توصلت دراسة جديدة إلى أن الأهداف الطموحة التي تستهدف كبح جماح الانقراض الجماعي الحالي قد تكون قديمة وغير كافية بعد عام من وضعها، وتكاد تنزلق بعيدا عن متناول اليد، وتكشف البيانات المتعلقة بالطيور والثدييات أن هناك فجوة زمنية كبيرة قد تصل إلى 45 عاما بين التغير البيئي وتأثيره على الحيوانات، اعتمادا على الأنواع ودوافع التغيير.
وطبقا للدراسة المنشورة في دورية “بروسيدنغز أوف ذا رويال سوسايتي بي: بيولوجيكال ساينسز” (Proceedings of the Royal Society B: Biological Sciences)، فهذا يعني أن “ميثاق السلام مع الطبيعة”، الذي تم التعهد به في مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي “كوب 15” (COP 15) في دجنبر الماضي، قد يكون متجاوزا بالفعل، إذ لم تتم مراعاة مدى هذا التأخر في توقعات الخسائر المستقبلية.
قاد فريق الدراسة ريتشارد كورنفورد، عالم الحيوان في معهد علم الحيوان ومتحف التاريخ الطبيعي في لندن، وكتبوا فيها أن “هناك اعترافا واسعا بأن الوقت قصير للإجراءات المتكاملة والطموحة اللازمة لوقف فقدان التنوع البيولوجي بحلول عام 2050. ويُظهر هذا العمل أن الوقت أقصر مما كان يُعتقد”.
وكشف كورنفورد وزملاؤه أن التأثيرات السابقة لفقدان الموائل وتغير المناخ تفسر الاتجاهات الحالية في قياسات تجمعات الطيور والثدييات بشكل أفضل من التأثيرات الأخيرة. والنتائج التي توصلوا إليها تشير إلى أننا لن نرى النتائج الإجمالية للتغييرات التي ننفذها الآن لمدة عقد على الأقل في معظم الحالات، وحتى ذلك الحين سنشهد بالفعل آثارا ملموسة لاستخدام الأراضي وتغير المناخ على وفرة الأنواع.
ويوضح الفريق أنه من المتوقع أن نرى التأثيرات على الطيور الصغيرة والثدييات خلال عقد تقريبا، لكن يجب أن ننتظر لفترة أطول حتى تظهر التأثيرات الكاملة، سواء كانت جيدة أو سيئة، لأنواع أكبر. وستظل مجموعات الحيوانات تستجيب للتغيرات البيئية السابقة حتى عام 2050.
وحسب التقرير المنشور على موقع “ساينس ألرت” (Science Alert) يوم 21 أبريل الماضي، فإن معدلات الانقراض العالمية تعد حاليا أعلى بعشرات إلى آلاف المرات مما كان متوقعا من دون تدخل بشري، حيث قام البشر بتعديل ما يصل إلى 70% من جميع الأراضي، وتركوا موائل أقل إنتاجية في أعقابهم.
ويتطلب تأمين أهداف التنوع البيولوجي لعامي 2030 و2050، التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر الأطراف الخامس عشر “كوب 15″، اتخاذ إجراءات عاجلة للغاية لتفادي التأخر في الاستجابة والتغيير البيئي المهم الذي حدث بالفعل. ووفقا للدراسة، فإن الجهود الجذرية لاستعادة الأراضي ربما لا تنجح في وقف انخفاض عدد الحيوانات بحلول عام 2030 في هذه المرحلة.
وتوضح الدراسة أن تغير التنوع البيولوجي معقد للغاية، ويتضمن تأثيرات متأخرة على المدى الطويل، مثل فقدان الموائل وتغير المناخ. وتشير التوقعات إلى أن بعض الأنواع ستتعرض للخسارة (الطيور المتوسطة الحجم) بينما يزدهر البعض الآخر (الطيور الكبيرة) بحلول عام 2050، وقد تكون اتجاهات الوفرة محصورة إلى حد كبير.
وتشير الدراسة إلى أنه يجب أن ننظر إلى المستقبل بعين الاعتبار لفهم تأثيراتنا الكاملة على التنوع البيولوجي، وتعد المناطق المحمية وسيلة فعالة للحفاظ على الحياة البرية. ومع ذلك، فإن حماية 30% من الأراضي بحلول عام 2030 لن تكفي، وستكون هناك حاجة إلى تدخلات إضافية للحفاظ على التنوع البيولوجي.
إضافة إلى العوامل البيئية، يمثل الاستغلال الجائر للأنواع الحيوانية تهديدا رئيسيا وخطرا مباشرا، ويرتبط بانخفاضات أسرع في أعدادها، ويسلط الاستغلال المفرط المستمر والاستجابات المتأخرة للتغير البيئي الضوء على الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات لتعزيز تعافي الفقاريات بحلول عام 2030.
ويحذر الفريق من أن حماية 30% من الأراضي بحلول عام 2030 لن تكون كافية، وستكون هناك حاجة إلى تدخلات إضافية للحفاظ على التنوع البيولوجي، وإدارة المناطق المحمية تخفف من التهديدات من الاستخدام المباشر للحياة البرية مثل الصيد، ويمكن أن يستمر هذا إذا تم الحفاظ على حدود مستدامة مثل حصص الصيد.
وتؤكد هذه الدراسة الجديدة أنه يجب أن ننظر إلى العوامل الأخرى في المستقبل لفهم تأثيرها الكامل على التنوع البيولوجي، وتعد المناطق المحمية أحد الأصول في جهود الحفظ، خاصة بالنسبة للطيور.
علاوة على ذلك، فإن الجهود لإدارة الموائل واستعادتها لها فوائد مباشرة لصحة الإنسان والنظم البيئية العاملة، وتخفض من احتمال حدوث الأمراض، ويعد الحفاظ على التنوع البيولوجي مكسبا كبيرا لنا وللبيئة التي نعيش فيها، ويجب أن تكون أفعالنا سريعة وذات مغزى، كما ينبغي لنا اتخاذ إجراءات فورية وفعالة إذا كنا جادين في إنقاذ التنوع البيولوجي. (الجزيرة)