تستمر معاناة المغاربة الراغبين في قضاء عطلهم بإحدى دول القارة العجوز، أو زيارة عائلاتهم أو قضاء حوائجهم، حيث يتعرضون لمعاملات “مهينة حاطّة بالكرامة”، بدءا من إغلاق المنصات الإلكترونية المسؤولة عن توفير المواعيد لطلبات التأشيرة وفتح المجال أمام السماسرة لبيع المواعيد في السوق السوداء بتنسيق مع الشركات الوسيطة، وصولا إلى عدم منح العديد من المواطنين التأشيرة رغم توفرهم كل الشروط الضرورية واللازمة.
ويضطر المغاربة بمختلف مجالاتهم المهنية والوظيفية وكذلك شرائحهم الاجتماعية (قضاة، صحفيون، رجال أعمال، موظفون…)، وفق ما عاينته بيان اليوم، منذ قرابة سنتين، إلى اللجوء إلى السماسرة الذين يضمنون الحصول على موعد بمقابل يتراوح بين 1500 درهما و7000 درهم، حسب الوجهة والسرعة في الحصول عليه، مع استثناءات قليلة التي تصل عن طريق معارف وازنة إلى ردهات قنصلية الدولة الوجهة، وتحصل على الموعد من هناك بشكل مباشر لدى الشركة الوسيطة.
كما أن، العديد من الراغبين في الحصول على التأشيرة، وبعد قطعهم للمسارات الملتوية للحصول على الموعد، وتجهيز ملفاتهم الكاملة، ودفعهم لتكاليف دراسة الملف المضافة لمصاريف “سمسرة الموعد” يتم مقابلة ملفاتهم بالرفض، خاصة الراغبين في التوجه إلى فرنسا، رغم أن منحهم للتأشيرة في الأخير يعني تحصيل أموال طائلة سيصرفها السياح المغاربة بهذه الدول.
في هذا السياق، وجه الائتلاف المغربي لهيآت حقوق الإنسان (مكون من 20 من الهيئات والجمعيات والمنظمات الحقوقية الوطنية)، مذكرة إلى سفيرة الاتحاد الأوروبي لدى المغرب -بعثة الاتحاد الأوروبي- بخصوص معاملات قنصليات الإتحاد الأوروبي المهينة والحاطة بالكرامة اتجاه المواطنات والمواطنين المغاربة المتقدمين بطلبات الحصول على التأشيرة لدخول أراضي دول الإتحاد الأوروبي.
وجاء في نص المذكرة التي بعث بها الائتلاف الحقوقي، لمقر البعثة بالرباط الجمعة الماضية، أنه “أمام المعاملات المهينة والحاطة بالكرامة اتجاه المواطنات والمواطنين المغاربة المتقدمين بطلبات الحصول على التأشيرة لدخول أراضي دول الإتحاد الأوروبي، والتي تصاعدت في الآونة الأخيرة، وأصبحت سلوكا ممنهجا من طرف القنصليات المكلفة بفحص طلبات الحصول على التأشيرة لدخول دول الإتحاد الأوربي، حيث أصبحت القاعدة المعمول بها، هي رفض تمكين المواطنات والمواطنين المغاربة من التأشيرة، أي الحرمان من الحق في التنقل، المنصوص عليه في الشرائع الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، سواء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته 13، أو في المادتين 12و13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المصادق عليه من كافة بلدان الإتحاد الأوربي، والذي تصبح معه هذه الدول ملزمة بالاحترام التام لمقتضياته، وإعمالها في أرض الواقع، أو في ضرورة انسجام خطابها مع ممارستها في العديد من القرارات التي تلعب دورا رئيسيا في بلورتها وضمنها التعليق رقم 15 حول وضع الأجانب الصادر عن اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية خلال دورتها السابعة والعشرين، والتعليق العام رقم 27 الصادر عن نفس اللجنة في دورتها السابعة والستين حول الحق في حرية التنقل؛ إن الائتلاف المغربي لهيآت حقوق الإنسان، وهو يتابع هذه الوضعية الخطيرة المرتبطة بالتعسفات التي يواجه بها المئات من المواطنات المغربيات والمواطنين المغاربة بمصادرة الحق في التنقل من قبل دول الاتحاد الأوروبي وخصوصا منها تلك المشكلة لفضاء “شينغن”، تؤكد كلها على إصرار هذه الدول، على سلوك مساطر وإجراءات تتناقض بالكامل مع التزاماتها الدولية بهذا الصدد”
وسجل الائتلاف التقليص الكبير والمفاجئ لفرص الحصول على التأشيرة، بالإغلاق العمدي، بشكل كلي أو بشكل جزئي، للبنيات الإلكترونية المخصصة للحصول على المواعيد قصد التقدم بطلبات الحصول على التأشيرة، مما أصبح معه طالبي التأشيرة يواجهون صعوبات، خصوصا تلك المتعلقة بالدراسة أو العلاج أو العمل…
وأضاف الائتلاف أن المزيد من إمعان مصالح قنصليات دول الاتحاد الأوروبي بالمغرب، في رفض تمكين المواطنات والمواطنين المغاربة من التأشيرة، أي في الحرمان من الحق في التنقل، قد اتخذ أشكالا لا تليق بدول المفروض فيها عدم اللجوء لأساليب غير معقولة كإغلاق نوافذ الدخول للحصول على موعد لتقديم طلب الحصول على التأشيرة، وفتحها بشكل محدود وقصير المدة، وهو ما نشطت معه عصابات أصبحت تتاجر بالمواعيد وتفرض على طالبات وطالبي التأشيرة مبالغ مرتفعة ترهق قدرتهم المتدهورة أصلا، مسجلا الإستجابة بشكل جد محدود لطالبي وطالبات التأشيرة رغم أن الطلبات المقدمة تستوفي الشروط المحددة في مطبوعات القنصليات.
واعتبر الائتلاف الحقوقي ذاته، أن تفويت دول الاتحاد الاوروبي تدبير إجراءات دفع الطلبات والحصول على الجواب لشركات وسيطة قد ضاعف من معاناة طالبي وطالبات التأشيرة خصوصا من الناحية المادية حيث أصبحوا بالإضافة لأداء رسوم التأشيرة أصبحوا يؤدون رسوم إضافية مقابل الخدمات التي تقوم بها الشركات المناولة لدول الاتحاد الأوروبي، مستنكرا عدم تعليل مصالح قنصليات الاتحاد الأوروبي لأسباب الرفض الكبير والمتواتر لطلبات التأشيرات؛ مما يحد من حقوق المتضررين والمتضررات في اللجوء للطعن أمام المؤسسات القضائية والإدارية المعنية.
وأعربت الهيئات الحقوقية ذاتها عن احتجاجها القوي على سلوكات بعض قنصليات دول الاتحاد الاوروبي، في تعاملها مع طالبات وطالبي التأشيرة في تنكر بيّن لالتزامات بلدانهم الدولية في مجال حقوق الإنسان، مطالبة المصالح المعنية للاتحاد الأوروبي بالمغرب ومصالح وزارات خارجية دول الاتحاد الأوروبي وقف هذه المعاملات المهينة والحاطة من الكرامة؛ المناقضة لادعاءات بلدانهم باحترام حقوق الإنسان.
ودعت الهيئات عينها إلى الحرص على التعليل الموضوعي لرفض طلبات التأشيرة احتراما من دول الاتحاد الأوروبي لالتزاماتها وانسجاما مع قوانينها المتلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ومع القانون الدولي لحقوق الإنسان.
<عبد الصمد ادنيدن