” تقريبا كل مجموعة اوامر للجيش الاسرائيلي وكل قرار حكم للمحكمة العسكرية في عوفر هي تحريض على العنف. ومثلها ايضا تقريبا كل قرار لمجلس “يشع”، عدد من قرارات الحكومة وكل كلمة تشجيع للمستوطنين. كل ذلك هو تحريض على العنف “.
في المحكمة في براليمني في قبرص وفي محكمة الصلح في القدس سجلت أول أمس مظاهر احتجاج شجاعة تستحق التقدير، لمن لا يتفقون مع ظلم الوطنية المصطنعة ومستعدون ايضا لدفع ثمنها. الوطنيون في اسرائيل غير مستعدين لقبول افعال المعارضة للدولة ومؤسساتها، أو حتى المواطنين الاسرائيليين في الخارج. بالنسبة لهم، القومية تغطي على كل شيء، بما في ذلك الجرائم.
ولكن بين عشرات الاسرائيليين والاسرائيليات الذين جاءوا أول أمس الى قبرص من اجل التماهي مع الشابة البريطانية التي تمت ادانتها باختلاق عملية الاغتصاب الجماعي من قبل عدد من الشباب الاسرائيليين وبين يونتان بولك الذي تم اعتقاله في اعقاب شكوى قدمتها جمعية “حتى هنا” بسبب مهاجمة الجنود، يمر خط مباشر – خط الشجاعة والانسانية. الانتماء القبلي والقومي لا يقف لديهم فوق القيم العالمية التي يلتزمون بها اخلاقيا. وفي لحظة الاختبار هم مستعدون للوقوف ضدها باسم قيم اكثر اهمية من أي انتماء.
المتظاهرون في قبرص هم بالتحديد انقذوا كرامة اسرائيل لأنهم تجرأوا على الخروج ضد اسرائيليين قبيحين، حتى في الخارج. لقد سبق وقيل كل شيء عن علامات الاستفهام المقلقة حول ما حدث في آيا نافا، لكن تحويل الضحية الى مجرمة، والجبناء في اسرائيل الى ابطال، يجب أن يثير كل صاحب ضمير. المتظاهرون في براليمني لم يغضبوا فقط من اعماقهم، بل هم قاموا ايضا بالفعل. وهم في الحقيقة لن يدفعوا عن ذلك ثمن مثل بولك، لكنهم يستحقون التقدير.
بولك دفع وسيدفع الكثير. فقط الثمن القليل المطلوب منه تم ذكره في مقال له نشره في “هآرتس” أول أمس. مثل المتظاهرون في قبرص ايضا هو ينقذ كرامة اسرائيل، لكن لم يكن هذا هو قصده. فمعارضته النشطة والمستمرة للاحتلال ودعوته لتجاوز الخطوط، هي المواد التي منها يصنع الابطال. حتى الاونة الاخيرة كان يمكن أن نكون على قناعة بأنه بعد انهاء الاحتلال سيتم تذكر بولك أكثر بكثير من المدعين ضده ومن قاموا باعتقاله ومن القضاة.
بولك هو الابيض الذي انضم بشكل فعال لنضال السود. هؤلاء هم الآن أبطال جنوب افريقيا – منهم بالمناسبة، عدد غير قليل من اليهود – والصامتون والمتعاونون ومرتكبو جرائم الابرتهايد والوطنيون سيتم ذكرهم بالسوء الى الأبد. في اسرائيل لا يمكن الوثوق حتى بذلك: عندما يسير التاريخ بسرعة وبصورة وحشية نحو انتصار المستوطنات والاحتلال، ربما الى الأبد، لا يمكن أن نضمن حتى هالة المستقبل لابطال اسرائيل الذين يعتبرون خونة. ولكن بولك هو بطل.
يوجد شك حول مهاجمته لجنود الجيش. وحتى لو أنه فعل ذلك فان هذا العنف لا يمكن مقارنته في أي يوم بعنف الشرطة في دولته التي يحاربها. عندما يقوم عميت سيغل بالتغريد بصيغة القانون ضد التحريض على العنف، وهي مخالفة حكمها خمس سنوات سجن، فانه يتجاهل بشكل متعمد كل من يحرض على عنف الدولة وعلى عنف الافراد الكامن في مجرد افعال الاحتلال.
لا توجد أي لحظة لا تستخدم فيها الدولة ومبعوثيها العنف. ولا توجد أي لحظة لا يقوم فيها اليمين وفروعه بالتحريض على العنف وتشديده. من “الموت للعرب” وحتى الدعوة لبناء المزيد من المستوطنات. من “اسمحوا للجيش بالانتصار” وحتى “الخليل دائما والى الأبد”، من “كهانا كان على حق” وحتى “يجب تسوية غزة”و “اعادة لبنان الى العصر الحجري”، من “رغفيم” وحتى “حتى هنا”، كل ذلك هو تحريض لعنف مؤسس ومتواصل برعاية من الدولة والاعلام، خادمها.
تقريبا كل مجموعة اوامر للجيش الاسرائيلي وكل قرار حكم للمحكمة العسكرية في عوفر هي تحريض على العنف. ومثلها ايضا تقريبا كل قرار لمجلس “يشع”، عدد من قرارات الحكومة وكل كلمة تشجيع للمستوطنين. كل ذلك هو تحريض على العنف. سيغل تذكر لسبب ما قانون التحريض فقط ازاء بولك، معارض النظام. ولكن ألا يوجد في قلب أي شخص أي شك حول من هو البطل الحقيقي ومن هو المحرض الحقيقي على العنف.
جدعون ليفي
صحفي بهاريتس