرة تتسكع في زقاق الحيرة، في لحظة ما كل شيء يتحوّل إلى حقل ألغام

تتساقط مني ملامحي تباعاً، ابتسامتي، نظرتي البعيدة وأحاديث دافئة لشخصي المفضل لطالما خبأتها في جيب ذاكرتي،

تعيدني أحلام الطفولة إلى إيقاع يبعثرني ثم يعيد تشكيلي امرأة عظيمة صالحة لمجاراة كل ما يحدث،

امرأة تتسع للحبّ للحياة وللأغنيات لمناكب الدهر ومجاز الأمنيات، تبني جسورا من الكدمات وتصنع قوارب من الكلمات وتمضي ملء وحدتها حيث لا أحد يعثر عليها

وهناك في مكان ما حيث تلمع المُسميات تركتُ قلبي مبتورا، ضياعي الذي لا ينتهي، تفاصيل عارمة أثارت انتباهي إحداها عيناك اللوزيتين،

محاولات عديدة تتكئ على اللافتات التي تؤدي إلى الهاوية لكني لا أنسى كيف غمَرتني الأحزان في وقت لم يحالفها الحظ في الانطفاء

وأشياء صغيرة أتباهى بها في محفل الأيام الفائتة التي أفتقدها، هناك على أرصفة مدينة هائلة بالذكرى حيث أخذني الحبّ إلى سماء لا حدود لها ثم دفعني من الخلف ولفظني داخل شعور أتلف قلبي

لقد فقدت شيء في داخلي منذ تلك اللحظة حيث صرخت بوجهي وأدرتَ لي ظهرك حين انشغلت باختيارات جديدة ولا تعلم أنها الأسوء،

كما تموت لهفة امرأة لا تؤمن بالمستحيل تماديتَ في سكب كؤوس الخيبة في عالمها اللعين

يؤسفني أنك غادرتني في أكبر حفلة تنكرية ارتدت قناع الحبّ

..

فالسعادة أحيانا لا تتطلّب سوى إغماض عينيك واسترجاع ذكرى جميلة جعلتك ترقص يوماً من فرط الشعور واللاشعور،

هكذا أفعل كلما علقتُ بين كفوف الوهم والشوق، أنتَ لك فسحة النسيان وقسوة الصمت ومدن الغياب وأنا هاهنا أعبث باِستمرار كتابتك وإرباك قلبك والاستراحة عند بُعدك الهائل بالعشق،

معجزة أن يصلك شعوري هكذا بكل بساطة وأنت هناك تبذل جهدا مضاعفاً للعبور إلى شعور آخر خالٍ مني تماماً!

نحن أبناء الليل لا أحد يسألنا عن السواد الحالك الذي يخيّم عالمنا لأنّ اِنبهارنا بالظلام سحر لا تبصره كل العيون

ويحدث أن تنام منكسر القلب ثم تستيقظ فجأة في شعور آخر تتوق لكتابة رسالة عجولة هربا من شعور يؤمن بالرحيل رغم الحبّ وبالصمت رغم الرغبة في البوح وما أكثر شعوري بالفقد

هذا ما يحدث معي توا،

رغبت في الكتابة لك على حين شوق داهمني، لن أغفر لنفسي أبدا لأني أطرقتُ طرفي ومضيتُ نحو مصير مجهول، فتحت بابا مغلقا غادرتني منه الأحلام والأمنيات والأشياء النبيلة يوما ولم تعد،

غادرني الربيع وتفاصيل وجه شاركته الحزن وكوابيس الصيف واِنهمار الرغبات القاتلة في منتصف العناق وعصامية امرأة ثائرة، شاركته مقعد الوحدة وعبثية العلاقات وآثار الصدف وتفاصيل الشتاء

اضطررت أن أعيش في زحام أفكار مؤجلة وأخلق لها المبررات والأعذار، تخبطتُ طويلا في صراعات القلب والعقل والتمست لنفسي أسلوب التغاضي للعودة إلى جادة الصواب حتى لا يجذبني كمين العشوائية مرّة أخرى

ما تعلمته من حياتي السابقة دفعني إلى القيام بردّات فعل عنيفة تجاه كل موقف يحدث معي، دفعني إلى عدم منح الفرصة مرتين لأي شخص اِستباح أذيتي،

أدركتُ أن الطرقات التي أمشي فيها معي تكون محفوفة بالخطر، براثين من لهب مرصوفة داخل رأسي كل السبل داخلي تعج بالموت،

أنا لا أخشى الوحدة وإنما أخشى مرافقة عابرة لأنها في النهاية ستنبش في ذاكرتي وتتمشى فوق أنقاض أحلامي، مرافقة مكتظة بالصخب تشوش عليك الشكوك وتجعل حياتك تبدو مجرد توهمات مستنزفة

..

كان حظي يعلم أن هناك قرارا مصيريا ينتظره، قرارا صارما يجعل الأمور تبدو وكأنها على صواب رغم استحالة ذلك،

كيف أخبرك عنه وأنا كلما قابلت شخص آخر أدركتُ أن إتكائي عليه حدثا نزيها لا يمكن أن يُعاد مرّة أخرى في حياتي، لقد صنع من هودئه ورتابته كمينا محكما للإيقاع بمزاجي  اللعين،

كانت جلّ أحاديثه أنيقة تتجه ناحية الفنون العريقة، كان حريصا على رفع نفسه إلى فلسفة جديدة بعيدة عن سوافل الأمور، لطالما أشبع مآربي بالبحث عن اختيارات مناسبة ودفعني لتصرفات لائقة تسير معي عمرا من الاكتفاء والنزاهة

التعامل معه يشبه التعامل مع خارطة قديمة لكنز مفقود في مدينة مجهولة، كلما طرقتُ الحديث معه وجدتُني مبعثرة على أرصفة الذكريات، تنسفني اللحظات العابرة التي  تُشعرني بالاحتواء رغم قساوتها،

تستنزفني عبثية نظراته الجريئة، كان ملاذا آمنا محفوفا بالخوف، إن خطوتُ إليه هلكت وإن بقيت بعيدة عنه ارتقيت إلى أمان موجع، هكذا استمريتُ في أذية نفسي وأخذت جرعات كافية من الألم

لطالما أسرفتُ في انتظاره لأنه كان ترياقا يعيد لي الحياة التي ماتت داخلي،

اللوحة للفنان التشكيلي عبد الإله الشاهدي

كنتُ العائدة إليه من منافي بعيدة، المعتادة دوما على خيباته الكبيرة

فالحياة معي تغيرت كثيرا لم تعد هناك أشياء تختلس شغفي، فقط هما عيناك عبارة عن وهم هربا من فيلم شاهدته معك يوماً، فيلم مستوحى من عالمك الموازي الذي لا يعرف أحد عنه شيئا، وحدها رغبتي بك كانت واقفة على قمّة الحب و عزيمة الإصرار وعمق التجّلي  صدقني يا ظلي

سنلتقي يوما على ضفاف ليل مجنون ونتسامر على ضوء القمر وسأخبرك حتماً على أعتاب سنوات مضت وامتدت تقاوم الوحشة التي حصَرَتها في صمت عن الحكاية التي كبرت بين يأس وأمل عن النسمة العابرة التي كانت  تنعش روحي وعن الطائر المهاجر الذي كان يحاول الوصول إليك،

أن السنوات الفائتة كانت تشبهك وتشبهني وتشبه الكثيرين الذين يحاولون النجاة من الحياة..

هناك الكثير لأخبرني به لكني تعبت من الكتابة الآن سأحاول أن أتفاوض مع النوم لساعات، اه كدت أن أنسى أن المدعو حلمي يبلغك سلامه لا أدري إن حدثتك عنه يوماً لكن لا تهتم إنه مجرد معتوه يظل يتسكع في شوارع نصوصي ليلا ثم يأتي ليخبرني أني امرأة لا تليق به لأني كثيرة المزاجاات وأنه لا يرغبني لأنه رجل يلتحف فكره الكثير من الشكوك حول المرأة الكاتبة الجريئة التي لا تخشى حديث الآخرين خلفها،

وكأنه لا يعلم أني لا أفكر به البتّة وانه ليس نوعي المفضل حتى أفتح حديث معه

لا بأس فليعلم أنه ليس ضمن أولوياتي لأعير له انتباها وأبرر له تفاصيل خاصة،

رحلة الحياة معي جبالا شاهقة لا تُقهر فلا تحاول تسلقها لأنك ستواجه عقبات وصعوبات مهلكة.

هند بومديان

Top