مسرحية “خريف” لفرقة مسرح أنفاس.. ملحمة امرأة في مصارعة السرطان.. وعزف حزين على قيثارة الحياة

 كما يتسع الركح لمسرح «الملهاة»، فإنه ينضح عرقا ودمعا لوجع مسرح «المأساة». جاءت مسرحية «خريف» بكثير من الألم، ومن فقدان الأمل في قلب امرأة عصف بشباب عمرها «السرطان» وعبث بجمال جسدها «المرض الخبيث». فكان الأسى مضاعفا، وجع الجسد من فرط المرض وعذاب الذّات المفتقدة للسند المعنوي في مواجهة المصير المحتوم.«خريف» للمخرجة المغربية «أسماء هوري» عرض مسرحي يتخذ من معاناة مريضات السرطان منطلقا وموضوعا استنادا إلى نص واقعي كتبته امرأة باغتها المرض وقهرها الألم.. تُدعى «فاطمة هوري». وإن كانت هذه المرأة تحمل الجنسية المغربية، فإنها واحدة من بين عشرات ومئات النساء المعذّبات في كل مكان وزمان بسبب أنين المرض وسياط جلد نظرة المجتمع.

 المرأة و«السرطان» ورثاء الجمال

 على ركح مسرحية «خريف»، تصعد ممثلة لتلعب دور امرأة مريضة أو «بقايا امرأة» دمّر المرض جسدها ووجدانها لتبوح بحكايتها مع السرطان وتصف وقع الخبر عليها وتسرد يومياتها الباردة والحزينة. في نوع من المونودراما، المتحكمة في حوارها والمتمكنة من أدائها، يعشّش الحزن في تفاصيل حكاية امرأة وجدت نفسها وجها لوجه مع المرض في غفلة منها ومن الزمن، فتتحوّل حياتها إلى قلق دائم وخوف مستمر وشت به اعترافاتها المنكسرة وخيبات أملها في من حولها وصرخاتها المؤثرة من هول الخراب الذي حلّ بجسدها والدمار الذي لحق أنوثتها.  وإن نقلت مسرحية «خريف» الحالة النفسية الهشة والمنهارة لسيدة اقتحم حياتها داء مدمر في صراعها مع أوجاع المرض وعويل الجسد، فإن الرجل – وإن لم يكن حاضرا على الركح – كان وجوده قوّيا في خطاب واعتراف هذه المرأة التي لم تخف حاجتها وافتقادها واشتياقها إلى زوج جحود تخلى عنها في عزّ أزمتها وتسبّب في شرخ نفسيتها وأدار لها الظهر بعد أن أصاب جسدها المرض والوهن والاستئصال، فلم نكن نعلم هل أن هذه المرأة تشكو من أذى المرض أم تبكي نهاية علاقة الحب مع ذلك الرجل؟

قوّة في الكوريغرافيا  

الأزياء والأضواء والأداء، كلها عناصر تميزت بقدر كبير من الإتقان في مسرحية «خريف» للمخرجة المغربية «أسماء هوري». فعلى الخشبة صعدت ممثلتان في تقاسم لدور واحد، حيث عبّرت واحدة بالصوت والنص المنطوق والأخرى بالصمت واللوحات الراقصة الذبيحة عن شخصية واحدة ألا وهي المرأة المريضة التي تصارع داء «السرطان». وقد كان هذا الالتقاء ما بين الممثلتين منصهرا ومتناغما إلى حد عجيب، فكأنها بالذات تتحدث إلى ذاتها أو بالنفس تتحدث إلى نفسها في المرآة حيث أتقنت الفنانتان المسرحيتان «فريدة بوعزاوي» و«سليمة مومني» اللعب على الخشبة في مراوحة ما بين آهات اللسان والكلام من جهة وحركات وإيماءات الجسد من جهة أخرى. ومن نقاط القوة في مسرحية «خريف» الاستعانة بمؤثرات موسيقية حيّة حيث اتخذ العازفان «رشيد البرومي» و«أسامة بورواين» مكانا لهما أسفل الركح وقريبا من مقاعد الجمهور ليرافقا مقاطع المسرحية بمقطوعات من العزف الحي ما بين اختلاجات العود الحزين وقرع الطبل الصاخب صخب النفس المضطربة والتائهة. ومقابل قدر عال من الإبداع في الكوريغرافيا والاجتهاد في السينوغرافيا … فإن نص مسرحية «خريف» لم يكن في مستوى بقية العناصر وأقل تأثيرا منها… ربما كان من المنتظر أن يقشعر جسدك أمام امرأة تروي حكايتها مع مرض السرطان أو أن تتفاعل إلى حد التعاطف مع قصة تنعي موت الجمال في جسدها وروحها بعد خذلان زوجها أو أن تؤثر فيك القضية فتحدث ثورة من المشاعر والانفعالات في تفكيرك، في إحساسك، في كيانك… لكن نص «خريف» كان مروره باهتا و«باردا» بعض الشيء فلم يكن تأثيره وأثره بوقع الرّجة المتوّقعة من مشهد امرأة تعتلي الركح لتحدث الناس عن أوجاعها وانكساراتها وتتحدث عن خيباتها وهواجسها ومخاوفها في ملحمة صراعها مع السرطان.«خريف» كانت عنوان مأساة حقيقية تحاول تفكيك شفرات الحياة الكامنة في الألم ذاته، فكان هذا جزء مما يريد المسرح المغربي قوله في تجربته الحديثة ومسرحياته المعاصرة.

 «خريف» هو إنتاج ذاتي لـ «مسرح أنفاس» وبتعاون مع المسرح الوطني محمد الخامس، من تأليف فاطمة هوري. دراماتورجيا وإخراج أسماء هوري، سينوغرافيا: حنان باري، تأليف موسيقي وعزف: رشيد البرومي وأسامة بورواين. إضاءة رضا العبدلاوي. جوقة: ليتيسيا قرو، فاطمة حمدوش، فاطمة الزهراء لقريصة، ياسمين بلماحي..

* صحفية تونسية/ عن الموقع الإلكتروني “المغرب”

بقلم:  ليلى بورقعة *

Related posts

Top