أحيت الولايات المتحدة عيدها الوطني في أجواء مشحونة ومتوترة بين المؤيدين للرئيس الحالي دونالد ترامب والمعارضين لسياساته خاصة بعد كل ما أثارته قضية مقتل جورج فلويد المواطن الأميركي أسود البشرة على يد ضابط شرطة أبيض.
وهتف المتظاهرون المناهضون للعنصرية “حياة السود مهمة” وهم يسيرون في الجادة المتاخمة للبيت الأبيض كما وجهوا شتائم لناشطة تحمل لافتة تظهر دعمها لترامب في وسط واشنطن حيث اتسم الاحتفال بالعيد الوطني الأميركي بالمواجهة والانقسام.
وعلى بعد بضع مئات من الأمتار من حديقة البيت الأبيض، يجد الطرفان نفسيهما وجها لوجه فيما لا يبدو أنّ ثمة مجالا للتوفيق بينهما في يوم اعتاد فيه الأميركيون الاحتفال باستقلال ووحدة البلاد.
وقامت السلطات لتجنب الصدامات، بنشر قوات ضخمة من الشرطة حول المقر الرئاسي الذي بدا كقلعة محصنة.
ويعتبر الكثير من المراقبين أن مستقبل ترامب وكذلك مستقبل الولايات المتحدة لن يكونا أبدا، مثلما كان الوضع قبل مقتل جورج فلويد وذلك مع تصاعد الدعوات لإثارة ملف العنصرية المسلط على السود منذ عقود ومع كل الرؤساء سواء كانوا من المعسكر الديمقراطي أو الجمهوري.
وقالت الناشطة الموالية لترامب كريستي باندورا غريكتشوفسكي التي وجهت اللوم إلى المتظاهرين، “يجب أن نحتفل بوحدتنا وتنوعنا وحريتنا، لا أن نعدّ أنفسنا أعداء جاهزين لخوض الحرب”.
في المقابل، يعتبر المتظاهرون أن عيد الاستقلال هو فرصة هامة لتصحيح المسار ولإعادة كتابة التاريخ بما يليق بالمبادئ التي بنيت عليها الديمقراطية الأميركية منذ قرون. وتابع المتظاهرون سيرهم حتى وصلوا إلى “بلاك لايف ماتر بلازا (ساحة حياة السود مهمة)”، وهو جزء من شارع أصبح مركزا للتظاهرات في العاصمة الأميركية.
وأصبحت الولايات المتحدة، منذ أكثر من شهر وإثر مقتل أميركي من أصل أفريقي على يد شرطي أبيض في مينيابوليس، مسرحا لحركة غضب تاريخية ضد العنصرية، من أجل العدالة والمساواة العرقية.
وتوالت التظاهرات وأحيت النقاش الشائك حول إرث ماضي الرق في البلاد. لكن الرئيس الأميركي الملياردير الجمهوري اتهم المتظاهرين “الراديكاليين” برغبتهم في “محو” التاريخ الأميركي.
وعلى الطرف الآخر من الجادة، أعربت جنيفر فريند عن حزنها لوجود هذه المواجهة. وترى هذه السائحة (53 عاما) القادمة من فلوريدا للاحتفال بالعيد الوطني في ذلك “أنه عدم احترام للرئيس، إنه يتعرض للهجوم من جميع الجهات”.
وأوضحت “كل الحياة مهمة” بالإشارة إلى هتاف المتظاهرين المناهضين للعنصرية، “لكن المتظاهرين يختارون ما يريدون الاحتجاج عليه، إنه نفاق”.
وأبدى صديقها بيل يونغ قلقه حيال فقدان حرية التعبير أمام هؤلاء المتظاهرين، وقال بأسف “إذا كان لديك رأي مخالف، فأنت عنصري”.
واعتبر ذلك أسوأ شيء في هذا اليوم المميز للولايات المتحدة. وقال “إن سبب وجود هذا اليوم يعود إلى أن بريطانيا قالت افعلوا هذا ونحن قلنا لا”.
وعلى بعد أمتار من ناشيونال مول الذي تغطيه أشعة الشمس الحارقة وحيث تمت إقامة الحفل التقليدي للألعاب النارية ليلا، وقف الموالون والمناهضون لترامب جنبا إلى جنب، وينظرون إلى بعضهم البعض شزرا وقد يصل بهم الأمر أحيانا إلى تبادل الشتائم.
وأتت كاتيما مكميلان (24 عاما) من كنتاكي مع مجموعة من الناشطين. ومدوا على العشب عدة أشرطة تمثل الألوان الثلاثة لعموم أفريقيا، الأحمر لإراقة الدماء والأسود الذي يعبر عن شعب وثقافة القارة والأخضر للطبيعة.
وقالت الشابة الأميركية من أصل أفريقي “نريد أن يعرف العالم وليس فقط في الولايات المتحدة، أننا لسنا أقل من الآخرين”.
وأعربت ماري بيرن (54 عاما) التي أتت مع ولديها عن قلقها بشأن “العداء” السائد الآن.
وأوضحت “لم نعد نتحدث الآن، أصبحنا نصرخ بوجه بعضنا البعض”، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تجري مراجعة “نزيهة” للضمير حول مدى اتساع رقعة العنصرية في البلاد.
ويرفض آخرون تبديد فرحتهم بالعيد الوطني، ومنهم الزوجان واين ولينز الاتيان من ولاية ماريلاند المجاورة، وهم من بين الضيوف الذين تم اختيارهم بالقرعة لحضور “تكريم أميركا” الذي سيقوم به الرئيس.
وتقول لينز (56 عاما) والابتسامة تعلو وجهها “أنا متحمسة للغاية”، مضيفة “بغض النظر عمن يكون الرئيس، إنه شرف لي أن آتي إلى البيت الأبيض”.
وعلى الرغم من ظهور دونالد ترامب في أكثر من مرة في موضع قوة للرد على المحتجين ضد العنصرية، فإن الكثير من الأوساط السياسية تقر بأن حادثة مقتل فلويد ستؤثر حتما على نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة بعدما أصبح ترامب متهما حتى قبل وصوله للبيت الأبيض بأنه عنصري ومعاد للسود بشكل خاص.
مقتل جورج فلويد يقسم الولايات المتحدة نصفين
الوسوم