مصطفى المنوزي: 6 تحولات ميزت ربع قرن من حكم جلالة الملك

حينما تسأل المناضل الحقوقي، مصطفى المنوزي، رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن والرئيس السابق للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، بشأن منجز المسار الحقوقي والبناء القانوني الذي شهده المغرب على مدى الخمس وعشرين سنة من حكم جلالة الملك محمد السادس، يبادر بالإجابة أنه ليس بالهين الحديث عن ربع  قرن أو خمسة وعشرون سنة، خاصة وأن الأمر يتعلق بالحديث عن عهد عاش ستة تحولات كمية.

وفيما يمكن اعتباره نوعا من التقييم لتلك التحولات الذي حددها في ستة، يقول المنوزي، في دردشة مع بيان اليوم، إن تلك التحولات الستة يمكن أن نستشف منها ما يمكن اعتباره نوعا من الخلاصة.

الأولى مفادها أن العهد الجديد أو بالأحرى هندسة العهد الجديد عرفت ترددات كثيرة من مرحلة التأسيس إلى يومنا هذا، فالتأسيس لمرحلة جديدة منها المفهوم الجديد للسلطة طبعه تعثرات في علاقة مع الانتقال السياسي والأمني الذي لم يحصل فيه أي تحول على مستوى العقيدة الأمنية، وبدون انتقال أمني حقيقي طبعا في السياق المؤدي نحو الانتقال الديمقراطي، وإعادة ترتيب الأولويات واعتماد حكامة أمنية  تبقى وتيرة التحولات بطيئة، كما تبقى المكاسب المحققة إلى حد اليوم في حاجة إلى تحصين.

 أما بالنسبة للخلاصة الثانية، يستحضر عنصر النخبة، ويشير إلى أنه بقدر الانفتاح الذي سجل في البداية خاصة العقد الأول من العهد الجديد، فإن الأحزاب السياسية والديمقراطية والوطنية لم تستطع أن تخرج من قوقعة الثقة الكاملة فيما يجري والمتمثلة في أن هناك عهدا جديدا متميزا، وهناك أحلام وطموح وإشارات قوية، مسجلا أن التعامل مع هذا الجانب كان يطبعه نوع من التفاؤل المفرط مما أدى إلى خسارة مجموعة من الأمور.

ولفت من جانب آخر، إلى أنه في هذا السياق لم يتم التمكن على مستوى الانتقال من المفهوم الجديد للسلطة بجميع مؤشراته الانتقال لمفهوم جديد للعدل، موضحا بالإشارة إلى هذا المعطى ظهر  إبان الربيع العربي والذي فتح الإمكانية على الإصلاح الدستوري والمؤسساتي والسياسي وأيضا التشريعي، حيث عمدت الحكومة التي كانت خلال تلك المرحلة عند صياغة مخططها التشريعي إلى وضع كل ما يتعلق بحقوق الإنسان وهيئة الإنصاف والمصالحة في آخر ترتيب أو في ذيل لائحة التشريعات المبرمجة.

ونبه المنوزي إلى الأثر السلبي الذي خلفه هذا التوجه على العملية السياسية برمتها، قائلا “طيلة عشرين سنة، العملية السياسية التي رافقت العهد الجديد بنفحة إصلاحية استنفذت كل إمكانياتها، ولم يتم اتخاذ المبادرة لبلورة جيل جديد من الإصلاحات”.

وزاد مؤكدا أن العملية التشريعة أكدت فشلها في الست سنوات الأخيرة بعد فشل ما يسمى بالربيع العربي الذي خرجنا منه سالمين، كما أنه على عرفت التشريعات المرتبطة بالتحول نحو الديمقراطية تعثرات أيضا خلال فترة انتشار وباء كوفيد، مشيرا في توصيف لما طبع هذه الفترة، إلى العيوب التي رافقت إقرار قانون حالة الطوارئ، والذي تم بين الدورتين التشريعيتين، فالحكومة شرعت والبرلمان لم يصادق على هذا النص، وسجلت خروقات كثيرة، معلنا في خلاصة أن كوفيد أجهض كل ما تبقى بعد الربيع العربي، حيث حدث ما يمكن وصفه بنوع من الردة الحقوقية .

وأضاف فيما يتعلق يتشريحه لما سماه المفهوم الجديد للعدل، أن الدولة حاولت عبر الحكومة وبالضبط عبر وزير العدل، إخضاع  السلطة القضاء واستطاعت أن تفرض عليها أن تدخل في صراع مع القطاعات الأساسية على مستوى العدول، الموثقين والمحامين، وهؤلاء وإن كانوا ينتمون للمهن القانونية، يشير المنوزي، فإنه على مستوى التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية فهذه نخبة متوسطة لها  أدوار داخل المجتمع، ولها دور كبير على مستوى امتصاص النقمة وعلى مستوى الوساطة وتلطيف الصراعات،لكن تم إهمالها كنخبة والدليل ما يجري الآن على مستوى التعديلات التشريعية سواء التي تتعلق بالمساطر الجنائية والمدنية وأيضا القوانين، وبشكل خاص  مشروع القانون الجنائي وقانون المحاماة.

وفي صلة بموضوع العلاقة مع المفهوم الجديد للعدل، يمضي المنوزي مؤكدا أنه تم إجهاض كل التراكمات، ولازالت عقدة الهيبة واللايقين تتطاول على مستوى المشهد السياسي والتشريعي أيضا. المرحلة يطبعها على ما يبدو توجس العودة لنقطة الصفر. فرغم أن مؤشرات العودة إلى سنوات الرصاص قليلة جدا ولكن مع ذلك إطلاق العنان للفساد الذي استشرى في جميع القطاعات،  ماعدا الجيش والأمن الذين بقيا محصنين، والحالات المسجلة داخل هذين القطاعين الحساسين تبقى حالات معزولة، مشددا في هذا الصدد على ضرورة اعتماد استراتيجية حقيقة للردع وعدم الإفلات من العقاب.

وقال بهذا الخصوص “إذا لم يكن هناك ردع كبير واستراتيجية حقيقية للحد من الإفلات من العقاب، سنشهد تصاعد مؤشرات انبثاق الدولة الرخوة، وتضخم في التشريعات دون تنفيذها وتطبيقها”، منبها إلى محورية السلطة القضائية على هذا المستوى، بالإشارة ” أن  هذا التطبيق والتنفيذ مرتبط بوضع السلطة القضائية  التي لم تعش بعد ساعة الحقيقة على مستوى نيلها  الاستقلال التام، إذا لازال هناك بعض التوتر.

ولم يفت الفاعل الحقوقي، أن يشير في حديثه عن 25 سنة من العهد الجديد، إلى أن الدولة تتكيف مع التحولات الخارجية ولديها طموح على مستوى العلاقة مع الخارج ونية الاستقلال بالخروج من دور الدركي والتبعية، بل إن المؤسسة الملكية تلعب دورا كبيرا على مستوى خوض غمار الندية والتنافسية  مع الدول العظمى وعلى مستوى الجيواستراتيجي ليكون للمغرب دور على مستوى المنطقة، وكذلك دور محوري، لكن للأسف يقول المنوزي الخاص يفسد العام، مشيرا هنا إلى وجود تعثرات وهو ما يتطلب ضرورة القيام بمراجعات والتغيير في التفكير والتدبير والتحرر من عقدة الهيبة والتوجس من اللائقة واللايقين.

و استطرد في تعليقه بالنسبة للبناء التشريعي والمنظومة القانونية، مشيرا إلى هيمنة الحكومة أو السلطة التنفيذية على المبادرة التشريعية، وهذا  من وجهة نظر المنوزي، يرتبط بالرواسب والتي تتمثل في العقلنة البرلمانية التي أخذها المغرب عن فرنسا وتحديدا نظام الجمهورية الفرنسية، حيث يلاحظ أن الحكومة تقيد عمل البرلمان رغم أن مجال القانون تم توسيعه وفق منطوق دستور 2011، لكن على مستوى التفعيل لازالت الحكومة هي التي تهيمن على محال التشريع وهذا في حد ذاته يعد عائقا كبيرا أمام التنمية والديمقراطية، وفق تعبير المحامي والفاعل الحقوقي.

فنن العفاني

Top